عمار الأشول - البقاء الرمزيّ للقوّات السودانيّة في اليمن ما هو إلّا بمثابة غطاء لاستمرار التحالف العربيّ إلى حين إعلان السعوديّة رسميّاً عن انتهاء مهمّته في اليمن.
بيروت:لم يكن مفاجئاً في 14 يناير خبر تقليص عدد القوّات السودانيّة إلى (600) مقاتل في اليمن حيث تشارك السودان في التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين المدعومين من إيران منذ مارس 2015م.
وقد أكد الناطق باسم قوّات الدعم السريع التابعة إلى الجيش السودانيّ العميد جمال جمعة آدم لوكالات الأنباء في 14 يناير أنّ "مجموعة بسيطة تبقّت من القوّات السودانيّة في اليمن، وهي آخر قوّة موجودة هناك وتمثّل 657 فرداً،" مشيراً إلى أنّ القوّات السودانيّة الموجودة في اليمن كانت تعمل ضمن قطاعين، قطاع الإمارات العربيّة المتّحدة داخل عدن في جنوب اليمن، والقطاع السعوديّ الذي يمتدّ على الحدود السعوديّة-اليمنيّة المحاذية لمناطق سيطرة الحوثيّين.
وهذه الخطوة هي الثانية للسودان، حيث يقلّص عدد قوّاته في اليمن، وقد سبق وأعلن رئيس الوزراء السودانيّ عبد الله حمدوك، في 8 ديسمبر الماضي أنّ بلاده قلّصت عدد جنودها في اليمن من حوالى 15 ألفاً إلى 5 آلاف. وقدّر عدد الجنود السودانيين المشاركين ضمن قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن بحوالي 30 ألفاً في يونيو 2019م.
لا شكّ في أنّ تقليص عدد القوّات السودانيّة في اليمن ارتبط بعاملين داخليّ وخارجيّ، يتمثّل الأوّل في الانتفاضة السودانيّة وسقوط نظام عمر البشير، فيما يرتبط العامل الثاني بجوانب عدّة، أبرزها الخسائر البشرية الفادحة التي منيت بها القوّات السودانيّة في الحرب اليمنيّة، كذلك التطوّرات على الساحتين السياسيّة والعسكريّة في اليمن، حيث سبقت الخطوة السودانيّة خطوة إماراتيّة مماثلة، من خلال تقليص عدد قوّاتها في 28 يونيو العام الماضي وإحلال محلّها قوّات المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ والقوّات المشتركة، فضلاً عن تهدئة تسخين جبهات القتال من قبل السعوديّة ودخولها أخيراً في حوار مباشر مع الحوثيّين المدعومين من إيران. هذه العوامل وغيرها دفعت القيادتين السياسيّة والعسكريّة السودانيّة إلى تقليص قوّات بلادها في اليمن إلى حدّها الأدنى.
قال رئيس تحرير موقع نيوزيمن نبيل الصوفي، القريب من قوّات المقاومة الوطنيّة اليتي يقودها العميد طارق صالح في الساحل الغربيّ لـ"المونيتور": "تقريباً، هناك انسحاب كامل للقوّات السودانيّة، وقد تمّ تسليم كلّ المواقع والمعسكرات السودانيّة إلى القوّات المشتركة (التي أنشأتها الإمارات العربيّة المتّحدة ودرّبتها)، لافتاً إلى أنّ "الانسحاب السودانيّ جاء بعد استكمال القوّات المشتركة جاهزيّتها لاستلام مهامها القتاليّة في شكل كامل".
وفقد السودان ثلاثة أرباع عائداته النفطيّة السابقة على إثر انفصال جنوب السودان في عام 2011، ممّا دفعه إلى الانخراط في حرب اليمن مقابل حزم من المساعدات الماليّة، فضلاً عن الوعود المتكرّرة برفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والعمل على رفع العقوبات الاقتصاديّة المفروضة عليه من الولايات المتحدة الأمريكية وعلى معالجة ديونه.
رأى الكاتب والباحث عبد الناصر المودّع في حديثه إلى "المونيتور" أنّ "النظرة العامّة إلى القوّات السودانيّة أشبه ما تكون بقوّات مرتزقة، ولن يكون هناك تأثير يحسب على انسحابها من اليمن، نظراً إلى محدوديّة دورها في السابق، حيث كانت بمثابة قوّات مساندة وحماية استخدمتها القوّات الإماراتيّة لحماية مقرّاتها في المناطق الجنوبيّة والساحل الغربيّ ولدعم المقاتلين في تلك المناطق، وكون الإمارات العربيّة المتّحدة انسحبت من الساحل الغربيّ ومعظم مناطق الجنوب فلم يعد للقوّات السودانيّة دور يذكر".
قال الباحث والمحلّل السياسيّ براء شيبان لـ"المونيتور": "من الواضح أنّ هناك توجّهاً من قبل التحالف العربيّ إلى تقليص آثار تدخّله المباشرة في اليمن"، لافتاً إلى أنّ "مؤشرات كثيرة تؤكّد ذلك، أبرزها المحادثات بين الحوثيّين والسعوديّة في سلطنة عُمان منذ نوفمبر، واتّفاق الرياض في 5 نوفمبر، وأخيراً خروج القوّات السودانيّة".
وهذا لا يعني أنّ المؤشّرات تفيد أنّ الحرب في اليمن ستنتهي في شكل كامل، ولكنّ صيغة التدخّل المباشر في طريقها إلى التغيير، بحيث تستمرّ الحرب بأدوات يمنيّة مدعومة من أطراف خارجيّة. ففي حين لا توجد إحصاءات عن عدد القوّات التي درّبتها السعوديّة وموّلتها، فإنّ تقارير تحدّثت عن أنّ قوّات المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ المدعومة إماراتيّاً تبلغ 90 ألف مقاتل.
من الواضح أنّ القوّات السودانيّة المتبقّية في اليمن لن تكون كما كانت عليه في الفترة الماضية، خصوصاً مع ارتفاع الأصوات بعد الانتفاضة السودانيّة المطالبة بعودة قوّات بلادها من اليمن. لكنّ، بحسب ما أفاد مصدر سياسيّ سودانيّ لـ"المونيتور"، فضّل عدم الكشف عن هويّته لأسباب أمنيّة، فإنّ "هناك قوّات عسكريّة سودانيّة تعمل خارج إطار القوّات الرسميّة المدرجة أسماؤها وأرقامها في سجلّات وزارة الدفاع"، ممّا يعني أنّ عودة مشاركة القوّات السودانيّة في اليمن من دون إعلان رسميّ مفتوحة الاحتمالات، خصوصاً إذا ما فشلت المفاوضات بين السعوديّة والحوثيّين.
ويعود الإبقاء على وجود رمزيّ للقوّات السودانيّة في اليمن من دون تحديد مهامها وأماكن تموضعها، إلى عدم ثقة السعوديّة بتحقيق سلام مكتمل الأركان مع الحوثيّين، كما يعني إعطاء غطاء لاستمرار التحالف العربيّ إلى حين إعلان السعوديّة رسميّاً عن انتهاء مهمّته في اليمن.
|