الميثاق نت -

الإثنين, 21-ديسمبر-2020
ابراهيم ناصر الجرفي -
بدايةً باستطاعتنا كبشر منحنا الله تعالى القدرة على التفكير والتمييز وحرية الاختيار , أن نحمي عقولنا من الاستغفال والاستغلال السلبي من أصحاب المشاريع السياسية والأطماع السلطوية الذين عادةً ما يحققون ذلك الاختراق الفكري من خلال استثارة عواطفنا ومشاعرنا الدينية‮ ‬أو‮ ‬الوطنية‮ ‬لتحقيق‮ ‬أهدافهم‮ ‬ومصالحهم‮ ‬الشخصية‮ ‬والسياسية‮ ‬والحزبية‮ ‬والمذهبية‮ ..!!‬
طبعاً الطريقة الوحيد لذلك تتمثل في المزيد من القراءة والاطلاع والبحث ، ولذلك لا يستغرب أحد أن يكون أول أمر إلهي في الإسلام نزل على رسول الله عليه الصلاة والسلام ، هو الأمر بالقراءة .. قال تعالى ((اقرأ باسم ربك الذي خلق)) .. وذلك لما للقراءة من أهمية بالغة ،‮ ‬يعلمها‮ ‬الله‮ ‬تعالى‮ ‬،‮ ‬تتمثل‮ ‬في‮ ‬تحصين‮ ‬العقل‮ ‬الإنساني‮ ‬وحمايته‮ ‬من‮ ‬الاستغفال‮ ‬والتغرير‮ ‬والتضليل‮ ..!!‬
لأنه كلما زادت قراءة الإنسان واطلاعه ، كلما زادت قدرته على الفهم ، والإستيعاب ، والإدراك ، والتفكير ، وبالتالي لن يكون لقمةً سائغة وسهلة للاستغفال والتغرير والتضليل .. وكلما قلت قراءة الإنسان واطلاعه ، حتى ولو كان يعرف القراءة والكتابة ، كلما قلت قدرته على الفهم ، والاستيعاب ، والإدراك ، والتفكير ، وبالتالي يكون لقمةً سائغة وسهلة للاستغفال والتضليل لذلك لا غرابة أن نشاهد بعضاً ممن يحملون شهادات عليا وهم مجرد تابعين لأفكار سياسية ودينية متطرفة ومتشددة بل وفي بعض الأحيان نراهم منظرين لتلك الأفكار التي تتناقض‮ ‬مع‮ ‬الشرع‮ ‬والعقل‮ ‬والمنطق‮ ..!!‬
لذلك نجد أن الإنسان الجاهل الذي لا يقرأ ، هو الأكثر عُرضة للاستغلال والاستغفال .. والإنسان المتعلم الذي لا يقرأ ولا يطلع ولا يبحث ، لا يفرق وضعه كثيراً عن ذلك الجاهل .. من أجل ذلك نلاحظ أن المجتمعات التي يهيمن عليها الجهل والتخلف عادةً ما تكون البيئة المناسبة والخصبة لظهور الدعوات والأفكار المتطرفة والمتشددة, وعادةً ما يستخدمها أصحاب المشاريع السياسية والأطماع السلطوية منطلقاً لنشر دعواتهم , وبث أفكارهم , وتجنيد أنصارهم لتحقيق مآربهم السياسية وأطماعهم السلطانية ..!!
لذلك كل من يريد أن يُحصِّن عقله ويحميه من الوقوع في براثن الاستغفال والتضليل ، عليه فقط المزيد من القراءة والاطلاع والبحث .. فكل كلمة ، وكل جملة ، وكل مقالة يقرأها الإنسان مهما استصغر شأنها ، لابد أن تساهم بشكل أو بآخر في بناء تحصيناته العقلية .. وتوسيع مداركه‮ ‬الفكرية‮ ‬والثقافية‭, ‬لذلك‮ ‬يظل‮ ‬خير‮ ‬جليس‮ ‬في‮ ‬الزمان‮ ‬كتابٌ‮ ..‬
ومن المهم جداً ضرورة الاطلاع على كل الآراء والأفكار في كل المواضيع محل الخلاف والنقاش ، مهما كان الإنسان يظن أنه مختلف معها ، لا بد أن تفيد تلك القراءة بطريقة أو بأخرى في تقوية تحصيناته العقلية .. لأن الذي يكتفي بالقراءة والاطلاع من وجهة نظر واحدة ، ومن فكر‮ ‬واحد‮ ‬ومنهل‮ ‬واحد‮ ‬يكون‮ ‬ضحيةً‮ ‬للتعصب‮ ‬للرأي‮ ‬الواحد‮ ‬،‮ ‬ومن‮ ‬المعلوم‮ ‬أن‮ ‬المتعصب‮ ‬هو‮ ‬أسهل‮ ‬شخص‮ ‬يمكن‮ ‬استغفاله‮ ‬والتضليل‮ ‬عليه‮ ‬واستغلاله‮ ‬وتسخيره‮ ‬في‮ ‬خدمة‮ ‬أصحاب‮ ‬المآرب‮ ‬السياسية‮ ‬والاطماع‮ ‬السلطانية‮ ..‬

لذلك نشاهد الأنطمة السياسية ، وهي تحاول في كل زمانٍ ومكان وبكل الوسائل حصر عقليات الجماهير القابعة تحت سلطتها حول وجهة نظر واحدة ، أو مذهب واحد ، أو حزب واحد ، حتى يكون من السهل عليها السيطرة على قدراتهم العقلية ، وبالتالي يكون من السهل عليها تسخيرهم في صالحها وخدمتها ، وحتى الموت في سبيلها حتى وإن كان ذلك يتعارض مع الشرع والعقل والمنطق .. لذلك فإن السبيل الوحيد أمام كل إنسان يريد أن يتحرر من أغلال التعصب والتبعية العمياء ، ويريد أن يكون بعيداً من حالات الاستغفال والاستغلال , عليه القراءة والاطلاع حول كل الآراء‮ ‬والأفكار‮ ..!! ‬
لأنه كلما زادت القراءة وزاد الاطلاع والبحث كلما زاد الرصيد الفكري والمعرفي لدى العقل الإنساني ..وكلما زاد الرصيد الفكري والعلمي والمعرفي للعقل ، كلما زادت فرص العقل الإنساني من التحرر من أغلال العصبيات الضيقة .. وزادت فرصته في القدرة على اتخاذ القرار الصائب , وعندما يتحرر الإنسان من أغلال العصبيات الضيقة ، يكون قد تحرر من التبعية الفكرية للآخرين .. وعندما يتحرر العقل الإنساني من التبعية الفكرية للآخرين ، يكون حينها قد امتلك القدرات العقلية الكافية ، لتحصينه وحمايته من الاستغفال والتغرير والتضليل، وامتلك القدرة على التفكير الحر والمستقل وأصبح صاحب قرار , وصاحب رأي , وهذا هو الإنسان الذي يسعى الإسلام إلى تنشئته وإعداده الإعداد الفكري والعقلي السليم الذي يؤمن بالله عن يقين وقناعة وليس تقليداً واتباعاً لآبائه وأجداده ..
لذلك لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال ، استغفال العقل الإنساني المفكر والمتدبر والمتحرر من العصبية والتبعية الفكرية لأنه يصبح عقلاً مفكراً .. عقلاً مستقلاً .. عقلاً مسئولاً .. عقلاً حُراً .. عقلاً مبدعاً وخلاقاً ..
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:52 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-59752.htm