د. عبدالوهاب الروحاني - في عالمنا العربي تعودنا على قادة يديرون بلداننا كما يديرون مزارعهم أو على الاحسن شركاتهم.. يحكمون بالحديد والنار .. ايا كانوا عسكراً أو مدنيين، عقائديين دينيين، او قوميين واشتراكيين.. لا فرق كلهم يتوارثون البغي والاستبداد ويمارسون الظلم بصور وأوجه مختلفة ..
يتعاملون مع المؤسسات العامة ليس بكونها مؤسسات دولة ومجتمع وانما بكونها دكاكين خاصة يديرونها ويتصرفون فيها وبها وفق امزجتهم واهوائهم الشخصية ..
هناك في واشنطن .. وعلى خلاف المعهود والمتعارف عليه عندهم .. جاء الى بيت الدولة من برجه الذي بنى منه العشرات بـ"البلطجة" والتهرب الضريبي فقلب الدنيا رأساً على عقب ..
الظاهرة الغريبة:
ترامب الرئيس، ظاهرة جديدة غريبة في عالم متحضر .. لكنه ينتمي لعالمنا المتخلف .. يحاكي رؤساءنا وزعماءنا وملوكنا .. يتعامل مع الدولة ومؤسساتها كما هم يتعاملون ..
خلق ظاهرة فوضوية في المجتمع الامريكي قدم نفسه على انه الاذكى، والارقى، والاعلم، والادهى .. علاَّمة فَهَّامَة في السياسة والتاريخ والجغرافيا، وهو لا يدري اين يقف .. تماماً كحال زعمائنا، ورؤسائنا، وملوكنا، علماء في الذرة والفلك وعلم الاحياء، وعلوم الدين، ومدارس الادب والتاريخ، وهم لا يفرقون بين الاديب والمؤدب كما لا يفرقون بين حق وباطل .. والباطل عندهم اشكال والوان.
تصرف مع موظفي الدولة تماما كما يتصرف مع موظفي شركته.. غَيَّرَ وبدَّل .. طرد الأكفأ والانزه ، وظف الاقارب والاصهار والموالين لشخصه.. وما كانت ترفضه المؤسسات يصدر امراً بإنفاذه .. تماما كما يتصرف اصحاب الفخامة والجلالة والسيادة في بلداننا العربية .
ادار البيت الأبيض بعقلية "مدكن" - تاجر ممتلئ بشاعةً وجشعاً ..ضرب بتقاليد السياسة في بلده عرض الحائط ومضى يخبط عشواء ..
تصادم مع قيم الحرية والعدالة .. وتصادق مع الطغاة في عالمنا، وشجعهم على انتهاك الحقوق والحريات وسار على نهجهم ..
امتلك القرار واعتقد انه امتلك السلطة ولن يغادرها، تماما كما يفعلون في بلداننا ..
قال "ان السعودية، والامارات، دويلات ضعيفة، هشة، تملك المال، ولكنها لا تملك القدرة على البقاء، ولن تصمد أسبوعاً واحداً بدون حمايتنا" .. وكان صادقاً ..
بنى شعبية فوضوية من الغوغاء والعنصريين، وراهن عليهم في بلد يقدم نفسه رائداً للديمقراطية والحقوق والحريات .. وقدم نفسه لمريديه بكونه الاسطورة الاقوى ..
حرض الغوغاء والجهلة على القتل واقتحام المؤسسات .. والجهلة "الاغبياء" في أي زمان واي مكان كانوا وما يزالون هم قوم الطغاة والجبابرة .. وهم عزوة الدجالين وملاذهم ..
الفوضى في اي بلد واي مكان لا يمكن لها ان تستمر، ترامب قدم انموذجاً للفوضى، تظاهر بالنصر ولكنه في الاخير رضخ وسلم .. أتدرون لماذا ؟!
لان هناك قانوناً.. وعندهم مؤسسات تحكم، ولا يمكن ان ترضح للفوضى ..
والسؤال هو:
هل يمكن ان نحلم بمؤسسات تحكم بلداننا وتنهي الفوضى التي تعبث بنا ..؟!
حتماً ستكون، والامل حادينا.. |