عبدالله الصعفاني - عندما اشتعَلتْ الحملات الانتخابية بين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن، كنتُ كمُواطِنٍ على هذا الكوكب قرّرتُ الخلود إلى وسادة النوم، متأثِّرًا بصدمة قديمة عقب وصول الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض، وما كان من خِطابٍ وجَّهَه من جامعة القاهرة دغدغ به عواطف قرابة ملياري مسلِم، لكنهم لم يُطِلُّوا من تلك الرسائل الحالمة على شيء.. إلا أنني لم أستطع تجاهل السِّباق الانتخابي مع وصول الشعب الأميركي إلى نقاط حسم قضية مَن يغادِرُ ومَن يدخُلُ البيت الأبيض (ترامب أم أوباما)؟..
تراجعْتُ عن قرار الخلود إلى النوم؛ لِأنّ الانتخابات الأميركية كانت وستبقى جديرة بالاهتمام والمتابعة؛ باعتبارها موعدًا عالميًّا مع أوراق مشتعلة يملأ أوارها الحرَّاق سماء الكرة الأرضية.
وبعيدًا عن تفاصيل فوز بايدن ورحيل ترامب وما سبقها من مناظرات (الشُّو الإعلامي)، لم يكن بايدن لِيفوز لولا أنّه كان في أفضل حالاته، مقارنة مع ترامب الذي ظهر بحقّ في أسوأ أوضاعه لاعتبارات محليّة وعالمية.. وأتحدَّثُ هُنا عن قِيَمٍ إنسانية لاتزال حاضرة، لكنها مرتعشة حتى لا أقول مصدومة..!!
وأرجو أنْ لا ينبهر مناصرو ترامب بما جمعَتْهُ مصانع السلاح في عهده من أموال، أو بما تُمثّله أرقام حلْبِه لِأبقارٍ عالمية لم تعرف مصالح شعوبها بعْد.
خسارة ترامب الانتخابات جاءت مُعبّرة عن فهمه المخالِف للقيم الأميركية في شقها الإيجابي.
وبين يديَّ حكاية قديمة ذات دلالة متصلة بمزاج ترامب وسطوته المرعبة.. تقول الحكاية:
لقد تحوّلَ حقل الاسكتلندي مايكل فوربس ذات نهار إلى مطمَعٍ لرجل الأعمال ترامب، ورغبته في تحويل الحقل إلى ملعب للجولف رغم أنف فوربس.. يومها وصف ترامب ممانعة فوربس (بالعار) لمجرّد أنّ صاحب الأرض الصياد قال:
لا أريدُ أنْ أبيعَ الحقل، ثم وضع علَم اسكتلندا على أحد الجدران ليدخل فوربس في مطاردات نفوذ ترامب المالي العابر للحدود بشكل مضايقات من موظفي الصحة حول ما أسموه أوضاع حيوانات الحقل، وبأنه يحملُ بندقية غير مصرَّح بها.. وبعد ذلك تحولت الحكاية بين ترامب والصياد فوربس إلى فيلم تحت اسم (البطل العالمي) في العام 1983م.
وفي إطلالة من صحيفة تحملُ اسم (اليمني الأميركي) يجدُرُ تناول نتائج الانتخابات الأميركية بعيون المواطن العربي والإسلامي، سواءً خارج الحدود الأميركية أم المُهاجر الطامح بالحصول على حقوق المواطَنة الأميركية كما هي في القانون الأميركي، فما هي هذه التطلعات؟.
كعربٍ ومسلمين أميركيين فإنّهم يأملون باستكمال حقوقهم في تغيير الصورة النمطية السلبية عن العرب والمسلمين، وخاصة النظرة الخاطئة التي تعتبِرُ الإسلام مرادفًا للإرهاب، وتصحيح هذه النظرة المسيطرة على أجيال أميركية تحتاجُ بالفعل إلى إدراك الحاجة لِوضْع الفروق بين الإسلام كدِينِ مَحبّة، وبين تصرفات جماعات التطرف التي يتردد بين الحين والآخر الكثير عن حصولها على دعم أميركي لاعتبارات إنضاج بعض الطبخات السياسية والمالية التي تُعزِّزُ من الهيمنة الأميركية لصالح إسرائيل.
وغير بعيد عن الفهم دلالات التشجيع الأميركي لأنظمة استبدادية، ثم الانقلاب عليها بصورة تؤدّي إلى تدمير إنجازات عقود من الزمن حتى صار منطقيًّا أنْ تسألَ الشعوب عن فكرة الحاجة إلى تغيير النظرية الأميركية إلى العالم، بدلاً من تغيير الأنظمة بسلاح الهدم بحُجة إعادة البناء.
بوضوح أكثر.. صار لسان حال المواطن في العالم الإسلامي هو القول: خطيرون هؤلاء الأميركيون في اختيار رؤسائهم.. مرّة ممثل درجة ثانية مثل ريجان، ومرّة مُرمسس وعاشق مثل كلينتون، وثالثة عملاق نفطي مثل بوش، ورابعة أسمر، وكمان اسم جده حسين، وخامسة ترامب بنزوعه إلى تكرار القول: نحن نحميكم.. ادفعوا المزيد من الأموال..!!، إلخ.
فمِن أيِّ نوع سيكون الرئيس الجديد جو بايدن؟، وهل نطمعُ في أنْ يستدعي بايدن تطبيق وعود أوباما، خاصة وقد عمل نائبًا لأوباما، ولم يكُنْ يومًا بعيدًا عن المشهد؟.
ما أحوج العالم للاستقرار، ورفع الأصابع عن الديناميت والزّناد، وإيقاف متواليات الاحتلال، واغتصاب حقوق الغير، واستنزاف ثرواته، وتكريس قِيَم حقوق الإنسان المُهدَرة في مناطق كثيرة ليس للحروب فيها ضرورة.
أمرٌ آخر مُهم
مهمٌّ جدًّا أنْ يقودَ بايدن السياسة القادمة إلى الانكماش على الداخل الأميركي، والانسحاب المعقول مِن بؤَر الصراع، والاكتفاء بتشجيع الأنظمة الخارجية على تمثُّل قِيم الديمقراطية الحقيقية، والالتزام بطائفة من القِيم التي تدمج المجتمع الأميركي تمامًا، وعدم إغفال أنّ المواطنين الأميركيين مِن أصولٍ عربية وإسلامية ساهموا في صناعة الولايات المتحدة الأميركية، ومنهم علماء وبروفسورات، وحتى مقاتلين، ويقومون بالتدريس، وخدموا في مواقع مختلفة، وأبلوا بلاءً حَسَنًا في ميادين الرياضة.
ولا يجوز أنْ يبقى بعضهم في أدنى السُّلَّم الاجتماعي، وهم الذين ينتمون إلى دين تسامح وقبول بالآخر.. دينٌ حتى التحية وردّها بتحية أحسن منها، سلوك أخلاقي لا يخلو من الأجر عند الله.
ولا شكّ أنّ المهاجرين من أصولٍ عربية يتحملون مسؤولية تحسين الصورة أكثر، وعدم نقل ما هو سلبي في بلدانهم الأصلية إلى مجتمعاتهم الجديدة.
والخلاصة:
الإنسان في العالم العربي والإسلامي يقعُ كلّ أربع سنوات مع حدَثٍ أميركي انتخابي يُثيرُ عنده انفعالاً وأوجاعاً وآمالاً متضارِبة، لكنه في كلّ مرة يقع تحت سكاكين الصدمة.
ولعلّ الحاكم الجديد للبيت الأبيض (بايدن) يفعلُ مع الكونجرس ما يمنعُ سرعة الذهاب الأميركي المستمر إلى الحروب، ويعودُ ببلده إلى قِيم الحرية والديمقراطية مِن منطلَق الإدراك أنَّ خيرات الكرة الأرضية تكفي وتتسع للجميع.
|