حسين الوادعي - لا يمكن فهم "الدين السياسي" الذي يحاصرنا دون استيعاب ان الإسلام كما نفهمه ونمارسه اليوم هو اسلام العصر العباسي!
وحتى لا تفهموني خطأ، فلا شك ان الإسلام كعقيدة جديدة بدأ وتشكل مع تجربة الرسول والصحابة، لكننا لا نعرف الشيء الكثير عن ملامح ذلك الإسلام وعقائده لسبب بسيط هو ان تدوين العقائد والتعاليم لم يبدأ إلا في العصر العباسي.
ففي العصر العباسي ظهرت المذاهب الكبرى التي تحكم فهمنا الديني حتى اليوم، وفيه تم تأسيس علوم الفقه والتفسير والحديث. واتخيل لو أن أحد الصحابة المقربين عاد الى الحياة مرة أخرى في العصر العباسي لتفاجأ أن كثيراً من العقائد والاصول والنصوص المنسوبة الى الإسلام لم تكن معروفة في زمنه وزمن الرسول!
تم تشكيل الإسلام كما نعرفه اليوم حسب احتياجات العصر العباسي، وهذا أدى الى سيطرة اتجاهين مازالا يحكمان تديننا واسلامنا حتى اليوم:
الاتجاه الأول: تحويل الإسلام الى دين عائلي وراثي، وكان السبب في هذا ان الدعوة العباسية قامت وعارضت بني أمية انطلاقاً من مبدأ أحقية آل محمد وبني هاشم بالخلافة واعتبارها وراثة في نسله الى يوم الدين.
ولان الذي سيطر هم ابناء عمه العباس وليس ابناء على بن ابي طالب تم اختراع قاعدة "التعصيب" في الميراث التي تقول ان العم يرث مع الابناء والبنات، بل انه قد يرث كل شيء اذا مات المالك وليس لديه ابناء او بنات يرثونه، وان العم يحجب ابن العم في الميراث!
وكان الهدف من هذه القاعدة تعميمها الى السياسة وتبرير كيف أن العم (العباس) حجب ابن العم (علي) في الميراث (الحكم والخلافة).
وفي المقابل قال الشيعة المتعصبون لأبناء علي من فاطمه ان البنت تحجب العم في الميراث، وهذه القاعدة الميراثية هي كسابقتها قاعدة سياسية القصد منها ان فاطمة تحجب عمها العباس في الميراث (والمقصود بالميراث هنا الحكم والخلافة التي تنتقل بالضرورة الى ولديها الحسن والحسين).
ورغم اختلاف العباسيين مع الطالبيين حول الحكم الا ان كل مذاهب الاسلام سنية وشيعية اجمعت على حصر الحكم في قريش وعلى تفضيل بني هاشم على بقية فروع قريش.
وكان للشافعي -الذي يعتبر بحق مؤسس الفقه الاسلامي عبادة ومعاملات- دور كبير في تحويل حب ال البيت الى دين، فهو وحده من ادخل الصلاة على آل البيت الى "التشهد" وجعلها ركناً لصحة الصلاة ثم جعلها تلاميذه شرطاً لصحة العقيدة!
وهكذا كان يتم تشكيل الإسلام وتشكيل الاحكام والعقائد بما يتناسب وصراعات العصر العباسي ومشاكله.
الاتجاه الثاني: كان الشمولية وسيطرة الإسلام الفقهي المعاملاتي المتشدد، وتم هذا بالذات في عصر المتوكل الذي كان في صراع شديد مع تيارات اسلامية كالمعتزلة والشيعة ومع اديان أخرى كالمسيحية والمانوية ولهذا تحالف مع اشد التيارات تعصبا وهو تيار اهل الحديث وفرض تفسيرا واحدا للإسلام هو التفسير النصوصي الذي يرى ان النص الديني اجاب عن كل الاسئلة بإجابة واحدة محسومة ونظم كل جوانب حياة المسلم من اللبس الى الاكل والنظافة والسياسة والزواج والتجارة والحياة والموت.
ومنذ "الانقلاب المتوكلي" تحول الاسلام الى ذلك الدين الصلب الاحادي المعادي لكل اختلاف وتفسير جديد.
|