د. عبدالعزيز المقالح -
لا أريد لمشكلاتنا الآنية والعاجلة ـ وهي مشكلات حادة وضاغطة ـ أن تنسينا المشكلات الآجلة، وهي التي لا تخصنا وحدنا، بل تخص معنا كل البشر الذين يشاركوننا، أو نشاركهم سكنى هذه الأرض المعرضة للدمار.
وكنت ـ قبل أسابيع ـ قد كتبت في هذا المكان مقالاً عن مأساة الأرض، استوحيت موضوعه من القلق العام تجاه تخريب البيئة، ومن إحساسي الشخصي بما يتعرض له هذا الكوكب الجميل من محاولات تدميرية، وما ينتظره على يد أبنائه بعامة، وأبناء الدول الكبرى بخاصة من محاولات عابثة، سوف تؤدي حتماً لا إلى تشويهه وتغيير مسار فصوله فحسب، وإنما إلى استحالة إمكانية العيش عليه.. ويبدو لي أن الإنسان بعامه، والإنسان العربي بخاصة يخاف من الحقيقة ويخشى المجاهرة بالأمر الواقع، ولا يسعده شيء كالتضليل الذي يجعله يعيش في حالة من الاطمئنان الكاذب، والشعور المزيف بأن كل ما حوله على ما يرام، وإن لم يكن كذلك على الإطلاق.
ولمزيد من الحديث عن مأساة الأرض، وما تتعرض له من تخريب متواصل، وقع بين يدي منذ أيام عدد من مجلة «الأهرام العربي»، التي تصدر عن دار الأهرام بالقاهرة.. يعود تاريخ صدور هذا العدد إلى عام 3002م، ورقمه (013)، وفيه مقال بعنوان «العالم ينتظر الفناء»، يرافق العنوان أو بالأصح يسبقه عنوان جانبي يقول: «أمريكا تخنق الهواء وتذوَّب الجليد وتسخّن المحيطات»، وفي المقال من الحقائق ما يبعث على الخوف المريع، وهو يعتمد على مراجع دقيقة لعلماء معروفين، بعضهم من الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، لا على أقوال المنجمين، وأحاديث الوعاظ، يبدأ المقال على النحو الآتي: «كل شيء في طريقه إلى النهاية، إذ تجف المحيطات وتموت الأنهار، وتختفي الأشجار، ويرحل الأكسجين عن الهواء، وتمتلئ السماء بالغبار، وتتناقص الكائنات على الأرض حتى ينقرض الإنسان، كما انقرضت الديناصورات، وتتحقق الموجة السادسة من الفناء التي تقودها أمريكا، ليس بسبب ترسانتها النووية فقط، ولكن أيضاً بسبب سياستها التي تحتقر البيئة، فتزيد من ظاهرة الاحتباس وترفع معدلات التلوث، وتذّوب الجليد، كما ذوبت بالغاز أطفال العراق».
وبعد هذه المقدمة المتميزة يبدأ المقال في سرد الحقائق بعيداً عن اللغة العاطفية، مشيراً إلى أن أكبر معدل انقراض في التاريخ للكائنات الحية يتم في هذه المرحلة، و«أن وتيرة انقراض العديد من الكائنات الحية أصبحت تهدد كوكب الأرض، فالعالم يفقد ما بين خمسين ألفاً ومئة ألف نوع من المخلوقات كل عام»، كما يقول الدكتور رتشارد ليكي ـ مدير قطاع الحياة البرية في كينيا في تقرير للأمم المتحدة، وهو يشير إلى أن معدل انقراض الأنواع بلغ ضعف ما كانت تذهب إليه تقديرات الخبراء قبل أربعة أعوام فقط، كما أن معدل هذا التناقص لم يحدث منذ خمسة وستين مليون عام، حيث انقرضت الديناصورات، مما يجعلنا على مقربة من حالة انقراض جماعية، كما وقع من قبل، في الوقت نفسه الذي حذّر فيه الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة، وهو أكبر جماعة في العالم من نوعها من أن خطر الانقراض ما زال يهدد كثيراً من الكائنات، مضيفاً إلى أن ربع الكائنات القديمة في العالم وربع أسماك المياه العذبة، وثُمن الطيور قد تنقرض إلى غير رجعة.
والسؤال الذي نخرج به من هذه القراءة القاتمة للمستقبل الإنساني هو: هل ما يزال بإمكان هذه الأرض أن تستعيد توازنها وجمالياتها، وأن يعود لمياه الأنهار السوداء صفاؤها؟ وللمدن التي لا ترى الشمس نهاراتها، وهل ستعود الأسماك إلى الأنهار، والطيور إلى الأعشاش أم أن الوقت قد فات والصرخة جاءت بعد فوات الأوان؟
الشاعر إبراهيم يحيى الديلمي في «مشاهد يومية من زمن الصمت»
ما أكثر المشاهد اليومية الدامية في زماننا، تلك التي ينظر إليها الغالبية من الناس بعين اللامبالاة، والناتجة عن بؤس الداخل وهمجية الخارج، ذلك ما التقطته بصدق وشفافية قصائد الديوان الجديد للشاعر المبدع إبراهيم يحيى الديلمي، وسبق لي أن قرأت ديوانه الأول الصادر في عام 4002م عن وزارة الثقافة، تتصدر الديوان الجديد مقدمة عميقة ودقيقة بقلم الشاعر الكبير حسن عبدالله الشرفي، يقع الديوان في 061 صفحة، وهو صادر عن مركز عبادي للدراسات والنشر.
تأملات شعرية:
أهي مثقلة بالكتابة
أم بالنعاس؟
هذه الأرض منذ ابتلاها الإله
بلعنتهِ
وهي شاردة المقلتين
تحدق في الوهم
باحثةً بين أبنائها عن أُناسٍ أُناسْ؟
أوشك العمر الافتراضي لها
أن يغادرها
وهي لما تزل تتخبط
ما بين صحوتها والنعاس!!