طه العامري - لم يعد هناك ثمة مجال للشك بكون الحالة اليمنية غدت حالة استثنائية عصية على الحل والتوافق مهما تحدث بعض المتفائلين بإمكانية توصل الأطراف اليمنية لتوافق واتفاق فيما بينها ، داخلياً انحدر الصراع بين الأطراف اليمنية إلى مستنقع يصعب التطهر من ادرانه كما يصعب على أطرافه إعادة حساباتهم الخاطئة أو التراجع عن مواقفهم فالكل يرى أن أي تراجع منه يعني نهايته ونهاية وجوده السياسي والوجاهي ، بعد أن تشعب الصراع واتخذ مسارات بعيدة عن المسارات المعلنة من قبل أطراف الصراع ، فالذين يزعمون أنهم يدافعون عن (شرعية وثورة وجمهورية) هم بعيدون كل البعد عن هذا ، والذين يتحدثون عن (العدوان ومقاومته وعن العملاء والخونة) هم أيضا أبعد عن هذا ، وبالتالي فإننا أمام فنتازية صراع غير مسبوق على الساحة اليمنية ولم تشهد اليمن صراعا مشابها لهذا الصراع في كل تاريخها السياسي ..؟!
يمنياً يمكن القول إننا نشهد (صراع الفاشلين) وصراع كهذا يصعب حسمه من قبل أطرافه ويصعب التنبؤ بنهايته ويزداد الأمر كارثية حين ينحدر الصراع إلى حضيض المبررات والأسباب والدوافع ويأخذ بكل الدوافع المقيتة سياسياً ومذهبياً وقبلياً وطائفياً ومناطقياً فيصبح الصراع هنا صراعا مركبا يجسد حقيقة فشل النخب المتصارعة التي تعيش حالة إفلاس حضاري ووطني وهو الإفلاس الذي يدل على غياب المشروع الوطني لدى هذه الفعاليات التي تحصنت خلف أسوار مشاريعها الصغيرة ولم تعد اليمن بأرضها وسكانها وقدراتها ودورها ومستقبلها حاضرة في اجندتهم الخاصة التي يتمترسون خلفها تشبثاً بالبقاء والديمومة..؟!
تزامن هذا مع صراعات أخرى إقليمية ودولية وهو الصراع الذي اعتمد بدوره فكرة الحروب بالوكالة إقليميا فيما الرعاة الدوليون مايزالون يترقبون لخارطة الأحداث ويبحثون فيما بينهم عن أطياف يتفقون عليها لتشكيل الخارطة ..؟!
في اليمن لم يعد هناك ثمة مشروع وطني جامع يمكن أن يحتشد خلفه الشعب اليمني ، بل هناك مشاريع صغيرة فسيفسائية عملت على تجزئة المجتمع والجغرافيا والقدرات والوعي الوطني برمته ، إذ أن هناك مشاريع مذهبية مركبة يحاول أتباع هذه المشاريع الانتصار لخياراتهم ، إذ أن هناك صراع (شافعي _ شافعي) وصراع (زيدي _ زيدي) وهناك صراع ( زيدي _ شافعي ) ، هذا على الصعيد المذهبي ، وهناك صراع سياسي بين قوى يمنية انقسمت توجهاتها التحالفية إقليميا ودوليا وتوزعت ولاءات هؤلاء بين دول الخليج وصولا إلى بريطانيا وامريكا ، وبين محور المقاومة بدءا من لبنان وسورية وصولا إلى طهران وموسكو والى حد ماء بكين ..؟!
دون أن نغفل حقيقة الصراع (الجنوبي _ الشمالي) وبين هؤلاء واولئك هناك العوامل الصراعية المغذية لكل هذا وهي الصراعات الحاملة الفيروسات المناطقية والطائفية والقبلية والمذهبية المؤدلجة وهي التي تكاد شبه طاغية في خطاب المتصارعين وفق ثقافة تسوق منذ سنوات عن (الروافض والمجوس) وعن (التكفيريين والدواعش) ..؟!!
إن ما يجري في اليمن اليوم يعيد للأذهان ما جرى في جمهورية يوغسلافيا السابقة بل يكاد السيناريو اليوغسلافي يعيد نفسه اليوم في بلادنا للأسف مع الفارق أن ما حدث في يوغسلافيا كان تصفية حسابات دولية مع روسيا الاتحادية لكن ما يحدث في اليمن هو تصفية حسابات ولكن تداخل فيها الداخلي والإقليمي والدولي وبالتالي فقد انتهت أزمة يوغسلافيا بتقسيمها إلى أربع دويلات لعجز روسيا الاتحادية عن فعل شيء لحماية دولة كانت تمثل عمقها الاستراتيجي ، فيما الوضع اليوم مختلف بحال اليمن لفشل أطراف الصراع المحلي اليمني في تبني مشروعهم الوطني الخاص وفشل القوى الإقليمية في حسم الصراع لصالح أي منها فيما المحاور الدولية ترقب بعضها دون التوصل لتفاهمات فيما بينها ينهي ما يعتمل على خارطة العالم بدءا من بحر الصين إلى أفغانستان والحدود الملتهبة هنديا وباكستانيا وصولا لسوريا والعراق وليبيا وإيران وربما تزيد جائحة كورونا من التباعد بين الأقطاب الدولية الراعية لكل هذه الازمات ..؟!
في اليمن يعكس ما يجري فشل النخب السياسية والحزبية والقبلية والمذهبية والطائفية والمناطقية وسقطت كل الأيديولوجيات السياسية والمذهبية التي راحت تسوق نفسها خلال نصف قرن من الزمن ولكنها أخفقت في تحقيق ولو جزء من أهدافها ، فجاءت أحداث 2011 م فكانت بأحداثها أشبه بأسطورة (فار سد مأرب) قديما ، والسبب أن القوى الفاعلة ودفاعا عن مصالحها وديمومة نفوذها وحضورها على الخارطة السياسية ودفاعا عن حصتها في السلطة والنفوذ ألقت خلف ظهرها كل ما يتصل بالوطن حاضره ومستقبله وقدراته واقتدا الجميع دون استثناء بخيار (شمشون) الذي اختار أن يهدم المعبد على رأسه ورؤوس أعدائه ..؟!
أجزم أن ما يجري في اليمن يحتاج لمعجزة ربانية ، أما الرهان على أطراف الصراع فهو ضرب من المحال لايمكن أن يتحقق ، والرهان على المبادرات الإقليمية أو الدولية أو الركون على دور المبعوث الدولي ومنظمته هو بمثابة (عشم إبليس بالجنة)!
|