حاوره/ جمال الورد - تعد ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م واحدة من أهم الثورات العربية الناجحة والتي غيرت بقيامها مجرى الأحداث وانتصرت للحرية والكرامة بعد سنوات من النضال الثوري المسلح ضد الاستعمار البريطاني قدم فيها اليمنيون أرواحهم ودماءهم وأموالهم في سبيل تحرير البلاد والتي رزحت تحت نير المستعمر لأكثر من 130 عاماً تعرضوا فيها لشتى صنوف القهر والإذلال والاستنزاف والعبودية.
والحديث عن هذه الثورة المباركة يثير الكثير من الحماس ، فهي لم تأت بمحض الصدفة أو ولدتها عوامل مؤقتة، إنما جاءت حصاد سنوات من النضال المتواصل في مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية من مختلف تيارات المجتمع في الشمال والجنوب، وقد أكدت هذه الثورة بقيامها واحدية الثورة اليمنية ووحدوية اليمنيين عبر التاريخ وهي حقائق لا تقبل الشك أو الجدال مهما حاول البعض ممن لم يعيشوا عصر الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر والأحداث التي رافقتهما أن يزرعوه في نفوس الأجيال من عوامل التشطير وإثارة العنصرية والمناطقية المقيتة.
وللتعرف أكثر حول واحدية الثورة وأبرز التحديات المستقبلية التي تواجهها، أجرت »الميثاق« حواراً صحفياً مع المناضل اللواء الركن/خالد باراس - أحد مناضلي ثورة 14 أكتوبر.
* في البداية أهلاً وسهلاً بكم سيادة اللواء خالد باراس في صحيفة »الميثاق«، التي تكرمتم مشكورين بإجراء هذا الحوار معها تزامناً مع الذكرى الـ 57 لثورة 14 أكتوبر؟ سيادة اللواء ما رأيكم حول واحدية الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر.. وما طبيعة الاهداف التي يسعى لها البعض في فصل الثورتين؟
- أولاً أهلاً وسهلاً بكم.. بالنسبة للاصرار على واحدية الثورة دون أخذ الاعتبار لخصوصيات الثورتين «سبتمبر وأكتوبر» قد أوصلنا هذا الفهم السطحي الى القول: مادام الوطن واحداً والشعب يمنياً واحداً وكذا الأرض واحدة، فهناك ثورة واحدة، إذاً فالثورة واحدة وهي ثورة 26 سبتمبر، وما 14 أكتوبر إلا امتداد لها.
وبالتالي هنا الأصل وهناك الفرع، الأصل والفرع في كل شيء السكان والأرض.. ولقد أصاب هذا الفهم السطحي وحدة 22 مايو 1990م بالكثير من الأضرار، حيث استفز مناضلي ثورة 14 أكتوبر واعتبروا هذا الفهم ضمناً والحاقاً للجنوب أرضاً وسكاناً.
وأصبح ذلك مادة مناسبة لمن يعارض وحدة اليمن في الداخل والخارج.. واليوم أنا شخصياً لا أرى أهمية للعودة لهذه الدوامة من التفسيرات، فليس مهماً لنا ان كانت البيضة من الدجاجة أم أن الدجاجة من البيضة، طالما أن ثورة الشمال قد غيّرت نظام الشمال وثورة الجنوب حررت الجنوب وأقامت دولة هناك وهذان النظامان أقاما الدولة اليمنية الواحدة.
* ما أهمية اكتوبر في توحيد الجزء الجنوبي للوطن وفي تعزيز التواصل مع الجزء الشمالي؟
- قلنا فيما تقدم إن ثورة الجنوب أي ثورة 14 أكتوبر قد حررت الجنوب من الاحتلال الأجنبي وأقامت دولة هناك وبالتقارب بين دولتي الشمال والجنوب ونتيجة لذلك الزخم الوطني الذي يدعو لتحقيق الهدف الأول للثورة اليمنية توحدت دولتا شطري اليمن في دولة اليمن الموحد يوم 22 مايو 1990م الأغر.
* الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر هل تحتاجان الى استراتيجية وطنية لتعزيز دورهما المستقبلي؟
أنا لا أرى أية ضرورة لمطالبة ثورتي سبتمبر وأكتوبر بأكثر مما قد تحقق خلال العقود الماضية فقد حققنا الهدف السامي الأول للشعب اليمني وهو وحدة 22 مايو 1990م بقيام دولة اليمن الواحدة الجمهورية اليمنية.
وعندما أقول هذا فإني أنطلق من مفهومي للثورة أية ثورة وهو أن لكل ثورة أهدافها التي من أجلها حدثت، وبالتأكيد كما أعتقد أنها أي الثورة لا يمكن أن تستمر بلا نهاية يعني ثورة دائمة كما يقول البعض.. لأن هذا لا يأخذ بالاعتبار احتمال الفشل والاخفاقات وهي واردة، وهنا يأتي دور الشعوب واحتمال قيام ثورة أو حتى ثورات.
* ما الاسباب الكامنة وراء تجهيل الجيل الجديد بعهد ماقبل الثورة وعظمة التضحيات.. ومن يتحمل مسئولية ذلك؟
- الأهداف الكامنة وراء التجهيل المتعمد لأجيال أي وطن كان هي بالتأكيد تمهيد لمشاريع خارجية لاحتلال ذلك الوطن، وفيما يخصنا نحن اليمنيين فقد رأينا من الذي استفاد من جهل الجيل الحاضر بتاريخ بلاده وتضحيات الأجيال التي سبقته.. لقد رأينا كيف انقضت القوى الحاقدة على الشعب اليمني وتاريخه وعراقته، كيف استغلت دولتي العدوان السعودية والامارات جهل الكثيرين من الجيل الحاضر الذين هرولوا مرحبين بالعدوان على بلادهم واحتلال أرضهم.
أما مسئولية هذا التجهيل فيتحملها رموز الأنظمة السياسية التي سبقت قيام الوحدة في شطري اليمن ثم تلك التي هيمنت بعد الوحدة، ليس رموز السلطة السياسية فقط بل نخب المثقفين والرموز الوطنية المناضلة، وهنا أود أن انصفهم قليلاً وأقول إن جهلهم بأهمية ربط الاجيال ببعضها هو أهم الأسباب ففاقد الشيء لا يعطيه.
وقد واصل رموز السلطة والنخب المستفيدة حملات التخوين والتشويه لمن سبقوهم ومسح لكل ما هو ايجابي قبلهم اعتقاداً منهم أن هذا يبرر اخطاءهم وفشلهم واخافاقاتهم.
* الوحدة والثورة هل مازالا يعبران عن الشعور الوطني الجارف ؟
- نعم.. أنا واثق أن الثورة والوحدة لم تنجز نتائجها هكذا، بل مازالت تعبر عن مشاعر كل الوطنيين الأوفياء لوطنهم ويدركون جيداً ماذا يعني الوطن وماذا تعني لهم هويتهم اليمنية وانتماؤهم لشعب يمني عربي عريق يستحق الاعتزاز به.
* توثيق الثورة اليمنية هدف مازال ضرورياً، وكيف تتم حماية الثورة من كذب البعض وادعاءاتهم البطولية دون غيرهم ؟
- إن توثيق الثورة في تقديري مهمة وطنية أخلاقية، إنها مهمة صعبة فعلاً وأعتقد أن الثورة اليمنية والتاريخ نفسه بحاجة للتوثيق ومشكلتنا هي أن الكثير مما لدينا كتبه من يعتقد أنه المنتصر وتعاقب هؤلاء خلال أهم فترات ماضينا المعاصر على الأقل، ولا مفر من استمرار هذه الدوامة إلا بوجود دولة يمنية يرى من يسيّر أمورها أن قوته وما يحق له أن يعتز به، هو كل ما هو حق بما في هذا تاريخ بلادي وكل ما يتعلق بسلوكه وأعماله كراعٍ لهذه الدولة.
وهذا شيء من التمني والمثالية، لكن أضمن ما يمكن الاعتماد عليه هو وجود مجتمع مدني منظم قد وصل الى درجة مقبولة من الوعي والادراك بمسئوليته كمجتمع مدني قادر على تصويب أخطاء سلطة الدولة.. ولا ننسى أن توثيق الثورة ليس وحده أصبح نهباً لمن هب ودب وأصل ثروات بلادنا وخيراتها منهوبة في السابق والحاضر، واليوم تتعرض أرضنا لسيطرة الغزاة المحتلين وتشطير اليمن واقتطاع اجزاء من أراضيه.
* ما أبرز التحديات المستقبلية التي تواجهها الثورة؟
- لا أعتقد أن وطننا اليمني الغالي والشعب اليمني العظيم قد يتعرض لما هو أخطر مما يتعرض له حالياً من عدوان همجي غاشم، وما أتوقعه هو الانتصار المؤزر ودحر المحتلين الغزاة وسينهض اليمنيون من تحت الانقاض رافعي الرؤوس والهامات ومعيدين للتاريخ عٍبَره ودروسه كما فعلته الأجيال عبر مراحل التاريخ الماضية.
* الاحزاب والتنظيمات السياسية هل مازالت تتمتع بنفس قوة وعنفوان سبتمبر واكتوبر؟
- لقد استوعبت الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية الضربة الأولى للعدوان السعودي الإماراتي على اليمن، ذلك العدوان الذي راهن المعتدون على أن تكون ضربته الأولى مساء يوم 26 مارس 2015م هي الضربة القاصمة فخابت آمالهم لجهلهم من هو الشعب اليمني، واليوم والشعب اليمني وجيشه واللجان الشعبية يواصلون مواجهتهم لهذا العدوان خلال السنوات الست الماضية قد أكتسبوا الخبرة والكفاءة والقدرة على مواصلة المواجهة حتى النصر ودحر المعتدين.
صحيح أن الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية قد أصابها الكثير من الهزات لكنها لملمت جراحها واختارت معظمها الموقف الوطني المبدئي مواجهة العدوان في خندق واحد جنباً لجنب مع اخوانهم مجاهدي ثورة 21 سبتبمر الذين كانوا أيضاً قد اختاروا الموقف الوطني المبدئي ضد العدوان وتقدموا الصفوف، ومن جهة أخرى فقد وقعت بعض قيادات هذه الأحزاب في مطب القبول باعتداء الغزاة على بلادهم.
وهذه حالات استثناء سقط أصحابها في هاوية الفشل والخسران ولم يعد لهم مكان في هذا الوطن، لكن أغلبية قيادات وقواعد هذه الأحزاب والتنظيمات اختارت العزة والكرامة والشرف وهو مواجهة العدوان، اختاروا مواصلة مسيرتهم الوطنية وما أكتسبوه من الزخم الوطني المتواصل، أما الذين لم يدركوا أن مواجهة العدوان على اليمن هي عملية فرز للصفوف، إما الدفاع عن الوطن أو السقوط في صف أعداء الوطن.
|