كتب/ عمار الأشول - في اليمن، كما أوضح البردوني، قدّس الله شعره، عندما خاطب أبا تمّام قائلاً: »ماذا...؟ أتعجب من شيبي على صغري؟ إنّي وُلدتُ عجوزاً كيف تتعجّب!«. في هذا البلد، نولد على أمل الموت. تشيب قلوبنا قبل شعر ذقوننا، وشعر رؤوسنا يبيض قبل أوانه. نتزوج مبكراً، نشيخ مبكراً، ونموت، أيضاً، مبكرين.
مستعجلون في كل شيء، حتى في الحب، لنجد أنفسنا وقد تورّطنا فيه، فيتحول فينا إلى نقمة بدلاً من النعمة.. كتب أحدهم ذات يوم: »اليمني إذا أرسلت له بنت طلب إضافة على فيسبوك، يقبل الإضافة ويتبعها مباشرةً بكلمة أحبك«، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الكبت والحرمان الذي يعيشه اليمني منذ صغره، سواء أكان ذكراً أو أنثى.
هكذا نستعجل حتى في أعمارنا، حيث إن متوسط عمر اليمني، بحسب منظمة الصحة العالمية 62 عاماً للذكور، و65 للإناث، وهو عمر قليل جداً مقارنة بأعمار الشعوب العربية الأخرى، حيث جاء في التقرير ذاته أن متوسط عمر المرأة القطرية 80 عاماً، فماذا لو قارنّا أعمارنا بأعمار سكان الدول المتقدمة؛ حتماً إنها فضيحة، حيث وصل متوسط عمر المرأة اليابانية إلى 87 عاماً وهي الأولى عالمياً، بينما تصدّرت آيسلندا سلّم الترتيب الأول للرجال، إذ إن متوسط أعمارهم فيها بلغ 80 عاماً، وهذا ما يعني أن الفرق مهول بين أعمارنا وأعمارهم، فارق يصل إلى عشرين عاماً، يا للهول.
حتى التقزّم، بحسب »الصحة العالمية«، فقد جاء اليمنيون في المرتبة الأخيرة عربياً في الطول، وقبل الأخيرة عالمياً، بينما حاز لبنان على المرتبة الأولى عربياً، فيما أحرز الهولنديون المرتبة الأولى عالمياً.
لستُ متشائماً حتى أورد هذه المعلومات المثيرة للتشاؤم أصلاً، لكنني، في الحقيقة، غارق في الحزن. كيف لا أحزن، وأنا أرى شعباً من الأمنيات المتلاشية، شعباً أراد له الثلايا الحياة؛ فأراد للأخير الموت! حتى عيبان على غير عادته، الفرق بيني وبينه، أنه متعوّد على هكذا خذلان، بينما أنا لا أملك عمر جبل.
متوسط العمر القليل، والقصر في الطول، والاندفاع، والتهور، وغيرها ليست عيوباً بحد ذاتها؛ العيب كل العيب هو في من أراد للشعب أن يكون في هذه الحالة من التراجع والتقهقر حتى على مستوى تفكيره، إذ إن الشعب اليمني من بين أفضل الشعوب رُقياً ونُبلاً وتحضراً وكرماً وأخلاقاً، ولكن هناك من يعمل على الدوام على فرملته، بحيث تسهل السيطرة عليه وتسخيره لخدمة أهدافه ومصالحه، إنها السلطة بلا شك، كل السلطات المتعاقبة في اليمن، هي المتورطة بكبح جماح هذا الشعب الطيب والساذج والمثابر!
نولد وليس أمامنا أي شيء سوى انتظار الموت، كلٌّ منا ينتظر الموت على طريقته.. المنتمون إلى الجماعات الدينية يريدون الشهادة، أبناء القبائل على أهبة الاستعداد للذود عن العادات والتقاليد المتوارثة، المتمدنون، المتحضرون يقضون في سبيل الديمقراطية والليبرالية والاشتراكية المستوردة، والشعب يموت سعياً في سبيل معيشته، كل همه أن يملأ جوفه بخبزة دافئة، وماء بارد.
|