الميثاق نت - جمال الورد - ما بدا بدينا عليه، مثل شعبي يعني بشكل عام عدم التخطيط أو الاستعداد لما تأتي به الحوادث والأيام، وإنما الانتظار والتعامل بما تمليه الظروف والحالة بتعامل آني لا يخلو من الانفعال والخطأ والقصور وربما الفشل والمأساة.
لا أدري لماذا كلما أتذكر سوء التخطيط أو عدميته في مؤسساتنا الحكومية، وعدم توافر الخطط والبدائل الممكنة، يحضر لي هذا المثل؟، خصوصاً في ظل واقع نعيشه ليس من الآن بالطبع ولكن منذ زمن بعيد، أثُبت لنا فيه أن الارتجالية هي المتحكمة في مؤسساتنا ومن يقودها بعيداً عن أي علاقة أو صلة بالتخطيط؟ رغم أن هناك كوادر مؤهلة وقيادات تدربت وتأهلت وحضرت العديد من الورش العلمية والندوات التدريبية عن مفاهيم التخطيط الاستراتيجي وضرورته لتحقيق أهداف التنمية الشاملة، ولكنها للأسف لم تمارسه عملياً في مواقعها الإدارية والقيادية، فهل ما تعلموه عن التخطيط نظرياً يغيب عند الواقع العملي؟ وإلى متى؟، فالثروات وإن كانت شحيحة والبدائل المتاحة الموجودة لنا اليوم لن تستمر مدى العمر، والوقت أكبر قيمة اقتصادية يُهدر بطريقة غير معقولة، فإذا أهدرنا الاثنين معاً، فماذا بقي؟!
إذا كان التخطيط في بعض تعريفاته يعني: »تحديد الأهداف المراد تحقيقها، ورسم خطة السير إليها، وتحديد وسائل ذلك السير، مع وضوح التصور لما يُمكن أنْ يَحدُث أثناء العمل مِن المستجدات والتطورات، ووَضع ما يُناسب ذلك مِن طرُق التعامل؛ مِمَّا باتَ يُسمَّى بـ(الخطة والخطة البديلة)، شريطة أنْ يستهدف ذلك أكبر قدر ممكن مِن المكاسبِ وأقلّ قدر ممكن مِن الخسائر«، فهل هذا موجود في مؤسساتنا؟، وإذا كان موجوداً، فماذا نُفّذ من تلك الخطط؟، ولماذا كلما جاء مسؤول جديد يهمل ما قبله، ويبدأ من منطقة الصفر؟، وهل المشكلة أن كل واحد منّا يرى أنّه أوحد زمانه عقلاً؟، أم أنّ من سبقه لا يخطط بالفعل؟، وهل نحن بلا استراتيجيات وكأننا لا نعرف ماذا نريد؟، ثم ما دور هذه الوزارة بالتخطيط في ذلك؟، أين هي؟، وأين دور الرقيب والمحاسب في الوزارات المعنية؟.
تؤكد الدراسات العلمية التي قدمها عدد من أكاديميي التخطيط والإدارة العامة ان التخطيط الاستراتيجي يُعد عاملاً مهماً في صياغة وتصميم سياسة أية دولة، وذلك لان التخطيط الاستراتيجي يشكّل مرتكزاً تستند إليه آليات ووسائل إدارة الدولة في الجوانب كافة سواء الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية أو الإدارية، وبالتالي فإن نجاح الحكومات في إدارة شؤون دولها يتوقف على درجة إتقانها للاستراتيجية التي تضعها وتكريس جهودها وإمكاناتها لتنفيذ بنودها.
ولطالما أثرت الارتجالية على سير الدولة في طريق التنمية وأخرتها بل أفشلتها تماماً، فالارتجالية والعشوائية والتخبط يجعل الدول عاجزة عن تحديد ماذا تريد أن تكون،فهِيَ تريدُ أن تكون صناعيّة وزراعيّة واستثماريّة وسياحيّة وغيرها،بمعنى آخر وبلهجة شعبية نقول (حكومة الخلطة)، وهُناك مثلٌ شهير ينطبقُ كثيراً على هذا النوع من الحكومة وهو »الّذي يريدُ أن يعملَ كُلَّ شيء، لن يُتقن أيَّ شيء«، وهذا الذي حدث ويحدث معنا. فنحنُ لا نعرفُ بالضبط - نتيجةَ هذا الخلط - ماهيّة الهُوية التي نريدُ تمثيلَها؟ وما الرؤية التي نريد تحقيقها، وبالتالي ما المستقبل والهدف الّذي نريدُ الوصُولَ إليه؟
يؤكد عدد من المختصين أن ما يعانيه اليمن ليس غياب التخطيط الاستراتيجي فقط ، بل و عدم تفعيل مفهوم التخطيط المدروس والصحيح في مؤسسات الدولة بمختلف مستوياتها، فالحكومات اليمنية المتعاقبة لغاية اليوم توجد فيها خطط كثيرة، والدليل عند الذهاب إلى وزارة التخطيط أو أي دائرة من دوائر الدولة تجد هناك خططاً بعضها خطط خمسية (5 سنوات) والبعض الآخر (بين 10-20 سنة)، ولكن ما مدى العمل بها وما مدى تطبيقها؟ الجواب: انها خطط لا يتم التقيد بها، والحجج حاضرة (ظروف البلد، الأزمة المالية، سياسات الوزير، الواقعية في التعامل مع الأزمات الآنية) وغيرها من الحجج، علماً ان غياب التخطيط الاستراتيجي في اليمن مرده ان الدولة اليمنية تعمل دوماً وفق ما تُسمى بخطط الطوارئ، وأسباب غياب تطبيق التخطيط الاستراتيجي ما يلي:
1- الحروب والوضع الأمني وانعكاس ذلك على بنية الحكومة والدولة بكل مفاصلها.
2- عدم وجود إلزامية في بعض القوانين على التقيد بالخطط الاستراتيجية، في حالات كثيرة يتم الخروج على الخطط المصممة من قبل الشخص المنفذ ولا نجد قانوناً صارماً يحاسب من يخالف الخطط المرسومة، على العكس في بعض الحالات يكرم الشخص الذي خالف الخطط كونه قد اجتهد لغرض المصلحة الوطنية.
3- التدخل السلبي للسياسة في وضع أو تنفيذ التخطيط الاستراتيجي.
4- التدهور الاقتصادي الذي يعيشه البلد يؤدي إلى تعثر الكثير من الخطط الاستراتيجية.
5- غياب عقلية رجل الدولة الذي يخطط قبل ان ينفذ، وشيوع ثقافة رجل السياسة الذي ينفذ ثم يخطط.
إن الآليات التي تؤدي إلى وجود تخطيط استراتيجي لابد أن تتضمن البدء بوضع خطط استراتيجية اقتصادية، قبل غيرها من الاستراتيجيات، وبعد نجاح الخطة الاقتصادية الاستراتيجية وتطبيقها بشكل فعال والانتقال الى التخطيط الاستراتيجي العام والشامل لكل مفاصل الدولة، من خلال تفعيل دور وزارة التخطيط، والاعتماد على المختصين في وضع وتطبيق الاستراتيجيات وعدم القبول بالضغوط السياسية التي غالباً ما تؤثر تأثيراً سلبياً على التخطيط والتنفيذ.
وأيضاً ضرورة الاستفادة من تجارب الدول التي نجحت في مجال التخطيط الاستراتيجي في البناء والتطوير والوصول لأهداف التنمية الشاملة الفعلية، كما يجب أيضاً تقنين القوانين إلى مهمة وثانوية، تؤدي هذه الحالة إلى التخلص من التداخل التشريعي، وجعل القضاء هو الفيصل في التعارضات التي تنشأ بين مؤسسات الدولة المختلفة، وإيجاد لجان مختصة داخل البرلمان من القانونيين واكاديميي العلوم السياسية الذين يعطون استشارات ويقدمونها للسلطة التشريعية. |