مطهر تقي - انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم السبت الماضي المؤرخ والعالم الدكتور سيد سالم مصطفى عن عمر ناهز 85عاما من عشق اليمن وتاريخه التليد وتنازل عن جنسيته المصرية من أجل حصوله على الجنسية اليمنية حباً وعشقاً لليمن وتاريخه وأهله.
عرفته في منتصف سبعينيات القرن الماضي (حين كنت طالباً في القاهرة) في مقيل وزارة الاشغال الذي أنشأه الوالد العزيز علي أحمد أبو الرجال وكيل وزارة الاشغال وقتها ليكون ملتقى المثقفين والسياسيين والإداريين والأدباء اليمنيين، وكان الدكتور سيد سالم أحد رواده بعلمه الغزير في تاريخ اليمن المعاصر وطيبة شخصيته المتواضعة التي أحبها كل من عرفه.. وتواصلت علاقتي به طيلة سنوات الثمانينيات والتسعينيات وحتى عام 2011م حين توقف التاريخ عن الكلام وجفت أقلامه وأغلقت المقايل الأدبية والسياسية وفتح بدلاً منها المتارس وسيطر القلق والخوف والاختلاف والتناحر بين احياء شمال الزبيري وبين احياء جنوبه وحلت البنادق والآليات بدلاً من الأقلام والمجلات والكتب فكان الدكتور سيد سالم مصطفى وامثاله ضحايا زمن الدخان والرماد وزمن العدوان والحرب بين الأخوة فقد ترك وطنه اليمن الذي احبه وذهب إلى مسقط رأسه القاهرة لعلاج وهن وضعف الركب إلا أن وباء الكورونا اللعين كان له بالمرصاد ولم يتركه إلا جثة هامدة حرمه من وطنه وأهله في اليمن وحرم حتى أولاده وزوجته من وداعه ومواراة جثمانه في مقبرة الأسرة.
قضى الدكتور سيد سالم حياته بين جامعه صنعاء التي التحق بكادرها عام 1971(بعد عام من افتتاحها) وبين مقايل أصدقائه وفي مقدمتهم القاضي علي احمد ابو الرجال والأستاذ احمد جابر عفيف والاستاذ عبدالباري صالح المقعول والأستاذ علي حسين المدعي والعقيد محمد عبدالخالق الفقيه. وسيارته العتيقة (فلوكس واجن)اصبحت علامة في أبواب تلك المقايل تخبر بقية المقيلين بوجود الدكتور سيد في ذلك المقيل وحين تتعطل تلك السيارة التي لم يعد لها في السوق اليمنية من قطع غيار يسافر الدكتور سيد الى القاهرة لزيارة اسرته ويشتري في تلك الرحلة قطع الغيار اللازمة لسيارته التي لم يستطع شراء بدلا عنها لضيق الأحوال المادية فالمؤرخون والشعراء والأدباء في بلادنا هم من افقر عباد الله.
ويعتبر الدكتور سيد سالم من أشهر من تمعن ودرس التاريخ الحديث والمعاصر لليمن في جامعة صنعاء حين كان استاذاً للتاريخ في كلية الآداب قسم التاريخ منذ عام 1971 وتقلد عدداً من المناصب في الجامعة واشرف على عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه وصدر له أكثر من عشرة مؤلفات في التاريخ اليمني اشهرها: تكوين اليمن الحديث والفتح العثماني الأول لليمن ومراحل العلاقات اليمنية السعودية ووثائق يمنية والبحر الأحمر والجزر اليمنية وكتاب المؤرخون اليمنيون.. وقد ساهم في انشاء مركز الدراسات والبحوث اليمني ومشروع توثيق المخطوطات في الجامع الكبير وكان أحد أعضاء وفد اللجنة اليمنية المفاوض مع إريتريا حول جزر حنيش وزقر.
حصل الدكتور سيد سالم مصطفى المصري على الجنسية اليمنية برغبة صادقة منه ليكون يمني الهواء و التاريخ والجنسية وكان لذلك قصة:
فحين عرف الرئيس الاسبق ابراهيم الحمدي (الذي كان يعرف الدكتور سيد سالم مصطفى معرفه جيدة من مقيل وزارة الأشغال الذي كان يتردد عليه بين وقت وآخر) برغبة الدكتور سالم الحصول على الجنسية اليمنية امر بتحرير رسالة تحت توقيعه إلى الرئيس المصري أنور السادات يطلب منه الموافقة على تنازل الدكتور سالم عن جنسيته المصرية ليحصل على الجنسية اليمنية حسب القانون المصري.. وقد حمل تلك الرسالة إلى الرئيس المصري الاستاذ حسين عبدالله العمري وكيل وزاره الخارجية (قبل أن يحصل على درجة الدكتوراه) والأستاذ حسين محمد المسوري سفير اليمن في مصر وقتها وتم تسليم الرسالة للرئيس انور السادات الذي وافق على الطلب، وفي عام 1980م صدر القرار الجمهوري تحت توقيع الرئيس علي عبدالله صالح بمنح الدكتور سيد سالم مصطفى الجنسية اليمنية ومن ذلك التاريخ شعر الدكتور أنه يحمل على صدره وساماً طالما تمناه ولكنه بالمقابل خسر الراتب الكبير والامتيازات المتنوعة الممنوحة للمدرسين العرب فقد أصبح يمنياً وأحد من ينطبق عليه راتب الخدمة المدنية الذي لايسمن من جوع فبدلاً من زيادة راتبه نقص إلى أقل من النصف وخسر كذلك التذاكر السنوية له ولزوجته وأولاده إلى مصر وخسر كذلك كل ميزات جنسيته المصرية.. ولكنه العشق لليمن وتاريخه والحب لطبيعة أهل اليمن الذي شعر الدكتور سيد أنهم أرق قلوباً وألين أفئدة فأحبهم واصر على أن يكون واحداً منهم وان كان البعض منهم قد ساهم في إيذاء الدكتور سيد سالم من باب الغيرة التي تسيطر على بعض نفوس العلماء او الدكاترة او الجحود من بعض الإداريين في جامعة صنعاء الذين لا يقدرون علماءهم واساتذتهم كأحد مسؤولي جامعة صنعاء اليوم الذي قام ومازال بإيذاء الدكتور العلم يوسف محمد عبدالله أحد العلماء القلائل لتاريخ اليمن القديم واحد اعلام جامعة صنعاء واليمن قاطبة دون احترام لهامته العلمية وخدمته لليمن ودون اي مراعاة من ذلك المشار اليه الذي تتلمذ على يد الدكتور يوسف ولكنه الجحود عند البعض وعدم تقديرهم للعلماء وكأنهم غرباء في وطنهم.. وصدق من قال لا كرامة لنبي بين قومه.
رحمة الله على الدكتور سيد سالم مصطفى، وعزاؤنا على فراقه ان علمه المحفوظ بين صفحات الكتب سيذكرنا به ويخبر الأجيال القادمة قدر جهده وتعبه في خدمه تاريخ اليمن. |