أ.د. فتحي احمد السقاف ❊ - وأمام توالي الأحداث، وتشعب التفاصيل، في المشهد الراهن لليمن والمحيط الدولي والإقليمي نحتاج إلى وقفة تامة للتأمل، لنتفحص بهدوء ما جرى ويدور، كي نستكمل الصورة ونستشرف المستقبل القريب ساعين إلى تسليط الضوء على طبيعة الصراع اليمني الحاصل، متسائلين عن طبيعة الاستراتيجية التي تؤطر للحل السلمي أو استمرار الاحتراب، مركزين على السيناريوهات المحتملة للوضع الراهن والتي تخدم السلم لاعتقادنا أن فهم تلك المستقبَلات سيكشف ولو بأثر رجعي صورة ما يحصل الآن وما ينبغي من حلول غير اعتيادية لتفادي السقوط في المآلات الأسوأ، بعد عدوان همجي وحصار شامل لمدة ست سنوات الشعب اليمني أصبح تواقاً إلى تحقيق الدولة المدنية الحديثة وتحقيق المواطنة والوطنية والديمقراطية المتساوية والكرامة، لتجاوز الدولة المستبدة أو الجهوية أو العنصرية أو الطائفية أو الفئوية أو البرجماتية أو النفعية التي استنفدت أغراضها فقد فشلت هذه الأنماط في تحقيق التنمية، لن يقتنع الشعب اليمني إلا بتحقيق الحرية والكرامة والمواطنة في ظل دولة ديمقراطية وحدوية بنفس القدر الذي قاومه العدوان وقدمت قوافل الشهداء في تحقيق الحرية ولقد ظل الحراك السياسي سلمياً بالرغم من دموية العدوان وغطرسته، في بلد ينتشر فيه السلاح كما ينتشر فيه القات ويتطلع إلى الكرامة.
يجب إن ينطلق التوجه إلى السلام بالتحرك الفعلي نحو التغيير من عاصمة اليمن الموحد صنعاء ضد العدوان والنظام الفساد.
ان تشكيل مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة الوطنية الصادقة التي تخدم الوطن وتضم كل الأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والرموز من الشخصيات الاعتبارية والأكاديميين والحقوقيين والبرلمانيين ورجال الإعمال لتشكل رديفاً فعلياً للتفاوض وللحكومة القادمة وتحويل اليمن إلى بلد ديمقراطي تنموي تسوده المواطنة والنظام والقانون واحترام الدستور وهو مؤشر حقيقي مبكر على أن التغيير الحقيقي نابع من اليمن، بما له من موقع استراتيجي خاص فقد نال الحراك اليمني أكبر حظ من تلك المعارضة، كما أن وضع اليمن أعقد من أي دولة عربية ولذلك من الصعب أن يتم التعامل معه بالسيناريو السعودي أو باستراتيجية ما تُسمى عاصفة الحزم أو التحالف العربي للعدوان عليه دون الإطاحة التامة بالرئيس الدنبوع برغم إصرار المجتمع الدولي على الاحتفاظ بعبدربه منصور هادي ليمثل بالنسبة لهم دوراً تكميلياً سيلعبه بعد حين، لم يكن لغيره حظ في أن يلعبه لصالح الوطن.
اليمن يتمتع بموقع وإمكانات لها مكانة استراتيجيا بحكم الجغرافيا، فاليمن بلد غني بالموارد الطبيعية والإمكانات البشرية والمادية، وخصوصاً اكتسب أهميته الاستراتيجية من واجهته (2800 كلم) على البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن، فهو البوابة الجنوبية لمدخل البحر الأحمر عبر باب المندب، ذي الأهمية الاستراتيجية الاقتصادية والعسكرية الخاصة، والذي يربط البحر بالمحيط الهندي عن طريق خليج عدن، ليمر عبره يوميا أكثر من ثلاثة ملاين برميل نفط، إضافة إلى (21) ألف سفينة سنويا كما أن عشرة بالمائة من التجارة الخارجية الإسرائيلية لا تمر إلا عبره، وقبالة شواطئ الحُديدة وتعز، يمتد أرخبيل حنيش وبحدود تقارب(2000) كلم يجاور الدولة النفطية الأكبر في العالم (السعودية وكذلك دول الخليج النفطية وايران) مما يعني أن أي تغيير في البنية السياسية للبلاد، سيكون له انعكاس مباشر على أوضاع هذا البلد النفطي المجاور .
إن اعتبارات السعودية والإمارات التحكم في مصير اليمن مؤشر خطير ينبغي التعاطي معه بسرعة وحزم وسينعكس موقف الرياض وأبو ظبي من الوضع داخليا لصالح الوطن من ولاءات القبائل وقيادات الجيش بعد المصالحة.
إن أنصار الله عليهم مسئولية كبيرة في تخفيف حالة الاحتقان الشعبي في إدارة الدولة والإدارات المحلية وتوجيه القوة السياسية والإدارية والعسكرية لخدمة ومصلحة البلاد.
بعد أن كان السقف السياسي المعلن لأنصار الله الحوثيين لا يتعدى المشاركة في حكومة وحدة وطنية، فلن يكون ألان بعد قوافل الشهداء وبعد العاصفة الذي قتلت ودمرت الأخضر واليابس أقل من حكم ذاتي في إطار تسوية سياسية،
إن تكلفة العملية العسكرية، مرتفعة جداً من حيث الخسائر البشرية، وستنتهي العملية العسكرية دون أن تحقق أهدافها المعلنة (فالحوثيون لن يُقضي عليهم والشرعية لن تسترجع موقعها) وخلاف الجلوس إلى الحوار وإيجاد حل سيكون نزاع داخلي بحسابات خارجية وإنتاج واقع جديد، هو أبعد ما يكون عن إرهاصات دولة يمنية ديمقراطية وموحدة.
السعودية راعية للحوار اليمني اليمني
لايمكن ان تكون السعودية او إيران منطقة للحوار حيث الرؤية الأمريكية للشرق الأوسط الكبير هي تقسيم المقسم وتفتيت الجمع باستحداث دويلات وما ترغب فيه إيران من منافسة السعودية في رمزيتها الدينية بالاضافة الى السعي الإسرائيلي الدائم، لتدويل باب المندب، وإذا ما تم الاتفاق بين الأطراف اليمنية المتصارعة بعقد جولة للحوار وللمشاورات بدل جنيف، فسيكون السعي لتحقيق الرغبة الإسرائيلية بعيدا عن السيناريوهات الأكثر تفاؤلا والأقل تفاؤلا ثم الأكثر تشاؤما فإذا ما سارت الأمور على ما هي عليه إلى آخر مطافها، فربما لا يكون للحالة اليمنية ترف تعدد السيناريوهات، فهناك خشية حقيقية من أن يكون الوقت قد فات لتجاوز ما تم إقراره فالمناخ الإقليمي، لا يساعد على إيجاد حل مثالي، إذ يسير في اتجاه المزيد من الاضطراب والصراع، حتى غدا في المنطقة نوعان من الكيانات فقط: كيان مضطرب، وآخر مرشح للاضطراب.
وأما القوى الوطنية، التي يُعوّل عليها عادة لحلحلة النزاعات الداخلية، فهي مرتهنة لدى القطبين الخارجيين طهران والرياض، وما يجعل الشأن اليمني مركبا حد التعقيد، كون ما شهده وسيشهده من تطورات لاحقة لتسكين الصراع بين الأطراف المتنافسة، إنما هو جزء من مشهد شامل ضمن استراتيجية إعادة تقسيم المنطقة برمتها، لتجديد آليات تحكم الولايات المتحدة في منابع الطاقة ومعابرها وأسواقها.
ستكون السعودية وإيران من ضمن الرعاة الدوليين، خاصة وأن الأرضية القانونية التي كان يمكن البناء عليها، وتتجلى في قرار الأمم المتحدة 2216، هو ذات القرار الذي يوصي بفرض الحظر على قيادات أنصار الله وعلي قيادات المؤتمر الشعبي العام. وهو ما سيمثل إشكالا مرجعيا قبل أي تفاوض جدي مقبل.
ان دخول العام السادس للعدوان السعودي الإماراتي الأمريكي الصهيوني على بلادنا الذي بدأ في 26مارس 2015م، العدوان الذي أعقبه الحصار الجائر الذي فرضه الأعداء على بلادنا وشعبنا برا وبحرا وجوا، أكثر من اثنين مليون ونصف غارة جوية شنتها طائرات التحالف السعودي الإماراتي الأمريكي منذ بداية العدوان وحتى اليوم، بالإضافة إلى مئات الآلاف من عمليات القصف البحري والبري التي أطلقت على الأراضي والسواحل والمدن اليمنية، وعشرات الآلاف من الزحوفات والعمليات الهجومية، واستحداث وفتح أكثر من( 40) جبهة داخلية وحدودية سخرت لها ملايين الدولارات بهدف احتلال اليمن والهيمنة عليه، وإخضاعه من جديد لنظام الوصاية والتبعية للسعودية.
هذا العدوان الغاشم الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء كبد بلادنا خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة حيث رصد مركز عين الإنسانية في تقرير له بمناسبة مرور(1700) يوم من العدوان استشهاد وجرح(42135) مدنيا سقطوا جراء القصف والاستهداف المباشر لقوى العدوان، حيث سقط قرابة (16447) شهيدا مدنيا، منهم (3672) طفلا، و(2337) امرأة، فيما بلغ إجمالي الجرحى من المدنيين(25688) جريحاً ومعاقاً، منهم(3856) طفلا و(2689) امرأة، وبحسب التقرير بلغ إجمالي المنشآت التي تم استهدافها(461460) منشاة خدمية، منها(451684) منزلاً، و(1052) مدرسة، و( 383) مستشفى ومرفقاً صحياً، و(172) منشاة جامعية وتعليمية عليا، (6112) حقلا زراعيا، و(1294) مسجدا، و(46) منشاة إعلامية، و(240) موقعاً أثرياً، و(349) منشاة سياحية، و (15) مطارا، و(16) ميناء، و(1856) خزان مياه و(294) محطة مياه وكهرباء، و(3575) طريقاً وجسراً، و(514) شبكة ومحطة اتصال، و(1908) مبان حكومية، وأظهر التقرير أن إجمالي المنشآت الاقتصادية المستهدفة ذات الطابع الصناعي والتجاري (20819) منشاة اقتصادية، شملت(346) مصنعاً متنوعاً، و(10601) منشأة تجارية، و(660) سوقاً، و(390) مزرعة دجاج، و(857) مخزن غذاء، و(384) محطة وقود، و(6127) وسيلة نقل، و(283) ناقلة وقود، و(717) قافلة غذاء، و(454) قارب صيد.
هذه الأرقام والإحصاءات التقديرية التقريبية التي لا تقل عن الخسائر والأضرار الفعلية انه مستنقع اليمن من باب العنجهية والتعالي والكبر والغرور والانبطاح للتوجيهات الأمريكية فخسائرنا كبيرة جدا، والاقتصاد مدمر وإفلاس جميع الشركات الوطنية بالمختصر المفيد، الخسائر والأضرار التي تكبدتها اليمن يجب ان تعوض من قبل السعودية والإمارات بدل مقابل شراء الذمم وكسب الولاءات، ورغم كل هذه الخسائر إلا أن ذلك لم يفت في عضد اليمنيين، ولم يؤثر على معنويات أبطال الجيش واللجان الشعبية، وصمود وثبات الشعب اليمني، ولم يخفت بريق انتصارات أبطالنا في الجبهات، وإنجازات وحدة التصنيع الحربي التي تمضي قدما في تعزيز قوة الردع اليمنية، وما يسطره أبطال الدفاع الجوي هذه الأيام خير مثال على ذلك، وما يزال ينتظر الأعداء الكثير والكثير من المفاجآت والضربات الموجعة الكفيلة بتركيعهم وإذلالهم وإجبارهم على الحوار السلمي، والبحث عن مخرج من المأزق الذي أوقعوا أنفسهم فيه من باب العناد والتسلط والغطرسة وادعاء العظمة.
ان أي اتفاقات وتفاهمات بين الإمارات وإيران، سرعان ما تلقي بظلالها مباشرة على التوازنات السياسية والعسكرية في اليمن، لتتبعثر فيه المعادلة من جديد بين أطراف الصراع وحلفائهم، وسط شبح تقسيم يلقي بثقله على المشهد الحالي بالبلد.
في المقابل، يبدو الرئيس اليمني ( الدنبوع ) عاجزاً عن التحكم بإيقاع التطورات الجديدة، وبمقر إقامته المؤقت بالرياض، يحيط به سياسيون هدفهم لا يكاد يخرج عن سياق ترتيب مستقبلهم وعائلاتهم خارج البلاد، من خلال تعيينهم بمناصب دبلوماسية.
أما القوات التي تواجه في الميدان، فهي منقسمة ومكشوفة تماماً، ويدل على ضعف تلك القوة التي تتوزع ولاءاتها بين عدة أطراف.
إن الحرب في اليمن انتهت إماراتيًا ويبقى أن تتوقف رسمياً، وأصبحت أبوظبي من الآن فصاعدا ترمي بكل ثقلها السياسي والدبلوماسي للدفع بالتسوية وتحقيق السلام للشعب لليمني وأن الفرضية قد تكون الأقرب في ظل بقاء اليمن ضعيفاً ومهزوزاً وسط تدخل إقليمي في شؤونه.
❊ رئيس المركز الوطني للرقابة وتعزيز الشفافية والنزاهة
|