أ.د/ فتحي احمد السقاف - يحتفل اليمنيون اليوم بالذكرى الثلاثون للوحدة اليمنية، والجمهورية اليمنية لاتزال تعاني من أوضاع غير مستقرة، سياسيا، واقتصاديا, وعسكريا، واجتماعيا، ضاعف التأكيد بأن قوى دولية وإقليمية تعمل على خلق هذا الواقع، من خلال فرض العدوان والقتال على الأطراف اليمنية في جبهات متعددة, والسعي لإعادة إنتاج قوى جديدة واستنساخ جغرافيا ما قبل 1990م، والعبث بوحدة الصف الوطني، لخدمة أجندة قوى الاستعمار ووكلائها الإقليميين والدوليين غير المحبة لقوة اليمن ووحدته، بما فيها القوى التي تبدي خلاف هذا التوجه، السعودية والإمارات وتشارك في التحالف منذ أكثر من خمس سنوات باسم دعم الشرعية ووحدة اليمن، فيما الواقع يدحض ذلك.
إن وجود ما يُعرف بـ المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات تخريبية وأحزمة ونخب قامت السعودية والإمارات بتشكيلها، وتحرك القوات غير الحكومية تلك ضد ما تُدعى بالحكومة الشرعية هو ما يجعل مستقبل الوحدة اليمنية غامضا.
شهدت الجمهورية اليمنية منذ إعلان الوحدة بعض الاستقرار، لكن الأوضاع سرعان ما انفجرت بعد العدوان السعودي الإماراتي الهمجي الغاشم ونحن في عامها السادس والغرض هو الإبقاء على الوضع بين لا انفصال ولا وحدة، الهدف منه تطويل الأزمة كثيرا، ولا يمكن أن يستقر اليمن إلا بعد أن يستقر وضع المنطقة برمتها؛ لأن اللاعبين الإقليميين، الآن، السعودية وإيران، والإمارات، في ذروة التوتر والتصعيد المتعدد، وهذه المسألة ترتبط ارتباطا وثيقا بالأزمة اليمنية، وجودا وعدما أن الوضع في اليمن يتجه نحو مأزق خطير، ومن المستحيل أن يبقى العدوان البربري والحال في اليمن على ما هو عليه الآن، وأن يستمر إلى الأبد.
إن اليمنيين بمختلف مكوناتهم، أجمعوا على دحر العدوان والمستعمر وانه لن تتأثر الوحدة بما يجري نتيجة ما قام به ما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" من ممارسات عملت على تشويه الوحدة ودغدغت فكرة الانفصال، وهو ما دفع كثير من الجنوبيين للإيمان بأن الوحدة هي الخيار الأمثل ولا بد أن يستمر عليه اليمنيون.
إن الانفصال لن يكون حلا، بل سيكون كارثة على اليمن التي فيما لو حدث لا سمح الله ستكون اليمن في وضع صعب أصعب مما نحن عليه، ولن نعرف كيف سننجو منه..
يجب أن تتوحد الجهود اليمنية في تسيير دفة السياسة اليمنية في الداخل والخارج، على إنهاء العدوان السعودي الإماراتي والتوجه نحو التنمية والسهر على الاستقرار السياسي والعمل على تحقيق مصلحة البلاد وتحقيق الأمن والسكينة العامة، وتقوية الجيش، وصيانة البلاد بما يحقق الملكية الدستورية وتعميق الروابط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين اليمنيين, فصنعاء هي العاصمة الوحيدة لليمن الموحد وعدن العاصمة الاقتصادية لليمن كلها.
إن المهتمين بالوحدة اليمنية يؤكدون يفشل كل محاولات السعودية والإمارات لفصل الشمال عن الجنوب شعبياً، وسيظل الترابط الممتد والضارب في أعماق التركيبة الاجتماعية والتاريخ قائماً.. ان التحديث في اليمن المعاصر والتداخل بين الدولة والقبيلة في النسيج المجتمعي الواحد واتساع الوعي السياسي، للتحولات الجديدة الواعدة تعتبر مدمك راسخ وأساسي في مسار الحركة الوطنية الموحدة والبداية الفعلية لهزيمة العدوان السعودي الإماراتي ولازدهار سياسي يمني جديد يؤسس لنشاط تجاري واسع، وبداية خروج اليمن من العزلة والانفتاح على رياح التغيير والعصر، وإقامة صلات وعلاقات أوسع وأعمق مع الاتجاهات الوطنية والقومية.
لقد عجزت بريطانيا في الخمسينيات وفشلت السعودية والإمارات في سياسة الانفصال المسدود الأفق وطرحت الوحدة بقوة وبرز شعار الجمهورية اليمنية بمباركة الأحزاب السياسية والشخصيات العامة من قديم الزمن ولقد طرحت خيار الوحدة الفورية والاندماجية غصبا عن الجميع في الـ 22 من مايو 1990م عن إرادة شعبوية عارمة وهدف حكم ديمقراطي مدني من اجل التطور السلمي الديمقراطي والتعددية السياسية والحزبية والحرية والديمقراطية واستخدام أسلوب الحوار.
إن حرب 94م ما هي إلا تعميق للوحدة اليمنية والبعد عن الاتجاهات التقليدية المتسبدة بالقبلية والجهوية والطائفية, انه خيار آخر مغاير ومختلف بعيداً عن القوى الدينية، وتجار الحروب ودعاة العنف، والإرهاب، والمكفرين والمخونين أنهم ليسوا بناة دولة, وهنا يسوجب التفكير الجاد والبحث عن مخرج غير الحرب، والعمل على انتصار صوت السلام، والعودة لكل المخرجات المتوافق عليها وتغيير القرارات الأممية المجحفة بحق اليمن واليمنيين.
لقد فشلت السعودية والإمارات وفشل نهج الانقلابات العسكرية والحكم بالغلبة والقوة، وانفتحت أبواب الحوار والخيار السلمي الديمقراطي.
يجب أن لا نمكن الأعداء بوضع البلد كلها في سياق التفكك والانقسام والتشرذم الكياني، وتمزيق النسيج الاجتماعي في وطن عرف الوحدة التوحد قبل آلاف السنين.
تحرص السعودية والإمارات، على أن تكون اللاعب في جنوب اليمن، في استراتيجياتها الإقليمية التوسعية في المنطقة، على استثمار الصراعات المحلية لصالحها، عبر إقامة علاقات وثيقة مع حلفاء محليين ينفذون أجندتها، ومن ثم تمثل مطامعها في جنوب اليمن، وطموح وكلائها الجنوبيين الضيقة، وتكون مدخلاً مناسباً لفرض سيناريو تقسيم اليمن.
وهنا يحتم ويجب على كل القوى الوطنية أن تحمل مشعل مشروع يمثل مصالح اليمن واليمنيين ووحدة أرضهم التاريخية, والاحتفال بقيام الوحدة اليمنية في عامها الثلاثين وستكون ذكرى تضيئ عتمة الليل الطويل، وندعو كل من شارك في الحرب العدوانية ضد أهله ومن يقاتل في صف الغازي، للعودة إلى حضن الوطن للدفاع عن الوطن ضد تحالف العدوان البربري المتمثل في السعودية والإمارات، إن مصلحة الشمال والجنوب، في الوحدة والكل أكيد ومؤكد مع الوحدة اليمنية بكل تأكيد.
لم يكن »هادي« الرجل المناسب لكي يكون رئيسا للبلد، نتيجة لضعفه ونتيجة لقوة من سبقه الزعيم / علي عبدالله صالح رحمة الله عليه، ولكن نتيجة لتوافق الجميع على انتخاب هادي رئيسا سلم اليمنيون بهذا للحفاظ على الوحدة، وكان هذه التوافق قادماً وبقوة مع الوحدة اليمنية وان لا احد مع الانفصال وان الانفصاليين هم مجموعة من الخونة والمرتدين, وبعد انتهاء مسرحية مؤتمر الحوار اليمني وما حصل عليه من أموال، فتح (هادي) صندوقاً باسم معالجة القضية الجنوبية التي كانت احد الأسباب الرئيسية في وجود هادي كرئيس، فجمع نحو ثلاثة مليارات دولار أمريكي (دولار ينطح دولار) لبيع الوهم للذين يعتقد الشرفاء انه في صالح اليمن والوحدة ومن يؤمن بالوحدة اليمنية والدفاع عنها ويمكن استثناء البعض منهم وبالذات الخونة الذين لا يعترفون بالحدود اليمنية ولا يدافعون عن السيادة اليمنية، ولكنهم يقاتل الآن لتحقيق مشروع سعودي إماراتي وحالياً قطر وتركيا في المنطقة، وجعل من اليمن والبلد ساحة حرب وصراع بين أقطاب إقليمية متناحرة، وتسليم (البلد) للنفوذ الأجنبي.
إن عجز الحكومة الشرعية في اليمن عن إدارة شؤونها الداخلية وضعف أدائها، يدل على أجواء الانقسام الداخلي السياسي والمناطقي المستشري الذي لم تستطع الحكومة إدارته بالحوار البناء، والتوصل مع المكونات اليمنية كافة إلى حل يمني يمني يحقق للجميع الأمن والاستقرار.
أن ثورة 26سبتمبر 1962م ، هي الثورة الأم التي انبثق عنها وتطور منها ثورة 14اكتوبر 1963م، مما يجعل تلازم الثورتين أساسا للوحدة اليمنية، التي ناضلت الحركة الوطنية لتحقيقها كتتويج للنضال الثوري الوحدوي الديمقراطي وتأكيد الحقائق التاريخية والمفاهيم العلمية لوحدة الشعب التي تؤكد وحدة الأرض والإنسان اليمني.
إن الوحدة اليمنية بمضامينها الكفاحية التقدمية الأعمق في نفوس الأحرار والشرفاء والطبقة العاملة من اليمنيين مقدس، وإنهاء الاستعمار بكل أشكاله واجب وطني، والنضال من أجل قيام دولة مدنية وسلطة ديمقراطية متحررة من النفوذ السعودي الإماراتي الامبريالي والنفوذ الاجنبي حق من حقوق الشعب اليمني لتحقيق طموح شعبنا في الحرية والديمقراطية والوحدة بمضمونها الاجتماعي والديمقراطي، ودحر الغزو للأراضي اليمنية, وصيانة السيادة الوطنية، والنضال من أجل إعادة توحيد الوطن على أسس وطنية ديمقراطية, احد مسارات الثورة والوحدة, والتعبير عن مسار المجتمع وصهر الجميع في إطار الدولة نحو يمن حر ديمقراطي موحد مطالب شعبية متينة وصلبة.
عاش كفاح الشعب اليمني من أجل التحرر الوطني والوحدة اليمنية، وعاشت الوحدة اليمنية طريقاً للوحدة العربية.
❊ رئيس المركز الوطني للرقابة وتعزيز الشفافية والنزاهة
|