الميثاق نت -

الإثنين, 07-سبتمبر-2020
محمد‮ ‬العريقي -
طالما وهناك توحد على ضرورة مكافحة الفساد ، بعد ان أيقن الجميع خطورة هذه الظاهرة المعيقة للتطور الاقتصادي والاجتماعي ، فقد آن الأوان للسير في المسالك الصحيحة والناجعة للتصدي لهذه الآفة الخطيرة ، من خلال الخطوات والإجراءات الفاعلة والعلمية ، وليس من دوافع حماسية لحظية مرتبطة بحدث ما ، أو لحسابات سياسية ، فهذا الانفعال الحماسي لن يحقق الفائدة المرجوة ، ولن يكفل الاستمرارية ، وقد يتلاشى تأثيره ، مالم يؤطر بالآليات والأدوات الفاعلة التي تتبعها الدول التي نجحت في هذا المجال .
ولنعلم‮ ‬ان‮ ‬مشكلة‮ ‬الفساد‮ ‬ليست‮ ‬قضية‮ ‬مقتصرة‮ ‬على‮ ‬اليمن‮ ‬،‭ ‬وإنما‮ ‬هي‮ ‬مشكلة‮ ‬عالمية‮ ‬،‭ ‬تتفاقم‮ ‬تعقيداتها‮ ‬كلما‮ ‬توسع‮ ‬وتقدم‮ ‬النشاط‮ ‬الاقتصادي‮ ‬،‭ ‬وتزايدت‮ ‬احتياجات‮ ‬بعض‮ ‬ضعفاء‮ ‬النفوس‮ ‬للثراء‮ ‬غير‮ ‬المشروع‮ .‬
ولذلك أصبحت الدول مهتمة في مواجهة هذه المعضلة الاجتماعية والاقتصادية ، فابتكرت المعالجات والحلول القانونية والفنية والتكنولوجية ، وهيأت لها الكوادر البشرية المتخصصة ،وفوق هذا كله مهدت بقوانين الحصول على المعلومات والشفافية ، إلى جانب الإرادة السياسية ، والإدارة‮ ‬الناجحة‮ ‬،‭ ‬والمناخ‮ ‬الديمقراطي‮ ‬،‭ ‬واستطاعت‮ ‬هذه‮ ‬الدول‮ ‬تطويق‮ ‬وتحجيم‮ ‬ظاهرة‮ ‬الفساد‮ ‬عند‮ ‬حدوده‮ ‬الدنيا‮ .‬
وإذا كان اليمن من أكثر الدول المتضررة من آفة الفساد كما هو ملموس في الواقع ، وكما تؤكده أيضا التقارير الدولية ، فقد صنّفت المنظمة البريطانية لمكافحة الفساد "الشفافية الدولية"، صنفت اليمن في المرتبة الحادية عشرة لأكثر الدول فساداً في العالم، وأكثر الدول فساداً‮ ‬في‮ ‬منطقة‮ ‬الخليج‮.‬
وهذا ليس تحاملاً على اليمن ، فأي مواطن عادي أصبح يدرك ان الفساد هو اكبر عدو معيق للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وطالت مخالبه كل مقدرات واستحقاقات المجتمع ، وبدت مظاهره المكشوفة بكل تحد واستخفاف في أكثر من مشهد في حياة الأفراد والجماعات الفاسدة الذين أصبحوا‮ ‬يمتلكون‮ ‬الثروات‮ ‬والعقارات‮ ‬والشركات‮ ‬،‭ ‬ليس‮ ‬لأنهم‮ ‬احترفوا‮ ‬التجارة‮ ‬والصناعة‮ ‬،‭ ‬وإنما‮ ‬سهل‮ ‬لهم‮ ‬الوصول‮ ‬إلى‮ ‬مصادر‮ ‬الأموال‮ ‬العامة‮ ‬دون‮ ‬حسيب‮ ‬أو‮ ‬رقيب‮ .‬
وليس الفساد مرتبطاً فقط بالضرر الذي طال المال العام ، فأيضاً القطاع الخاص كان له نصيب من هذه الظاهرة ، وكل ذلك تفشى في عدم تفعيل الأنظمة والقوانين الرادعة ، وتردي القيم والأخلاقيات ، حتى كاد الفساد يوغل في حياة الأسرة الواحدة التي طغت فيها الأنانية الى مستوى الخصام والتناحر ، وهنا يتطلب الاعتراف بخطورة المشكلة ، وتشخيص أبعادها ، وتنفيذ استراتيجية العمل لمواجهتها ، اذا كان هناك استراتيجية مجتمعية لذلك ؟ وفي كل الأحوال لابد ان نسلّم أننا بحاجة إلى عمل مستمر منظم وممنهج لهذا الموضوع ، ونبحث في مكامن الضعف في أجهزتنا‮ ‬الرقابية‮ ‬التي‮ ‬عجزت‮ ‬عن‮ ‬القيام‮ ‬بدورها‮ .‬
فرغم ان اليمن لديها إطار عمل قانوني ومؤسسي لمكافحة الفساد منها الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد ، والهيئة العليا للرقابة على المناقصات والمزايدات ، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، ونيابات الأموال العامة ، وغير ذلك من الهيئات والمؤسسات الرقابية ، ومع ذلك ، لم يحدث الاختراق الكافي في جدار الفساد مما يجعل الحاجة ماسة للاستفادة من تجارب الدول التي حققت نجاحا في هذا المجال ،خاصة ونحن أصبحنا نستورد كل شيء من الخارج ، فلا نكابر وندَّعي أننا نفهم في كل شيء ، فلماذا أيضا لا نستفيد من تجارب الدول في هذا المضمار‮ .‬
فتجفيف منابع الفساد لم يعد فقط بالملاحقة ،أو سوء الظن ، فالفاسد يحيط نفسه بكل التدابير حتى لا يصل إليه احد ، ومن ذلك سلطة القوة والنفوذ ، أو أساليب الاحتيال والتضليل ، ومن هنا لابد من إجراءات فاعلة وقوية معززة بقوة القانون المتكئ على قوة الدولة ، وتجسيد مبدأ الشفافية والمساءلة ، المعزز بمناخ ديمقراطي حر ، وفي ظل هيبة القضاء ، وهذه أدوات وآليات لجأت إليها الكثير من الدول في مقارعة الفساد ومنها الهند التي تتميز تجربتها بفعالية الدور المجتمعي في الرقابة والمساءلة والشفافية .
كما أن اليمن موقّعة على مواثيق دولية لمحاربة الفساد وفيها الرؤى والتصورات التي يمكن اتخاذها للحد من هذه الظاهرة ، والتساؤل هو: إلى أي مدى استفادت اليمن من هذه الوثائق ؟ والمهم هو: إلى أي مدى أيضا فعَّلت اليمن من أجهزتها الرقابية والقضائية ، والإعلامية ، والمجتمعية‮ ‬،‭ ‬للتصدي‮ ‬للفساد‮ ‬ومن‮ ‬خلفه‮ ‬الفاسدون‮ ‬،‭ ‬هذه‮ ‬التساؤلات‮ ‬لا‮ ‬يُرَد‮ ‬عليها‮ ‬إلا‮ ‬في‮ ‬ظل‮ ‬دولة‮ ‬حاضرة‮ ‬،‭ ‬وليست‮ ‬دولة‮ ‬مغيبة‮ ‬،‭ ‬ندعو‮ ‬الله‮ ‬ان‮ ‬يمن‮ ‬علينا‮ ‬بدولة‮ ‬تعم‮ ‬كل‮ ‬ربوع‮ ‬الوطن‮.‬
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:49 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-59146.htm