يحيى علي نوري -
حفل عمود هموم أول القرن للصحافي والكاتب المعروف نصر طه مصطفى نقيب الصحافيين اليمنيين بحديث طويل عن خواطره »النقابية« الجمة بأسبوعية «26 سبتمبر» حيث حرص مصطفى على سردها في اطار حلقات متتابعة.
وقد شدتني كثيراً تلك الخواطر التي حفل بها العمود في حلقته الثانية تحت عنوان «خواطر نقابية» ووجدت فيها موضوعاً جديراً بأن يشد كاتب هذه السطور الى التفاعل الايجابي مع كل تلك الخواطر باعتبارها قد لامست العديد من القضايا المهمة ذات العلاقة بالحياة النقابية وما تعانيه اليوم من متاعب وصعوبات وما يتطلب القيام به من خطوات باتجاه الخروج المقتدر للعمل النقابي من دائرة الرتابة والقوقعة أن جاز لنا التعبير هنا بذلك.
ولكون ما أورده الاستاذ النقيب من حالات سلبية باتت تعتري الحياة النقابية الصحفية يمثل جميعه من الأهمية بمكان ما يتطلب الوقوف ازاء مجمل ما أشار له وبصورة متعمقة تغوص في مختلف ثنايا المشكلات وبرؤية شاملة وجامعة لمختلف جوانب العمل النقابي حتى يتم اجراء التشخيص الواقعي والموضوعي لمجمل هذه المشكلات ومن ثم اقتراح الحلول والمعالجات الكفيلة لجعل العمل النقابي ينعم بالحيوية والفاعلية والقدرة على المواكبة وتحقيق الانجاز تلو الانجاز.
وحقيقة أن اطلالة الاستاذ مصطفى نقيب الصحفيين اليمنيين على كل حالات السلب التي تشوب الحياة النقابية وبصورة سريعة دون توقف في البحث عن الأسباب والمبررات التي أدت الى كل هذه المشكلات لم يقدم جديداً على صعيد كل ما نسمعه ونقرأه له من آراء ومواقف إزاء قضايا النقابة والتي طالما تعج بها ساحتها ومعها أيضاً صفحات العديد من الاصدارات الصحفية ناهيكم عن مجالس القات للوسط الصحفي والذي تأخذ فيه هذه الموضوعات نصيب الأسد من الدردشة.
واذا كان هناك من جديد لهذه الخواطر التي حفل بها موضوع الخواطر فإنه يتمثل في كونها جاءت من خلال النقيب وقلمه وأنه بذلك قد جاء بعد كثيرين في سرد مجمل المنغصات التي يعاني منها العمل النقابي والجديد الآخر وهو أن هذه المقالة جاءت من قبل شخصية تعمل نقيباً للصحافيين وربان سفينتهم النقابية باتجاه تطوير العمل النقابي وهو المعني أكثر من غيره بحكم موقعه كإدارة وقيادة بوضع مختلف هذه المنغصات النقابية في اطار خطة نقابية والتعامل مع مختلف قضاياها برؤية ادارية ثاقبة.
ولاشك أن هذا يدعوني كعضو في الوسط الصحفي ونقابة الصحفيين أن أسجل اعتراضي الشديد لأسلوب التناول السريع للنقيب لمشكلات العمل النقابي وبصورة لا تعبر عن شيء سوى كونها مجرد هضم هموم وهو هضم بات معهود من قبل كل اعضاء الوسط الصحفي في كل تناولاتهم لقضايا النقابة.. وبات بفعل التكرار المملل له يمثل اسطوانات مشروخة لا يمكن لها أن تقدم أو تأخر خطوة واحدة على صعيد العمل النقابي بل نجده -أي العمل النقابي الصحفي- ظل أسير هذه الاسطوانات المشروخة التي لم تقدم له معالجات ناجعة وحقيقة لكثير من مشكلاته ومنغصاته، بل جعلته يراوح مكانه وفي حالة من التفاقم لمشكلاته والسير بها بخطوات باتجاه التعقيد واحداث ما أحداثه من تداعيات نفسية ومعنوية على مستوى أعضاء الوسط النقابي وتشكيل رؤية ضبابية معززة بحالات اليأس لا يمكن من خلالها النظر الى مستقبل العمل النقابي ولو كانت هذه النظرة على المستوى المنظور والقريب.
المطلوب عاجلاً
وإزاء ما تقدم فإن الاستمرار والبقاء على الواقع النقابي الراهن وبمختلف معطياته وتحدياته يمثل الرغبة في الابقاء على هذا الواقع فإننا نجد أن أساليب هضم الهموم لم تعد أسلوباً مثمراً في التعبير الصارخ والحاد عن كل المشكلات وهو ما يعني بالدرجة الأولى أن على الوسط النقابي قيادة واعضاء نقابة التخلص وبصورة سريعة من هذا الأسلوب ومن ثم الانتقال الى أسلوب آخر يتفق مع عظمة ما يمثله الصحفيون من شريحة ثقافية اجتماعية، معنيون أكثر من غيرهم في اطار رسالتهم الصحفية والاعلامية من القيام برصد مختلف الظواهر والمشكلات السلبية التي يعاني منها مجتمعهم ومن ثم مساعدته على حل مشكلاته في اطار من الالتزام بالمهنية الاتصالية القادرة على خلق تفاعل الرأي العام.
إذ لا يمكن للوسط النقابي الصحفي ودون أن يتخلص من أساليبه التقليدية العقيمة في تناول قضاياه النقابية من السير الصحيح والسليم باتجاه تحقيق أهدافه، ذلك أن هذه التقاليد غير السليمة والتي تشكلت عنده ومنذ الارهاصات الأولى للعمل النقابي من خلال الاحاديث الجانبية والمواقف المتشنجة والمتعصبة التي طالما تتسم بها الحياة النقابية الصحفية وخاصة مع كل موسم جديد يقترب فيه الوسط النقابي من موعد اجراء العملية الانتخابية.
وهذا يعني أن ما تم اعتماده من أساليب ووسائل رفض واحتجاج على الواقع النقابي لا يستند في الأساس على تقاليد ادارية ولوائحيه وتنظيميه.. الخ من المسميات، وإنما يستند على العشوائية والارتجالية بدليل ما أشار له الاستاذ النقيب مصطفى في عموده الى وجود حالة من اللامعرفة بالأسس والقواعد المنظمة للعمل النقابي من قبل الوسط الصحفي نفسه.
نقلة جديدة
إذاً فعملية تحقيق نقلة جديدة لاهتمامنا بالعمل النقابي تتطلب من نقابة الصحفيين اليمنيين واقصد هنا بالتحديد من مجلسها القيادي هو البحث المسئول والجدي عن أساليب وطرق هذا الانتقال وبالصورة التي تقدم رؤية جديدة تحمل في طياته من التميز والابتكار في أساليب تشخيص وتحليل المشكلات ما يكون كفيلاً بإحداث حالة تفاعل وحماس مع العمل النقابي من قبل كل اعضائه وفي ذلك افضل من الحديث عن حالة اللاتفاعل التي يبديها الوسط الصحفي مع نقابته والتي أشار لها الاستاذ النقيب في عموده صراحة محملاً المسئولية في ذلك لمن وصفهم بالسواد الأعظم من أعضاء النقابة، وهو عدم تفاعل قد يكون نتاجاً طبيعياً لحالة الفراغ التي تعاني منها الادارة النقابية على مستوى مختلف مراحل العمل النقابي في بلادنا، حيث أدى هذا الفراغ في أداء القيادات النقابية والتي عبرت عنه بقوة وجلاء أجندتها وخططها الى حالات فراغ أكبر في اطار اهتمامات الوسط النقابي بقضايا ومشكلات نقابية وجعلته حديث أمانٍ وتطلعات وتعبيراً عن الحسرات وانعدام الثقة، وذلك سبباً موضوعياً لحالة الفراغ التي ظلت الادارة النقابية تنتجه وتعيش بعيداً عن التفكير الجدي في البحث عن سبل وطرق ملء هذا الفراغ، حيث بات يتمثل في انعدام الخطط الآنية والمستقبلية للإدارة النقابية وكذا انعدام الأنشطة والفعاليات الاجتماعية التي يتم التخطيط والاعداد لها بالصورة التي تخدم الوسط الصحفي بالاضافة الى انعدام الامتيازات الحقيقية لاعضاء الوسط النقابي وكذا افتقاد روح المبادرة لدى القيادات النقابية وما تعاني منه من ضعف شامل، تمثل في عدم قدرتها على مد جسور الاتصال والتواصل الحميم مع مختلف الفعاليات بالصورة التي تخدم العمل النقابي وتدفع به خطوات متقدمة هذا بالاضافة الى عدم القدرة للإدارة النقابية على الاستفادة من تجارب اشقاء واصدقاء في العمل النقابي سواءً أكان ذلك على المستوى التشريعي واللائحي وإعداد الخطط والبرامج وعقد الدورات الاعتيادية لتكوينات المؤسسة النقابية وتحقيق أعلى درجات التفاعل والحيوية الفاعلة مع كل ما يطرح من قضايا ومشكلات، هذا الى جانب عدم القدرة على تشخيص المشكلات والافتقاد الكامل لآليات معالجتها.
وكل ذلك لاشك كان له من يوم لآخر أن عمل وساعد على اتساع رقعة الفراغ في مهام ومسئوليات الادارة النقابية الأمر الذي صاحبه فراغ أكبر يتجلى اليوم في حالة التصدعات والتشرذمات وحالات اللامبالاة التي تعتري العمل النقابي والافظع من ذلك كله حالة انعدام الثقة بمستقبل العمل النقابي وهي حالة ستكون لها تأثيرات أكبر اذا لم يتم احتواؤها بصورة سريعة.
الحزبية النقابية
وباعتبار أن العمل النقابي الصحفي في بلادنا يحصد اليوم ما يمكن أن نسميه هنا ثمار حالة الفراغ فإن هذا الفراغ قد شهد هو الآخر تعقيدات وأفرز صعوبات وعراقيل جديدة تقف اليوم أمام العمل النقابي بل وتمثل تحديات كبيرة لا يمكن للادارة النقابية الصحفية تجاوزها ما لم تكن مزودة برؤية إدارية ثاقبة متسلحة تماماً بكل مثل وقيم الادارة الحديثة تخطيطاً وتنظيماً واشرافاً ومتابعة ورقابة على كافة جوانب العمل النقابي وضخ فيه من المشروعات والبرامج والمناشط المختلفة ما يجعله ينشغل بصورة مستمرة بأهداف المهنية الاجتماعية.
ومن أبرز هذه الصعوبات أن العمل الحزبي وبكل ما يمثله من كارثية بات حاضراً داخل أروقة ومكاتب الادارة النقابية وبصورة مفجعة تبعث الى المزيد من الاستهجان والتنديد والشجب لما أحدثه الحراك الحزبي من دور غير مسئول في توسيع دائرة الفراغ للعملية الادارية الصحفية وجعلها عملية تدور في فلكه يحركها متى يشاء وكيف ما يشاء، وهو بذلك أي العمل الحزبي يعلن هيمنته ووصايته على شريحة اجتماعية مثقفة هي الصحفيون الذين ظهروا للأسف الشديد رهائن لمطابخ أحزابهم عاجزين كل العجز من تحقيق اتصال ناجح وفاعل مع أعضائهم في الوسط الصحفي.
المخرج الوحيد
إذاً فالبحث هنا عن المخرج الصحيح لكل هذا الواقع النقابي المزري لا يمكن أن نتصور حدوثه من خلال انعقاد دورة انتخابية أو انتخاب قيادة جديدة ومن خلال البحث السريع عن لوائح وأنظمة جديدة تناط بتنظيم وتسيير العمل النقابي أو من خلال أية وسيلة فيها تعجل في اتخاذ قرار تحديد المخارج في اطار من التفكير العاطفي واللجوء الى العلاقات الشخصية في احداث التأثيرات والمناخات المناسبة لتمرير هذا المخرج أو ذاك.
وهذا يعني أن البحث عن المخرج المناسب والذي يمكن أن نسميه هنا ووفقاً لمختلف التحديات الماثلة أمام العمل النقابي حالياً ومستقبلاً بالمخرج الانقاذي أي المخرج الذي يمكن العمل النقابي من التخلص من نسبة كبرى جداً من مشكلاته ومنغصاته ومن ثم القضاء على ما تبقى من خلال الادارة النقابية الفاعلة وهذا يعني العودة الى نقطة الصفر في التعاطي مع مختلف الموضوعات والقضايا المتصلة بالعمل النقابي.
ويتطلب تحقيق ذلك من الادارة النقابية الراهنة العمل على التهيئة والاعداد لعقد ندوة علمية موسعة يتم تحديد أهدافها ومحاورها بدقة متناهية يتم من خلالها وبأسلوب علمي متجرد تماماً من كافة أساليب الارتجالية والعشوائية والرؤى الحزبية الضيقة الوقوف بمسئولية أمام مختلف قضايا النقابة ابتداءً من أبسط القضايا وانتهاءً بأكبرها ووضع كل الموضوعات في دائرة البحث والتحليل والمراجعة المقتدرة التي تخلص الى نتائج مثمرة يمكن الاعتماد عليها في التوجه المستقبلي باتجاه تطوير وتحديث العمل النقابي الصحافي وجعله يعبر عن عظمة الشريحة المثقفة التي يمثلها، وجعله أيضاً ادارة فاعلة باتجاه تحقيق أعلى درجات الفائدة لأعضاء الوسط الصحفي مهنياً واجتماعياً، الخ من المزايا والحقوق التي يتمتع بها صحفيو الكرة الأرضية.
خلاصة
واذا ما عقدت مثل هذه الندوة الموسعة واذا ما شأنا لهذه الندوة أن تكون محطة مهمة من محطات العمل النقابي الصحفي تنطلق من خلالها طاقات وابداعات وامكانات الوسط الصحفي اليمني نحو تحقيق أهدافه وتطلعاته فإننا سنكون قد أوجدنا الأرضية القوية والصلبة لهذه الانطلاقة الجديدة والتي ستتمثل في مجموعة القرارات والتوصيات التي ستخرج بها وفي اطار من التصور السليم للآليات التنفيذية التي من شأنها أن تهيئ لهذه الانطلاقة كل فرص الابداع والتألق.
كما أن عقد هذه الندوة يعد ضرورياً في تصورنا قبل انعقاد المؤتمر العام القادم والذي بالامكان تأجيل انعقاده لكي يمنح الوقت الكافي لانعقاد هذه الندوة وبالتالي فإن تصوراتها ومخرجاتها -أي الندوة- ستمثل أيضاً قاعدة متينة يتم من خلالها التعاطي مع كافة الموضوعات والقضايا التي ستدرج في جدول اعمال المؤتمر العام ووضع كل ذلك في اطار الية التنفيذ الآنية والمستقبلية.
ذلك المخرج الوحيد الذي حرصنا هنا على الاشارة اليه داعياً مختلف الزملاء الى التفاعل مع هذه الرؤية بالصورة التي تخدم تطلعات الجميع من أجل بلوغ نقابة متطورة في أهدافها وبرامجها وأنشطتها وفي مساهماتها في خدمة الوطن ومقتضياته الحياتية المختلفة.
وتلك رؤية اذا ما تم التعامل معها فإنها وبالرغم من بساطتها ستكون كفيلة بإحداث حراك ايجابي لصالح العمل النقابي.. حراك يختلف اختلافاً جذرياً عن كافة المحاولات الحِراكات الماضية التي أكدت الأيام فشلها في القيام بتحقيق خطوة ولو بسيطة باتجاه النقابة.. الحلم الكبير لمعشر الصحفيين اليمنيين.