أحمد المهداوي - على خلفية الحادث المؤسف والمروع الذي وقع في منطقة الحوز للسائحتين الإسكندنافيتين، يتأكد أن من أخطر ما يهدد سلامة هذا الوطن هو بقاء ينابيع التكفير والتطرف والإرهاب دون تجفيف؛ بحيث مازالت كتب كل من ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، وسيِّد قطب وغيرها من الكتب التراثية ذات الصبغة التكفيرية تتداول في أوساط المجتمع المغربي، على ما تحمله من سموم في باطنها، من تكفير وتطرف.
ويمكن اعتبار التكفير مصدرا أساسيا لثقافة الكراهية التي تعصف بعدد من معتنقي الدين الإسلامي وتحول دون انفتاحهم على الحياة، وبالضرورة على الآخرين.
إن اللجوء إلى التكفير والتفسيق تعبير عن التشبت بصنم الوحدوية، أي التركيز على (الذَّات المسلمة) وإقصاء الباقي المتبقي. يبدو الأمر جليا مع السَّلفية الوهابية/الجهادية والتي تركز على (الأنا السلفي) وتقذف كل مختلف بالكفر، بهدف إثبات أنها الحق الذي لا مراء فيه، وأنها الفرقة الموعودة بالجنة وما عداها ففي الدرك الأسفل من النار.
لا يستغرب المرء إذا ما لاحظ أن وثيقة "نواقض الإسلام العشرة" لابن عبدالوهاب، تلصقها داعش في سياراتها وجدران بناياتها على سبيل الدعاية العقدية والحشد الديني، والنفير إلى دولة الخلافة التي يزعمونها.
وبالعودة إلى المصادر الأولى لظاهرة التكفير في المجتمعات المسلمة، سنجد أنها ضاربة في أعماق التاريخ الإسلامي، وسمة مميزة لأغلب الفرق الإسلامية البارزة، إلا أن السلفية تبنتها بشكل ملفت للنظر بداية مع ما عرف بأهل السنة والجماعة في شخص أحمد بن حنبل في ما عرف بـ(مسألة خلق القرآن) والتي كفر فيها كل قائل بخلق القرآن، بل حكم على البلاد التي ظهر فيها مثل ذلك القول بأنها دار كفر.
اقرأ أيضا: جريمة إمليل: الإرهاب… من هنا يبدأ!
مع توالي السنوات، تضاعفت كمية التكفير والتفسيق والتقتيل والتنكيل باسم المقدسات، إلى أن بلغت مداها على عهد أحمد بن تيمية صاحب كتاب (مجموع الفتاوى)، والذي يعتبر الإمام الأول لحركات السلفية الجهادية، ويتخذ كقدوة من قبل تلك التنظيمات الإسلاموية. ولعل من يتتبع تراث ابن تيمية، سيصدم بكمية التكفير المودعة داخل كتبه، وسيجد أن عبارة "يستتاب وإلا قتل"، أو "وإلا فإنه يقتل"، تكررت في كتب ابن تيمية 428 مرة منها 200 مرة في كتابه "مجموع فتاوى ابن تيمية". المصيبة أن معظم هذه المكفرات لا تتصل بأي سلوك سيء، بل تتصل بقناعات وأفكار طبيعة العقل الحر المتعطش للبحث والمعرفة.
إلى جانب ابن تيمية، يتربع محمد بن عبد الوهاب صاحب "الدعوة النجدية/الوهابية"، قرة أعين السلفيين، وأحد الأقطاب المؤثرة في المشهد الإسلامي، والسلفي خصوصا.
منذ قدوم محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية قادما إليها من حريملاء، اعتبر أن الإسلام بعث معه من جديد، وأن جميع من في الأرض كفار مشركون لا يدينون بدين الحق، فعقد مع محمد بن سعود "ميثاق نجد"، والذي من خلاله تولى بن سعود القيادة السياسية والعسكرية، فيما تولى بن عبدالوهاب الزعامة الدينية العقدية؛ ومن ثم أعلن عن شعاره الشهير "الدم الدم والهدم الهدم".
هذا الأمر أعطى المسوغ الشرعي لابن سعود لإبادة القبائل المجاورة؛ وما على القارئ إلا العودة لتاريخ نجد للحسين بن غنام، وابن بشر أحد أخلص تلامذته، ليطلع على حجم القتل والجثث والأشلاء التي ذهبت ضحية الحروب القبلية التي أعطى انطلاقتها بن عبد الوهاب منذ سنة 1745م.
من هنا، لا يستغرب المرء إذا ما لاحظ أن وثيقة "نواقض الإسلام العشرة" لابن عبدالوهاب، تلصقها داعش في سياراتها وجدران بناياتها على سبيل الدعاية العقدية والحشد الديني، والنفير إلى دولة الخلافة التي يزعمونها.
من يتتبع تراث ابن تيمية سيصدم بكمية التكفير المودعة داخل كتبه، وسيجد أن عبارة "يستتاب وإلا قتل"، أو "وإلا فإنه يقتل"، تكررت في كتب ابن تيمية 428 مرة
مع هؤلاء، ينضاف إلى اللائحة سيد قطب، والذي وإن كان لا يعتبر من السلفية، بحكم ارتباطه نوعا ما بتنظيم الإخوان المسلمين، أو على الأقل التعاطف معهم ومقاسمتهم التفكير ذاته، نجد أن هذا الشخص محمل بأفكار الغلو في تكفير الدولة والمجتمع؛ ففي زمن عبدالناصر أطلق العنان لفكره التكفيري لدرجة أنه وصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية، وكَفَّر كل من على وجه البسيطة. ويظل سيد قطب، إلى جانب المذكورين أعلاه، سلاحا خطيرا اعتمد عليه التكفيريون والجهاديون.
للأسف، ما يزال هؤلاء يتجولون بين ظهرانينا طلقاء يحشون بتراثهم عقول ضعاف العقول بترهات قد عفى عليها الزمان، والنتيجة ما نراه اليوم بأم أعيننا من ارتكاب لجرائم شنعاء تندى لها الجباه، وتدمع لها الأعين… ويروح ضحيتها الأبرياء.
* باحث في مجال الدراسات الإسلامية
|