عبدالوهاب الشرفي - بعد بدء ضرب " كورونا " لصناعة النفط هل ستغير دول من خياراتها في الحماية ؟ وماذا اذا قرر ان "كورونا" يطيل بقاءه ؟
انهارت عقود النفط الاجلة تسليم مايو من النفط الامريكي تحت الصفر واصبحت تباع بالسالب، وهبطت هبوط حاد اسعار نفط برنت، والمتسبب هو فايروس كورونا.
توقف قطاع الطيران توقفا شبه كلي، وتوقفت المركبات عن الحركة في الطرقات بقدر كبير، وتوقفت العديد من المصانع عن الانتاج او جعلته في حده الادنى، كل ذلك تبعا لسياسة التباعد الاجتماعي التي فرضتها الدول في مواجهة كورونا، وبالتبعية كل ذلك يعني تراجع استهلاك النفط بشكل هيكلي.
تم استلام عقود النفط تسليم يناير وفبراير ومارس وابريل وكورونا قد اوقف الحياة منذ يناير بشكل تصاعدي تزايد مع مرور الاشهر وبالتالي كان النفط يتراكم في الصهاريج وفي غيرها من مستوعبات التخزين بانتظار ان تقل مخاطر تفشي كورونا وبالتالي عودة الحياة الى نشاطها وبدء السحب من المخزونات للاستهلاك لكن ذلك لم يحدث فمازال التباعد الاجتماعي مفروضا ولازالت انشطة الحياة معاقة.
حل موعد استلام عقود مايو ومازالت كميات الاشهر السابقة مخزنة ولم تستهلك بعد وبالتالي فالتخزين سيطول والتخزين ذاته ايضا سترتفع اثمانه كلما تقلصت المساحات المتبقية للتخزين الاضافي مايعني ان استلام هذه الشحنات سيفرض اجور تخزين عالية ولفترات زمنية متوقعة طويلة ستفوق قيمة الكميات المخزنة ذاتها ومالم تسحب الكميات من مخازنها فان اجور تخزينها ستتراكم ولن تتوقف عن الزيادة حتى يسحب من المستوعبات ما يحمل المشترين مبالغ تفوق قيمة الكميات بكثير وهناك وجد المشترون انفسهم في ورطه دفعتهم للبيع بالسالب اي يدفع المشترون هؤلاء أموالاً لمن سيشتري الكميات منهم ويعفيهم من اجور التخزين المتوقعة.
الامر برمته هو في دائرة التوقعات وليس في دائرة الواقع بعد، بمعنى ان البائع والمشتري كليهما يحددان قراراتهما بالبيع وبالشراء بناء على توقعات التخزين والسوق لفترة الاسابيع والاشهر القادمة، وهذه التوقعات العامل الرئيس فيها هي الاجراءات الاحترازية التي فرضها فايروس كورونا، فمن يتوقعون ان اجراءات التباعد الاجتماعي المعطلة للانشطة ستطول وبالتالي ستطول فترة الحاجة لتخزين الكميات يسعون للتخلص منها ولو بدفع مقابل لمن ياخذها منهم ويتحمل اعباء تخزينها عنهم، ومن يتوقعون ان هذه الاجراءات ستنتهي قريبا يسعون للشراء بافضل صفقة يمكن الحصول عليها.
على المدى القصير الامر ليس فقط متوقف على اجراءات التباعد الاجتماعي التي تعطل الحياة وبالتالي استهلاك النفط وانما هناك عوامل اخرى هي ما بين السياسات التي ستتبعها الحكومات والمؤسسات ذات العلاقة بصناعة وتجارة النفط وبين اساليب البيع التي تميز منتج عن اخر.
لحد الان السياسات لم تظهر بكاملها ومالذي سيفعله المعنيون لمواجهة هذا الهبوط الحاد لاسعار النفط، وواحدة من السياسات فقط كان لها اثر جيد على اسعار نفط الولايات المتحدة تسليم مايو وهي اعلان الرئيس الامريكي ان الولايات المتحدة ستستغل هذا الانهيار لتعزيز مخزونها الاستراتيجي مايعني ان هناك مشتري لاتواجهه مشكلة التخزين التي تواجه اخرين وهذا بالتالي انعكس بالايجاب على اسعار بيع عقود النفط، ويظل باب السياسات مفتوحا ومنتظرا ومتابعا من البائعين ومن المشترين وفي ضوئها ستتبدل الاسعار صعودا او مراوحة في ذات الاسعار او هبوطا، فما تتحدث عنه السعودية من انها ستعمل على الوصول لاتفاق مع روسيا للحد من الانتاج طويل الامد لسنتين الى الامام لاشك ان تم سيكون له اثر ايجابي على اسعار النفط لانه يضع سعر الشراء مفتوحا على الارتفاع نتيجة الانتاج المنخفظ الذي يزمع التوصل اليه.
اساليب البيع ايضا يظل لها اثر على السعر تبعا للمُنتج الذي تتوفر تبعا للشراء منه حلولا للتخزين نحو ما يتوفر مع جزء من كميات خام برنت التي تباع في براميل وليس في صهاريج ما يمكن معه التخزين بتكلفة ادنى بكثير من تكلفة التخزين للكميات المشتراة في صهاريج، وهذا الامر هو نسبي وليس بنفس اثر عامل السياسات التي ستتبع لتحفيز السوق على اسعار النفط.
كل السياسات والاساليب التي تؤثر على اسعار بيع النفط تظل هي ذاتها مرهونة بقرار كورونا وفيما اذا ما قرر ان يترك البشرية لحالها وهنا سيكون لهذه السياسات وهذه الاساليب اثرا ايجابيا سينقذ صناعة النفط، اما اذا كان لكورونا قرار اخر وقرر ان يستمر في حضوره في الحياة البشرية وبالتالي استمرار الحاجة لفرض اجراءات العزل الاجتماعي فستفعل اي سياسات ستتبع واي اساليب ستطور فعلها في حدود هامش محدود سيستهلك كما استهلك من قبلها السياسات والمستوعبات التي سبقت منذ بداية تفشي فايروس كورونا وستضرب صناعة النفط بشكل لايمكن تلافيه في القريب اذا ماقرر كورونا ان تطول زيارته.
السياسات والاساليب ستكون في حالة صراع لايتوقف مع كورونا، فالامر برمته قائم على التوقعات التي تؤثر على قرار البائعين والمشترين كذلك، فما اعلنت عنه السعودية عن سعيها للتوصل لقرار خفظ الانتاج لفترة عامين قادمين يفترض به ان يلعب ايجابا لصالح سعر النفط يقابله ما بدء اعلانه - بصورة غير رسمية من المنظمات المعنية - بان احتمال موجة ثانية من تفشي كورنا قائمة سيلعب في اتجاه مضاد لغير صالح سعر النفط، وبين تطورات ومستجدات واقتراب العوامل من التيقن سيتحدد سعر النفط تبعا لقرارات البائعين والمنتجين.
قبل ان يهدد كورونا صناعة النفط كان قد ضرب قطاعات اقتصادية اخرى فضرب صناعة الطيران وضرب صناعة النقل وضرب صناعة السياحة وكلها ركائز محورية للعديد من الاقتصادات في العالم، والحقيقة ان الامر غير واضح تماما في اطار القرارات المستمرة التي تاخذ ديناميكية نشاط كالبورصات واسواق العقود والاسهم لكنه في حق الاقتصادات واضح تماما باتجاهين من سيفرضهما هو كورونا وليس كل المخططين والمديرين للاقتصاد وهما اما ان يقرر كورونا ان يكون ضيفا ثقيلا ويطول بقائه اكثر وذلك يعني الاطاحة بالاقتصادات وادخال البشرية في حالة اضطراب تاريخية او ان يقرر ان يخفف على البشرية ويكتفي بما قد فعل وحينها سيكون الاتجاه للتعافي التدريجي واعادة تطبيع الحياة.
كان كورونا ضرب اولا صناعة الطيران والنقل وتبعا لذلك ضرب السياحة ولم يكن يظهر باثر بالغ فيما يتعلق بقطاع النفط وكان النفط يتراكم في مستوعباته دون ان يدرك كثير منا ان ذلك كان بمثابة حفر الهاوية اسفل صناعة النفط وحتى استفقنا على انهيار اسعار النفط، وذات الامر سيستمر ما استمر كورنا بحق مختلف المجالات الاقتصادية الباقية كمجال التكنولوجيا ووصولا لاخطر مجال وهو مجال الغذاء.
ما يجعل الامر خطيرا ومهددا حقيقيا ويتصف بالوقوع المفاجئ هو عدم اتسام البشرية بالمواجهة الانسانية مع كورونا والتي تتسم بالاخلاقيات والقيم وتمكن من الاستغلال الامثل للموارد وللقدرات المتوفرة للبشر، فمسألة كالشفافية مهمة للغاية في معرفة ما يتوفر من موارد وما يتبع من اساليب في مواجهة تفشي كورونا لتتعز الادوار وتتكامل لصمود البشرية اطول في مواجهة كورونا اما العمل الفردي والاحتكاري والاناني سيهدر على البشرية الكثير وسيكون كورونا في موقع المنتصر وستتوالى ضرباته تفاجئنا ونحن على غير استعداد كامل وستوجعنا.
في ميدان آخر يبدو ان الوضع يسير في صالح الصين اذا احسنت التصرف فرغم كل الدفع الذي تقوم به الادارة الامريكية ومعها بريطانيا وفرنسا وحتى " منظمة " الاتحاد الاوروبي للنكاية بالصين مايفعله كورونا من مفاجآت للعالم يتيح امام الصين فرصة تعزيز وضعها عالميا لتصمد امام ما سيفرضة كورونا من تبعات بعد ان يغادر، فستكون الصين على اقل تقدير امام منافسة شرسة وحادة وعاصفة ام تذهب التطورات لابعد وهي الان امام فرص حقيقية لتعزيز وضعها وعلاقتها وادوارها عالميا بما يسهم في وقوفها لاحقا بصلابة امام ما سيواجهها بعد كورونا.
من فرصة المساعدة المباشرة للدول التي تعاني من كورونا الى فرصة شراء ديون اوروبية السابقتان التي اقتنصت الصين اولاهما ولم تظفر بعد بالثانية تتخلق مع انهيار اسعار النفط فرصة ثالثة امامها يمكنها ان تعزز بها موقفها فهي الآن الاقتصاد الاكبر الذي جاوز بقدر كبير مرحلة المواجهة الحادة مع كورونا ودواليبه عادت للدوران وهذه الدواليب تدور بالنفط بدرجة اساسية وبالنظر الى مسألة استهلاك (شراء) النفط من منظور غير اقتصادي بحت يمكن للصين ان توضف استهلاكها للنفط سياسيا بشكل ليس بالقليل.
على كل حال مازال كورونا هو صاحب اليد الطولى حتى الان فالبشرية لم تمتلك حتى اليوم اي سلاح في مواجهته غير اجراءات التباعد الاجتماعي التي تضع العديد من الدول جديا بين خيارين اما سلامة مواطنيها او اقتصادها وحتى الآن الجميع اختار الاول لكن وقع كورونا على الاقتصاد قد يغير الاختيارات فالاقتصادات يتبدل تبعا لها مواقع الدول ونفوذها ودخولها وامنها، واذا ما استمر الوباء فقد نشاهد من يختار الاقتصاد، واذا ما طال بقاء كورونا اكثر فسيفقد الجميع عنصر الاختيار ووحده كورونا من سيفرض خياراته المرة على الجميع.
* رئيس مركز الرصد الديمقراطي - اليمن
|