تحقيق/ عبدالعزيز الويز - ❊ من أزمة الغاز واشتعالها في الأسواق إلى أزمة الديزل واختفائه.. أصبح على المواطن أن ينتقل بخاطر مفطور دون حتى معرفة طلاسم هذه الأسفار المباغتة. في الأيام الأخيرة شهدت البلاد أزمة خانقة في حصول المستهلك البسيط على مادة الديزل نتيجة لاختفائه في كثير من محطات الوقود الموفرة له، وبأعيننا رأينا كثيراً من المركبات التي تعمل بالديزل أثناء زيارتنا الميدانية واقفة عن الحركة لينضم أصحابها إلى قائمة البطالة، وفي طرف آخر رأينا طوابير تحتل مساحات شاسعة من الشوارع باتجاه بعض المحطات ليس لبشر كما تعودنا في مواسم الانتخابات ولكنها لمركبات عطشى تلتصق ببعضها وبهجير الظهيرة إنتظاراً لدورها في فك ضمأ الديزل عنها. المرابطون في حقول الزراعة كان لهم نصيب من هذه الأزمة بتوقف مولداتهم عن دورها بالري بالتقطير وسقاية البطاط والطماطم ورأينا قلقهم يجرهم من أريافهم إلى المدن في رحلة بحث عن لترات تعيد الحياة لمنتوجاتهم. الإضاءة المتولدة بمولدات الديزل في كثير من المديريات وقُراها أفلت عن كثير من المنازل وحُكم على سكانها العودة إلى «شمع أبوقلم». تحليلات عدَّت هذا الاختفاء المباغت لمادة الديزل في الأسواق بداية تخلٍ من الحكومة عن دعمها للوقود بينما جهات مسؤولة أكدت استمرار الدعم بشكل كبير ومطمئن.. أخرون ذهبوا يعللون هذه الأزمة بأزمات أشد خطورة من أزمة اختفاء مادة الديزل وشحتها في السوق «التهريب نموذجاً».. مصادر رسمية أكدت أن هلع تجار النفط وتهافت أسرى الإشاعة على استنزاف المحطات أدى إلى اختفاء الديزل وشحته في كثير منها. خفايا وأسرار اختفاء مادة الديزل واشتعال أزمتها في الأسواق وروابط أخرى متعلقة تطالعونها بالتحقيق التالي: اختبار لياقة ^ في زحمة الطابور المرصوص لمركبات الديزل وضجيج الانفعالات الصاخبة لسائقيها أمام إحدى محطات الديزل في جولة مذبح تقاطع شارع الستين بأمانة العاصمة التقينا عبدالرقيب العكثبي- سائق باص- وقد طفح وجهه بملامح قزحية تصدرها الغضب بعد ان مضى عليه أكثر من ساعة وهو ينتظر دوره في سلسلة طويلة كاد أن ينتهي هو ولم تنته، يقول عبدالرقيب «من الصباح ما اشتغلت غير مشوار واحد والآن قرب الظهر ونحن ماسكين سِرة وفي تسبيبه لهذه الأزمة قال: يشتوا يجربوا لياقتنا حتى يرفعوا سعر الديزل فقاموا يخفوه لأجل يطلع له الطعم ويغلي ثمنه». ثم قال مخاطباً إياي «عليكم أن تستعدوا أنتم بظهوركم لتلقي زيادة ايجار الراكب». واقع لايشجع ^ أما العم أحمد صالح الريدي مزارع قادم من الريف بسيارته نوع هيلوكس غمارة وعلى قفصها برميل ونيف دبات فارغة يقصد المحطة لأخذ موقعه في الطابور وبعد أن اطمأن على رقمه في سلسلة الانتظار فَرِغَ ينصب مع استفهاماتنا له بمثابرة عالية تدل على انه من المتفوقين في الزراعة. وفي ر ده على أسباب أزمة الديزل المشهودة افتانا بقوله: «الله أعلم» ومن قال الله أعلم فقد أفتى. ولأن ذاكرته مملوءة بالأمثال الشعبية جعل العم أحمد يشخص تهافت الناس على المحطات بصورة مقلقة بقوله: «كل ممنوع مرغوب» وينظر العم أحمد إلى واقع الزراعة مع مثل هذه «المُحلقات» كما يسمي الأزمات- بأنه واقع غير مشجع للاستمرار في احتراف الزراعة ويؤثر عليها بشكل سلبي ويصمم على ضرورة ايجاد حل لهذه المشاكل من قبل الحكومة أولاً وتعاون المواطن معها ثانياً. غصة الانتماء ^ أما الأخ عباس محمد قايد- «صاحب محطة» فقد أخذنا بحديثه إلى مصفوفة طويلة من المتاعب التي تعترض مالكي المحطات في محافظة إب جراء المعاملة التهميشية التي يميزهم بها القائمون على مصافي النفط في المخا والحديدة، ويعلل عباس الأزمة التي حدثت مؤخراً في اختفاء مادة الديزل بأن قلة الكمية في المصافي والمنشآت النفطية وانعدام توافرها أحياناً فيها والتلاعب في حصص المحافظات هو السبب الحقيقي لهذه الأزمة، وروى عباس لنا جملة من التعسفات التي ينفرد بها مالكو المحطات في إب والتي تؤثر بدورها في انعدام مادة الديزل في محطاتهم بدءاً من عدم صرف حصة المحافظة كما هي محددة بـ«350» ألف لتر يومياً باستثناء الخميس والجمعة مروراً بالتأخير العمدي لناقلات النفط المُسجلة حضورها مبكراً باسم المحافظة إلى قرابة ستة أو سبعة أيام واستهداف سائقيها بصورة مكررة بالتعب والتطفيش، وواصل عباس حديثه: أن مصدر تمويل محافظة إب هو من ميناء المخا لكن في كثير من الأحيان يصادف أنها تغلق أبوابها بحجة نفاد الوقود لديها وتحيلهم إلى مصافي الحديدة أو عدن فنضطر إلى السفر إلى إحدى المحافظتين وهناك يتم إعادتنا إلى المخا تحت مبرر أن حصة إب من هناك وهكذا نظل في ذهاب وإياب «عدن- المخا»، «الحديدة- المخا» إلى أن يتم الفرج. وذكر عباس انه مع اندلاع أزمة الديزل مؤخراً كان هناك نزول ميداني إلى محطاتنا في المحافظة من قبل شركة النفط للتفتيش فوجدوا ان معظمها قد نفذت لديها مادة الديزل مما يقودنا إلى أن سبب الأزمة هو تآخر التمويل من المصافي. وبالأرقام أخذ عباس يحصي بأن حصة إب التي أخذتها الأسبوع الماضي من يوم السبت وحتى الأربعاء بلغت حوالي (800) ألف لتر من إجمالي الحصة المستمدة والمقدرة بـ(1.750.000) لتر على أساس أن الحصة اليومية هي (350) ألف لتر.. بمعنى أن هناك نقص حوالي (950) ألف لتر من إجمالي حصة المحافظة وهذا من وجهة نظره كفيل بإحداث أزمات داخلية في السوق. شائعة الاستنزاف ^ رئىس اتحاد ملاك المحطات فرع إب حمود ناجي أبولحوم قال: «إن اختفاء مادة الديزل يعود إلى المواسم الزراعية التي تتزامن مع هذه الأيام مبتدئة من شهر نوفمبر وفي مقدمة ذلك زراعة القات المستمرة طوال العام حيث يشكل ذلك ضغطاً في اتجاه زيادة الطلب لمادة الديزل في الوقت الذي فيه العرض محدود.. وأضاف: إن شائعة رفع الأسعار التي ذاع صيتها بين الناس وتناقلوها فيما بينهم بعد ملاحظة ارتفاع فعلي في بعض السلع الغذائية كان لها الأثر في نفوس مستهلكي الديزل وتدفقهم على زيادة طلبه واستنزافه من المحطات وهذا ما أدى إلى تأجيج الأزمة بصورة مقلقة. وبحرص وطني أهدى أبولحوم نصحه للإدارة العامة لشركة النفط بأن تحرص على السواحل والانتباه لها وتفتح عيونها عليها شوية. انطباع مغلوط ^ من جانبه أوضح النائب محمد الخادم الوجيه رئىس لجنة النفط والمعادن في المجلس عن اقرار المجلس هذا العام دعماً كبيراً للزيوت والوقود والمشتقات النفطية في موازنة 2008م التي تقدمت بها الحكومة بما يدعو للتفاؤل ودحض الشائعات المتسربة في رفع الدعم عن المواد البترولية. وقال: إن الشائعات اعطت انطباعاً مغلوطاً لدى الناس حول مادة الديزل والبنزين فأدى هذا إلى تهافتهم توجساً من زيادة الأسعار فكان كل واحد منهم يأخذ عدداً من الدبات والبراميل ويذهب نحو المحطات. وذكر الوجيه في معرض حديثه ان التهريب مشكلة قائمة ولا اعتقد ان لها علاقة بموضوع شحة الديزل الذي حدث.. وذكر الوجيه في معرض حديثه معللاً أسباب حدوث الأزمة الأخيرة لاختفاء مادة الديزل في الأسواق بقوله: إن التهريب مشكلة قائمة ولا علاقة لها بانعدام الديزل في المحطات واستشهد أنه الآن قد تم تغطية حاجات السوق بينما التهريب لايزال مستمراً كمشكلة تواجه صعوبة في مكافحتها.. وأورد مثالاً على ذلك التعقيدات الموجودة في مشكلة التهريب في حدود أمريكا مع المكسيك رغم فارق الإمكانات التي لم تستطع أمريكا أن تحسم بها مشكلة التهريب.. متمنياً ألا يفهم كلامه هذا تخلي الحكومة عن دورها وواجبها والتزاماتها التي قطعتها على نفسها أمام المجلس في متابعة المهربين، مؤكداً على إلقاء القبض من قبل الحكومة على بعض منهم. وأضاف: ان السعر المنخفض دائماً يغري ويجعل من السلعة احتياجاً قائماً ورائجاً في الأسواق. تهافت واحتكار ^ الأخ عمر الأرحبي المدير العام لشركة النفط اليمنية وفي تصريح صحفي لـ«صحيفة الوسط» برر ما اعتبره شبه أزمة في مادة الديزل بأنها ناجمة عن تهافت المواطنين على الديزل بشدة مما أدى إلى توقف بعض المحطات عن بيعه بغية احتكاره.. مؤكداً في سياق تصريحه استمرار تغطية الأسواق اليمنية باحتياجاتها من الديزل من قبل وزارة النفط والمعادن دون أية زيادة في السعر. وأوضح الأرحبي وجود تنسيق مع وزارة الداخلية لضبط مالكي المحطات في حالة اخفائهم مادة الديزل وعدم بيعه بالسعر المتعارف عليه.. مشيراً الى أنه تم سجن مايزيد عن 18 مالكاً من أصحاب المحطات قاموا بإخفاء الديزل واحتكاره. وعلى نفس الصعيد سبق أن أوضح الأرحبي لموقع «سبتمبرنت» عن وجود تهريب لمادة الديزل يكلف اليمن ( 180) مليار ر يال سنوياً.. حيث قال في حديثه: «إن كميات الديزل التي يتم تهريبها من اليمن تصل إلى (100) ألف طن شهرياً». تكالب غير طبيعي ^ وفي زاوية تحليلية أوضح استاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء د. طه الفسيل في تعليلات أزمة الديزل أن هناك تزايداً مخيفاً لمادة الديزل باعتباره أرخص، وهذا أثر تأثيراً كبيراً على طلب المادة واستيرادها اضطرارياً.. مضيفاً: ان الديزل مادة غير صديقة للبيئة نظراً لآثارها الضارة والمتعددة خاصة في المدن إلاَّ أن المستهلك ينظر إلى مصلحته بغض النظر عن الأخطار. وقال الفسيل: حدث نقص في العرض استغلته بعض الجهات لخلق أزمة، خاصة وأن هذا الوضع توافق مع بعض الإشاعات في كثير من وسائل الإعلام عن رفع الأسعار وبالذات في المشتقات النفطية وهذا أدى إلى تكالب المواطنين عليها وعندما يزداد الطلب بشكل غير طبيعي تحدث أزمة.. وأورد الفسيل في سياق حديثه حلولاً لمثل ذلك بإمكانية الحصول على مساعدات من الدول الأوروبية لتحويل النقل العام والتدفئة إلى الغاز بدلاً عن الديزل وزيادة الاستفادة من الغاز المصاحب للنفط LBG، حيث يلاحظ أن حجم استغلال هذا الغاز منخفض جداً من حيث الاستفادة منه بحيث يعاد حقنه في الآبار. أضف أن كثيراً من الباصات والمركبات تم تحويلها إلى العمل بالديزل، وأية سلعة عندما تكون مدعومة يؤدي هذا إلى زيادة استهلاكها. |