الميثاق نت -

الخميس, 07-نوفمبر-2019
عبدالملك‮ ‬علي‮ ‬المروني‮ ‬ -
في الربع الأخير من الثمانينيات دعوت عدداً من الزملاء لكتابة استراحة العدد في صحيفة المنار التي كنت اتولى ادارة تحريرها. واشترطت على الزملاء من خارج الصحيفة أن يكتبوا شيئا ساخنا ومادة لافتة تشعل حماس القارئ والرقيب معا..
وتلقيت‮ ‬كتابات‮ ‬شبه‮ ‬باردة‮ ‬وذات‮ ‬نمط‮ ‬تقليدي‮ ‬تنوع‮ ‬بين‮ ‬الحديث‮ ‬عن‮ ‬عيد‮ ‬الحب‮ ‬اوعيد‮ ‬الشجرة‮. ‬وبين‮ ‬اعجاب‮ ‬بلاعب‮ ‬كرة‮ ‬امريكي‮ ‬وهكذا‭..‬‮ ‬فتطوعت‮ ‬لكتابة‮ ‬هذه‮ ‬المادة‮ ‬وظهرت‮ ‬بعنوان‮ »‬الشقيقة‮ ‬إسرائيل‮«. ‬
والحديث الناعم عن العدوالتاريخي والوحيد للأمة في زمن كان العرب فيه مايزالون عربا.. وجامعتهم العربية تتحدث اللغة العربية بطلاقة يعد ضربا من المغامرة والقفز على جدار اللاممكن خاصة وأن فلسطين كانت الأرض العربية الوحيدة التي كانت تخضع للاحتلال المباشر فيما عواصم‮ ‬الوطن‮ ‬العربي‮ ‬ترفع‮ ‬جميعها‮ ‬علم‮ ‬الاستقلال‮ ‬ويناضل‮ ‬بعض‮ ‬حكامها‮ ‬في‮ ‬سبيل‮ ‬تحرير‮ ‬الأرض‮ ‬المحتلة‭..‬‮ ‬وقضية‮ ‬العرب‮ ‬المركزية‭..‬‮ ‬
وخلال يومين كانت رسائل القراء واتصالاتهم تهبط عليَّ مشحونة بالدهشة ومصبوغة بالايماءات والمعاني المزدوجة.. وبالطبع فإن المقالة اياها لم تغادر ساحة الوعي العام ولم تدنُ من اسوار التطبيع ولغة التصالح والتسامح. بل كانت تلامس الجرح العربي بشيء من السخرية وتنبش في‮ ‬اصداف‮ ‬الوجع‮ ‬الاسلامي‮ ‬بأصابع‮ ‬الوجل‮ ‬من‮ ‬القادم‮. ‬وماقد‮ ‬تحمله‮ ‬الأيام‮ ‬إن‮ ‬لم‮ ‬يثبت‮ ‬العرب‮ ‬عند‮ ‬حافة‮ ‬عروبتهم‮ ‬ويجيدوا‮ ‬سبل‮ ‬الصراع‮ ‬مع‮ ‬العدو‮ ‬الصهيوني‭..‬‮ ‬
وذهبت بعيدا في اللوم والتحفيز فقلت بما معناه بأن الأمة العربية بحاجة اكثر من اي وقت لرص الصفوف والتوجه نحو خطوات اكثر جدية ومسؤولية في مواجهة إسرائيل وبعكسه فإنه من غير المستبعد أن يأتي يوم نرى فيه العرب وقد باتوا دون هوية يهرولون الى موائد التطبيع مع الكيان‮ ‬الصهيوني‮ ‬بنفس‮ ‬السرعة‮ ‬والحماس‮ ‬التي‮ ‬يتقاتلون‮ ‬فيها‮ ‬مع‮ ‬بعضهم‮ ‬عل‮ ‬بضع‮ ‬كيلومترات‮ ‬على‮ ‬حدودهم‮ ‬المشتركة‭..‬‮ ‬
واظنني‮ ‬اختتمت‮ ‬بتحذير‮ ‬مؤاده‮ ‬أننا‮ ‬إذا‮ ‬لم‮ ‬نعِ‮ ‬من‮ ‬نحن‮ ‬ومن‮ ‬هم‮ ‬فسيأتي‮ ‬يوم‮ ‬نجد‮ ‬فيه‮ ‬إسرائيل‮ ‬وقد‮ ‬باتت‮ ‬عضو‮ ‬في‮ ‬جامعة‮ ‬الدول‮ ‬العربية‭..‬‮ ‬
ومرت‮ ‬الايام‮. ‬وتلاشت‮ ‬تدريجيا‮ ‬قيم‮ ‬الدين‮ ‬والتاريخ‮ ‬والجغرافيا‭..‬‮ ‬واصبح‮ ‬الوطن‮ ‬العربي‮ ‬هو‮ ‬الشرق‮ ‬الأوسط‮ ‬ومن‮ ‬ثم‮ ‬الشرق‮ ‬الأوسط‮ ‬الجديد‭..‬‮ ‬
ثم‮ ‬توالت‮ ‬صعد‮ ‬التطبيع‮ ‬والتطبع‮ ‬بمباركة‮ ‬واسناد‮ ‬من‮ ‬المال‮ ‬الخليجي‮ ‬الذي‮ ‬مون‮ ‬وغذى‮ ‬كل‮ ‬جهد‮ ‬استسلامي‭..‬‮ ‬ودفع‮ ‬بثقافة‮ ‬انهزامية‮ ‬منحطة‮ ‬الى‮ ‬قلب‮ ‬وعينا‮ ‬القومي‮ ‬وثقافتنا‮ ‬الإسلامية‮ ‬وتراثنا‮ ‬الجهادي‮ ‬والمقاوم‭..‬‮ ‬
حدثت كثير من الأمور التي نعرفها وانهالت دعوات السلام والمصالحة عل محيطنا كله. ومن كامب ديفيد الى أوسلو الى شرم الشيخ الى غرف النوم ومطابخ الريال السعودي كنا نسير ولانسير.. وأصبحت جامعة الدول العربية مجرد غرزة للقادة العرب يمارسون فيها طقوسهم المعهودة في هكذا‮ ‬مواسم‮ ‬وديوانية‮ ‬للاستعرض‮ ‬السياسي‮ ‬والشخصي‮ ‬لحكام‮ ‬يعيشون‮ ‬حالة‮ ‬انفصام‮ ‬مع‮ ‬شعوبهم‮. ‬وفترة‮ ‬خطوبة‮ ‬تسبق‮ ‬زواجاً‮ ‬غير‮ ‬شرعي‮ ‬يوشك‮ ‬أن‮ ‬يحدث‭..‬‮ ‬
ولم تكن امريكا كراعي سلام مفترض هي العصا الوحيدة المرفوعة في وجه هؤلاء ليسلكوا سبل السلام الاجباري القائم فحسب.. بل كانت عوامل أخرى ذات فعالية في إدارة عجلة هذه العربة المتهالكة أبرزها إجماع هؤلاء القادة عل خط موحد يتشارك فيه الكل.. وهوالفساد العام داخل شعوبهم‮. ‬وسياسة‮ ‬التوريث‮ ‬وانعدام‮ ‬الديمقراطية‮ ‬في‮ ‬بلدانهم‭..‬‮ ‬وهكذا‮ ‬سارت‮ ‬الأمور‮ ‬حتى‮ ‬وصلت‮ ‬إلى‮ ‬محطتها‮ ‬ماقبل‮ ‬الأخيرة‭..‬‮ ‬
هذه المحطة التي نراها اليوم في شكل سباق محموم نحو توطين أفضل مستويات العلاقة مع الكيان الصهيوني مقابل اقرارمشروع تهجير الشعب الفلسطيني كشعب وقضية.. وجغرافيا.. ومد جسور التواصل الحميمي مع اعداء الامس ورفقاء اليوم..
مايحدث اليوم في البحرين وماحدث بالامس في ذات المكان.. لايعني غير شيء واحد هو إحداث تغيير داخل الذهنية العربية بحيث تستطيع أن تتعاطى اليوم وغداً مع راعي سلام جديد وصانع حرب أجد اسمه إسرائيل، بحيث تتفرغ امريكا لمواجهة تحديات داخلية وخارجية كبيرة وتترك للعرب عراب‮ ‬جديد‮ ‬لايحتفظ‮ ‬بمقعد‮ ‬واحد‮ ‬داخل‮ ‬الجامعة‮ ‬العربية‮ ‬فحسب،‮ ‬بل‮ ‬يأخذ‮ ‬الجامعة‮ ‬بكلها‮ ‬في‮ ‬قبضته‮ ‬ويدير‮ ‬حروبه‮ ‬ومصالحه‮ ‬من‮ ‬خلال‮ ‬أشقاء‮ ‬جدد‮ ‬يحملون‮ ‬هويات‮ ‬عربية‮ ‬واجساداً‮ ‬غير‮ ‬عربية‮ ‬البتة‮. ‬
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:54 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-57020.htm