طه العامري - قبح الله (السياسة) ما أبشعها وما أحقر تداعياتها ؛ إنها الدوامة التي جرفت الجميع إلى جوفها ولم يعد هناك ناجٍ من غبارها في الريف والحضر ؛ فالكل منهمك في تفاصيلها والكل يخوض فيها والجميع له شأن معها ولكل طريقته في التعامل بها ..؟!!
سياسة فرقت الموحدين وجمعت المتمصلحين ووحدت اللصوص وزاوجت بين القتلة وجعلت الفاسدين إخوة يؤازر بعضهم بعضاً ..
وطغت المفردات السياسية على كل شيء وحيث تولي وجهك فثمة جدل سياسي .. في الأسواق والمطاعم والمشافي وفوق الباصات وفي الدواوين وحيث يجتمع شخصان تكون السياسة ثالثهم.. إنها شيطان العصر بلا منازع ..هي سيدة الموقف في كل شبكات التواصل وأوراق الصحف وعلى شاشات الفضائيات ..
كتاب وصحفيون أدباء ومثقفون غارقون جميعا في دوامة هذه المدعوة بـ (السياسة) وكأن لا شيء جميل في هذه الدنيا يستحق التأمل والتناول والخوض فيه ..
في لحظة نزق من كل شيء حاولت الهروب من القنوات الإخبارية إلى قنوات الأطفال فصعقت من هول ما تبثه من برامج قاتلة للطفولة تنوعت بين البرامج (التافهة) والقاتلة للنمو العقلي لدى الطفل وأخرى خيالية تكرس فكرة وثقافة الحرب والقتل والموت ..؟ أي جنون هذا الذي يعنون حياتنا كبارا وصغارا ؟ كيف وما هو مستقبل أطفالنا وأجيالنا القادمة على ضوء ثقافة اليوم التي تعمم في كل المحافل؟!
هنا حيث لا مكان بقي للاهتمام بالنشء ولا باحترام عقلية الكبار ..الكتاب غارقون في المستنقع السياسي ولا شيء غيرهم يشدهم ولا قضية غير السياسة تشغل بالهم وتحرك اقلامهم ..لا الثقافة ولا الجغرافية ولا الطبيعة ولا التضاريس ولا التراث والآثار ولا الفن ولا الأدب لا شيء من كل هذا يشغل بال الكتاب ويحرك اقلامهم ومحابرهم غير السياسة وهمومها وأدواتها وكأن الله خلق البشر ليخوضوا في هذا المعترك القذر دون سواه ؟!
نعم وعلى مدى قرابة عقد كامل وأنا أرجو قراءة كتاب أدبي يحمل في صفحاته قصصاً أدبية أو شعرية من ابداعات الجيل الحالي على غرار ما ابدعته انامل القاص الراحل محمد عبدالولي أو كتلك التي سطرها الراحل المبصر في بلاد العميان الأستاذ عبدالله البردوني ؛ أو أو ..أو ...أو..؟
بل أرجو قراءة مقال صحفي ذي صبغة أدبية يعيد للذاكرة أدب الرحلات وانطباعات الأدباء بعيدا عن الهموم السياسية ونزقها وملاحمها الزائفة؟!
بل لا ضير من عمل أدبي ذي نكهة سياسية على غرار (صنعاء مدينة مفتوحة) للراحل محمد عبدالولي أو قصة (إعدام السجان) للراحل الدكتور عصمت سيف الدولة ؛ أو حتى على غرار كتاب الزميل محمود ياسين الأكثر من رائع والموسوم بعنوان (مدن لا يعرفها العابرون) ويعد أجمل ما سطره قلم صحفي يمني حتى الآن ..
نعم لماذا لا يكتب الكُتَّاب عن الفن والجمال عن الطبيعة عن التراث عن أغاني الفنانين وابداعاتهم التي اشك في أن الزمان قد يجود لنا بمثلهم .
لماذا أشك ؟ لان جيلاً تربى في واقع كواقعنا اليوم يصعب التكهن بقدرته على اقتفاء أثر عمالقة تركوا بصماتهم على جبين الوطن أمثال البردوني والفضول وأبو ماهر والحضراني والديلمي عباس والجابري أحمد والقرشي عبدالرحيم والوريث أسماعيل ؛ بل أشك أن الله سيكرمنا بصحفيين أمثال الأستاذ عبدالباري طاهر ومحبوب علي وعبدالرحمن بجاش وحسن عبدالوارث ومنصور هائل وخالد سلمان وعلي السقاف والكثير من الكوادر الصحفية والإعلامية الذين تركوا بصماتهم ثم تواروا يتدثرون قهرهم على وطن تقيده اللصوص والقتلة ويعيث فيه عبثا الفاسدون وأعوانهم؟
مؤلم حد القهر والتحسر أن نجد شيطان السياسة هو الطاغي على محابر الكتاب وأقلامهم وهو الحاضر دوما على أعمدة الصحف وشاشات التلفزة ؛ وفي اهتمامات الناس وحواراتهم حتى داخل الأسرة الواحدة رغم كل الظروف القاهرة التي تعيشها الأسرة اليمنية ورغم كل ما يكنفها من معاناة وهموم لكن تجد الهم السياسي حاضراً في كل بيت وعلى كل سفرة حتى يخيل لي أن السياسة غدت الوسيلة المثلى لدى الجميع للهروب من واقعهم المأساوي ؛ لكن يبقى السؤال لماذا السياسة دون غيرها ؟ لماذا لا نهرب للأدب والفن والتراث والجغرافية والتاريخ ؛ والمؤسف أن هناك من هربوا للتدين وقد تحول غالبيتهم إلى قتلة ومجرمين وقطاع طرق لانهم دخلوا التدين من بوابة الخطأ التي صممت للتضليل وليس للتنوير غالباً ؛ فالدين بالأساس دين رحمة ومحبة وقيم وابداع وثقافة وهناك فرق بين من استجار بالدين أو تصنع التدين ففي المحصلة تم ربط الدين بالسياسة وبدلاً من تدين السياسة تم تسييس الدين ..؟!!
مؤلم أن نعيش هذا الاجداب والتصحر العقلي والفكري، والأكثر إيلاماً أن يعيش المبدعون أنفسهم أسرى لواقع تم تنميط حركته وتسوير تداعياته وإلهاء الناس بقضايا عبثية أبرزها السياسة التي قتلت ملكات الإبداع ومزقت أواصر المبدعين ونسيج المجتمع.. وكل يرى في نفسه (سقراط) آخر أو (أفلاطون) عصره . |