الميثاق نت -

الإثنين, 07-ديسمبر-2020
طه العامري -
يستحيل وصف ما يجري بين بعض الأنظمة العربية والكيان الصهيوني بأنه (تطبيع) فالتطبيع فعل عجزت الأنظمة العربية عن تحقيقه داخليا بينها وبين مكوناتها المجتمعية كما فشلت أنظمة مثل النظام في مصر أو الأردن أو حتى السلطة الفلسطينية التي ابرمت عدة اتفاقات مع الكيان الصهيوني ولم يتحقق للكيان ما يصبو إليه من الأهداف التي وضعها ليحقق اختراقا داخل المكونات العربية، بالمقابل لم تحقق الأنظمة العربية المهرولة نحو العدو ما كانت تأمله من هذه الاتفاقيات باستثناء أنها أظهرت عجزها بل وابتذالها أمام عدو متغطرس لا يؤمن بلغة السلام وليس في قاموسه أو أجندته مفهوم أو مصطلح (السلام) وهذا نابع من عقيدة الكيان وقادته وهي عقيدة تؤمن بالقوة وليس بالسلام وقالها رئيس وزراء الكيان حين أبرم اتفاقه الأخير في البيت الأبيض مع الإمارات حيث أكد صراحةً أن (القوة هي من تصنع السلام)؟ فأي قوة عربية لدى الأنظمة‮ ‬العربية‮ ‬المهرولة‮ ‬نحو‮ ‬الاتفاقيات‮ ‬مع‮ ‬هذا‮ ‬العدو؟
لقد فشلت الأنظمة العربية في تطبيع علاقاتها الداخلية مع شعوبها وجميعنا يعرف أن غالبية الشعوب العربية وخاصة تلك التي تعيش تحت رعاية أنظمة متحمسة لعلاقاتها مع الكيان الصهيوني كأنظمة مصر أو الأردن أو أنظمة المحميات الخليجية وحتى السلطة الفلسطينية فكل هذه الأنظمة عجزت أو أخفقت في تطبيع علاقاتها الداخلية مع شعوبها ومكوناتها المجتمعية بما في ذلك النظام الصهيوني نفسه الذي يعيش حالة من التمزق والتشرذم الداخلي وفشل في توحيد الجبهة الداخلية الصهيونية باستثناء توحد مواقفهم نحو العداء والكراهية لكل ما هو فلسطيني وكل ما هو‮ ‬عربي‮ ‬؟‮!‬
الأنظمة العربية بدورها لا يمكن وصف مواقفها بأنها مواقف ( تطبيع ) بل يمكن وصفها بأنها في حالة ( تطويع ) ومجبرة على هذا ( التطويع ) لافتقادها لكل المقومات الوجودية وشرعية تمثيلها لجمهورها المشكوك فيها إنْ لم تكن غائبة بالفعل ؟!
إن كل هذه الاتفاقيات والتفاهمات الثنائية المبرمة بين هذا النظام العربي أو ذاك وبين الكيان الصهيوني هي اتفاقيات وتفاهمات متصلة برغبات محدودة لا تخرج عربيا عن مفاصل النظام الحاكم وهي كذلك بالنسبة للجانب الصهيوني، ومن يتابع الإعلام الصهيوني والسخرية من حكومته ومن اتفاقه مع دويلة مثل الإمارات يرى الكثير من مفردات السخرية والتشكيك والتساؤلات حول الجدوى من الاتفاق مع الإمارات ؟ والعوائد المرجوة من هكذا اتفاق مع دويلة ليس لها تأثير على مسار القضية والصراع العربي الصهيوني ويعتبرون ما حدث بمثابة محاولة من نتنياهو للهروب من استحقاقات داخلية ومن فشل حكومته ومن تهم الفساد والمحاكمات التي تنتظره وبالتالي حسب الإعلام الصهيوني فإن نتنياهو يحاول تضخيم اتفاقه مع الدول الخليجية وبعض العرب ويعتبره إنجازا اسطوريا وبطوليا يؤكد الانتصار والتفوق الصهيوني على محيطه العدائي العربي كحديثه‮ ‬بعد‮ ‬زيارته‮ ‬للعاصمة‮ ‬السودانية‮ ‬الخرطوم‮ ‬وقوله‮ (‬اليوم‮ ‬سقطت‮ ‬لاءات‮ ‬الخرطوم‮)‬؟‮!‬
ومع وضوح الموقف والنوايا الصهيونية من خلال تصريحات القادة الصهاينة نجد بعض المهرولين العرب بعيدين عن كل هذا ويتمسكون بخيار الهرولة بحثا عن منجزات هلامية تلمع صورهم السوداء والقبيحة لدى الرأي العام الغربي وخاصة أصدقاء الصهاينة غير مكترثين بمشاعر شعوبهم المحكومة‮ ‬من‮ ‬قبلهم‮ ‬بقوة‮ ‬الحديد‮ ‬والنار‮ ‬وبحماية‮ ‬القواعد‮ ‬الأمريكية‮ ‬والبريطانية‮ ‬المنتشرة‮ ‬على‮ ‬أراضيهم‮ ‬؟‮!‬
إن النظام العربي المسكون بكل مظاهر ومفردات الفشل يحاول أن يعطي صورة للرأي العام العالمي بأنه محب للسلام ويسعى إليه وهذه الصورة لا يمكن أن تكون وسيلة لتلميع هذه الأنظمة بل ينظر لهذه الأنظمة حتى على المستوى الغربي بأنها صورة كاريكاتوريا ساخرة وكثير من الساسة الغربيين والكتاب والصحفيين يسخرون من هكذا مواقف عربية ويعتبرونها مجرد وسيلة من وسائل (التطويع) على طريق احتمالية (التطبيع) الذي لن يتحقق بين العرب والصهاينة إلا عبر وسائل القوة والردع فالعدو الصهيوني لا يؤمن بالسلام ولا بالتطبيع بل بالقوة الرادعة التي تجعله يعترف بأن بقاءه بالمنطقة سالما ومستقرا لن يتأتى له إلا عبر الاعتراف بالحقوق العربية وإعادة الأراضي العربية المحتلة الى أصحابها وتنفيذ وتطبيق كل القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية العربية الفلسطينية وبحقوق العرب وهذا لن يحدث وبالتالي فإن كل ما يجري من مظاهر (التطويع) تصب في الأخير في خانة الانتفاضة الكبرى التي ستقوم ذات يوم غير بعيد ليس داخل الأراضي المحتلة وضد الاحتلال الصهيوني بل داخل الأنظمة العربية التي يتم تطويعها لتكون في خدمة الكيان الصهيوني ومشروعه الاستيطاني ..نعم إن هذا السلوك الذي يمارس اليوم من قبل المحاور الاستعمارية على بعض الأنظمة العربية الفاشلة والعاجزة والمرتهنة ومحاولة ربطها بعلاقات تطويعية مع العدو وهذه الغطرسة الصهيونية المتفاخرة بعلاقتها الاستراتيجية مع المحاور الاستعمارية ستنهار ذات يوم ثائر حين يثور الشعب العربي داخل فلسطين وعلى امتداد الخارطة القومية ضد الاحتلال وضد الأنظمة الحارسة للاحتلال فالأمة التي حكمها ذات يوم موغل مجموعة الخدم من المماليك ودافعوا عنها بعد أن تخلى أمراؤها عنها وانهمكوا في ملذاتهم والتنافس فيما بينهم بامتلاك الجواري والعبيد والسكر والعربدة والمجون، هذه الأمة لم تمت يومها بل نهضت وثارت وسجلت مواقف بطولية في مواجهة أعداء وجودها وطردتهم بعد أن كبدتهم الكثير من الخسائر فلم تدم فرنسا في الجزائر رغم بشاعة جرائمها وقبح سلوكها ولا إيطاليا تخلدت في ليبيا ولا بريطانيا التي كانت تسمى بالإمبراطورية التي لا تغرب عن مستعمراتها الشمس دامت في عدن أو في مصر ورغم ان الاستعمار رحل وترك زبانيته وعملاءه ونصبهم حكاما على الأمة فإن لهؤلاء الزبانية فترة تاريخية قابلة للانتهاء وسوف ينتهون مهما طال الزمن أو قصر ؛ وعلينا أن نتذكر ونعي جيدا أنه طالما بقى الظلم منتشرا وسائدا في الواقع العربي فإن الحرية لن تشرق شمسها والأراضي المحتلة لن تتحرر وفلسطين لن تعود والكرامة العربية لن تسود إلا متى أدرك المواطن العربي دوره ورسالته ونهض وتحرر من رق العبودية ومن أنظمة متهالكة ورموز فاسدة لا تعرف قيم الحرية ولا تعرف معنى الكرامة والسيادة .. إن الواقع العربي برمته مرهون بإدراك مواطنيه لقيمة الحرية، ومتى تحرر المواطن العربي من عجزه عندها فقط يمكن أن يكون هناك احرار ويمكن أن تستعيد الامة كرامتها وسيادتها ويسمع العالم صوتها فالعالم لا يحترم الجبناء ولا يستمع لصراخ العبيد ؟!
والخلاصة أن تطويع الأنظمة العربية لا يمكن أن يحقق السلام ولا يخلق التطبيع مع العدو بل يؤجل حسم الاستحقاق الذي سيأتي ولكن ليس عن طريق حثالة العرب وأقبحهم وأكثرهم عمالة وخيانة وارتهاناً، فالحرية لا يصنعها إلا الاحرار المؤمنون بها وبقيمها أما العبيد فسيظلون عبيدا‮ ‬يبحثون‮ ‬بأمانيهم‮ ‬عمن‮ ‬يقودهم‮ ‬نحو‮ ‬الحرية‮.. ‬وتلك‮ ‬هي‮ ‬قوانين‮ ‬الحياة‮ ‬ونواميسها‮ .‬
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:21 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-59672.htm