محمد علي اللوزي - لم أعرف في تاريخ البشرية أن سلطة أي سلطة كانت نجحت في فرض نفسها على الواقع بكل ما أوتيت من قوة وإمكانات، وهي تنتهك المقدس الإنساني في الحقوق والحريات، والتاريخ حافل بسجل كبير من الطغاة انهزموا ولديهم من القوة والمنعة مالا يتوافر عند غيرهم في عصرهم.. انتهاك حقوق وحريات الإنسان ومصادرة إرادته ولجمه من أن يكون فاعلاً في محيطه البشري، وممارسة التعذيب والاقصاء وإدانة واتهام الآخر، وكثرة السجون والانغلاق على العالم واحتكار النص الإلهي في كل الأزمنة والعصور، لم يكن إلا عامل اندثار لسلطات القمع وانهيار لمجموع المتسلطين.
التاريخ القريب والبعيد فيه من النماذج ما يشبع فضول المتابع، لكني أعرف أن النضال السلمي المترسخ على قيم الحق والخير والجمال وعلى العدالة واحترام الإنسان وحقوقه، ينتصر بقوة، ويفتح مجالات واسعة ومتعددة للنهوض والتعايش الإنساني.. لقد انهارت قارات بأكملها حين أرادت دولة ما فرض سيطرتها على دول أخرى، وتمزقت أمم حين اعتلاها الفساد.. يحدثنا القرآن عن عاد وثمود وقوم فرعون.. الخ، كيف صاروا نسياً منسياً وأحاط الله بهم لخروجهم عن القيم النبيلة.. ويحدثنا القريب من التاريخ عن انهيار أوروبا في الحربين العالميتين الأولى والثانية رغم امتلاكها القوة والمنعة لكنها افتقدت الى التعايش القيمي.. يحدثنا التاريخ عن مناضلين فتحوا أبواباً واسعة للحياة لأنهم انتموا الى الفضيلة كقيمة إنسانية الرسل والأنبياء في المقدمة، كذلك نجد أمثال مانديلا وغاندي وغيرهم كثر لايتسع المجال لاستحضارهم انتصروا على اقصاء الآخر، على الاستبداد والعنصرية، وهم أفراد حينما تمسكوا بما هو إنساني متفتح.
التاريخ رسالة قوية لكل السلطات، بأن تعقل وتتعقل وتتخلى عن وهم القوة وقوة الوهم، وتتدارك الأخطاء وتنتمي الى ماهو إنساني نبيل وحضاري يحقق تعايشا مجتمعيا خلاقا، وأن تتخلى عن الهيمنة والاستعلاء والتفوق على الآخر والاستبداد، حتى لاتصاب بجنون العظمة فتسقط اخلاقيا وسياسيا وتنهار كسلطة قمع وارتكاب جرائم.. نحن هنا لانقف على مسار التاريخ البشري، إنما لماماً لتوضيح معنى إعمار الأرض وأن الإنسان خليفة الله في هذا الكوكب، الإنسان وليس الشيطان، المقدس وليس المدنس، العقل وليس الجنون والتعالي. هنا فقط تصير الحياة ذات معنى وتجاذب يرتاح إليه المجتمع بامتلاكه المعرفة وجعلها مشاعاً، وحينما تطلق الطاقات وتستثمر القدرات والكفاءات، ويتعالى الجمالي يصير وجدانيا في البشري، لينطفئ القبح وتنهزم أدوات الشر.. القوة وفق هذا المنظور هي أخلاقية في المقام الأول، وليست النوازع والأهداف الشريرة والهيمنة على الوجود بآلات الدمار.. هذا ضد التنوع في الوحدة، ضد القانون الإلهي في الخلق للتعارف والتعاون والتقارب والتفاهم والحوار من أجل البناء.. أجزم أن كل سلطة قمع تحمل بذرة فنائها من ذات الأدلوجة القامعة العنيفة، وأن ترسيخ مفهوم الدولة وتجذيره يكمن في النأي عن الفرقة والانقسام والتعصب وتوظيف الديني للسلطوي والعكس أيضا.. نحتاج في هذا المنحى الى استلهام التاريخ ومفاتيح أسس البناء والتقارب، والاعتراف بالتنوع، ورفض احتكار الحياة وجعل الآخر أداة لحماية مصلحة ما انتزعت من حقوق الآخرين وحقهم في أن يعبروا عن وجودهم وتواجدهم إبداعيا.. هل قدمت شيئاً يستحق الاكتراث له والتأمل في فحواه؟ أرجو ذلك.
|