يحيى علي نوري - جاء بيان المؤتمر الشعبي العام المرحب بالخطوة الأمريكية مفعماً بالاستشعار بالمسؤولية الوطنية التي تحتم التعامل مع أي خطوة باتجاه ايقاف العدوان ورفع الحصار عن وطننا، كما عبر في مضامينه عن حرصه الكبير على بلورة الإدارة الأمريكية لنواياها على الواقع وبعيدا عن الاقوال والتصريحات باعتبار ذلك يمثل الترمومتر الوحيد الذي يقيس من خلاله كل محبي السلام في العالم مصداقيتها والبناء على ذلك في لعب دور فاعل في إخراج اليمنيين من اتون العدوان وحالة الاقتتال والصراع التي دفعوا ثمنها باهظاً خلال ست سنوات ودون ان تحرك الادارة الأمريكية ساكناً ومعها في ذلك للاسف الشديد العديد من القوى الدولية التي تفرغت لمصالحها الخاصة والاستغلال الرخيص للعدوان في مشهد مؤسف عكس افتقاد هذه القوى لقيم الاخلاق التي تحتم عليها ايقاف العدوان ووضع حد لمعاناة اليمنيين التي باتت توصف بغير المسبوقة في تاريخ الصراعات..
ولكون قيادة المؤتمر قد استشعرت مبكراً اهمية وجود دور أمريكي صادق يساعد اليمنيين على بلوغ التسوية السياسية المنشودة نظراً للتغيرات الكبيرة التي شهدتها واشنطن والمتمثلة في عودة الحزب الديمقراطي الى سدة الحكم وهو امر دفع بالشيخ صادق بن امين ابوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام- الى مخاطبة الادارة الجديدة مبكراً بقيادة الرئيس جو بايدن مذكراً اياها بالوعود التي قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية والمتصلة باليمن حيث اكد عزمه على ايقاف الحرب الدائرة ضد اليمن..
كما اكد له أن هذا الدور الأمريكي والذي يتطلع شعبنا إلى لعبه يعد بالنسبة للحزب الديمقراطي دوراً أخلاقياً باعتبار ان الحرب قد تمت الموافقة عليها من واشنطن وأنه اصبح من الناحية الاخلاقية ان يعالج الحزب الديمقراطي هذا الموقف بإيقاف العدوان وهو قادر على ذلك إنْ أراد..
ولكون الإعلان الرسمي الامريكي جاء على لسان الرئيس بايدن الخميس الماضي وأعلن فيه ايقاف دعم بلاده للحرب ضد اليمن يمثل خطوة مهمة كما اشار بيان المؤتمر فإن المؤتمر ومن خلال مواقفه الثابتة والمبدئية المنتصرة لوطننا وشعبنا وضرورة العمل مع كل جهد يُبذل لتحقيق هدف ايقاف العدوان فإنه لاريب سينفتح مع الدور الامريكي طالما التزم اخلاقياً بإخراج اليمن من اتون العدوان ومن خلال فتح مسار الحوار اليمني - اليمني والذي يعد من وجهة نظر المؤتمر المخرج الوحيد للازمة وباعتبار ان اليمنيين هم الاكثر قدرة على تحديد قواعد ومنطلقات الامن والاستقرار لوطنهم ووضع مداميك البناء الوطني الشامل ودون تدخل من أي قوى خارجية تحاول تجيير حوار اليمنيين لمصالحها واجندتها الضيقة وباعتبار ان الشعب اليمني بات اليوم اكثر وعياً وفهماً لطبيعة الاهداف والمآرب التي تحاول قوى دولية واقليمية ترسيخها على الواقع اليمني وهذا ما تؤكده حصيلة الأعوام الست من العدوان والحصار حيث افرزت حقائق ناصعة عرت الاهداف الخبيثة لهذه القوى وهو امر باتت معطيات الحياة اليمنية تعبر عنه بكل وضوح وبكل معاني المعاناة الشديدة لليمنيين جراء السياسات والتوجهات الهادفة الى فرض معطيات جديدة على السيادة الوطنية هدفها افراغ كل ما من شأنه أن يحافظ عليها بل تعدى الامر الى تبني توجهات اضرت كثيراً بالأمن والسلم المجتمعيين وعملت على دعم الاطارات الانفصالية وتشجيعها بصورة تتناقض تماما مع الاهداف التي اعلنتها السعودية ومعها الامارات من اجل استعادة شرعية لم يعد لها وجود على الواقع اليمني الا في وثائق عدوانها التآمرية..
ولاريب أن الجميع وخاصة القوى المناهضة للعدوان بانتظار ما ستجود به إدارة بايدن من رؤية لإيقاف العدوان وتحقيق التسوية السياسية وهي رؤية نأمل أن تسارع في رفع المعاناة عن شعبنا وأن تفتح أفقاً لليمنيين لإدارة حوار مسؤول..
ولعل مايجعلنا نأمل في تحقق ذلك هو أن وجود مبعوث امريكي الى اليمن ولأول مرة من شأنه ان يحد كثيراً من التدخلات السعودية لفرض اجندتها على حوار اليمنيين.. وفي ذلك تطور مهم يعني أن واشنطن باتت تحرص على الاتصال المباشر باليمنيين والاستماع من مختلف قواهم السياسية ولم تعد تترك امر اليمن للرياض واعتبارها بالحديقة الخلفية للسعودية، وعلاوةً على ذلك ان الادارة الامريكية وما تبديه حتى اللحظة من حرص على التعامل مع الملف اليمني قد جعل كلمة الرئيس بايدن يسلط الضوء عليه دون غيره من الملفات العالقة بالمنطقة وهو امر اعتبره المحللون السياسيون بمثابة اهتمام بالغ بالملف اليمني علاوة على جعل ملف اليمن في اطار مكتب نائبة الرئيس وليس بيد الخارجية مايعكس حرص الإدارة على المتابعة المستمرة..
ولكون هذه الخطوة الامريكية تتطلب خطوة مقابلة لها من اليمنيين وأنه اصبح على بعضهم التحرر من الوصاية السعودية من خلال التعامل المسؤول مع الحوار بأجندة وطنية واضحة وجلية تنتصر لسيادة وطنهم ومصالحه العليا وترسم برؤية وطنية مع بقية القوى المناهضة للعدوان خريطة المستقبل اليمني ومداميك دولته المدنية المستقلة التي تمثل خلاصة لنضالاته وتضحياته من اجل الاستقلال والحرية واستعادة دوره الحضاري والانساني.
نقول ذلك من منطلق الايمان بأهمية الاستشعار بالمسؤولية الوطنية الناتجة عن حالة اجماع وطني لكل اليمنيين بكونها ستمثل الضمانة الحقيقية لحوار يمني-يمني مسؤول لا يُخشى خلاله من أية تدخلات خارجية بما فيها الاجندة الامريكية نفسها..
وإذا كان الواقع يؤكد بمعطياته استحالة تحقق اجماع كل القوى اليمنية بفعل استمرار حالة ارتهان البعض للخارج فإن ذلك لايعني نهاية المطاف خاصة وأن الآمال تتجه الى الضغط الشعبي الذي بات -كما اشرنا- اكثر وعياً بفظاعة المخططات التآمرية التي تحاك ضد حاضره ومستقبله وهو ضغط يمكن أن يقوم بدوره عبر القنوات الديمقراطية التي يتم من خلالها اللجوء للشعب في حسم مختلف القضايا العالقة..
وإزاء ماتقدم فإن طبيعة التحديات القادمة تتطلب المزيد من التشاور بين مختلف القوى المناهضة للعدوان والتي اصبحت اليوم واكثر من أي وقت مضى أمام تحدٍ اكبر يتطلب الاسراع في التخلي عن أي اجتهادات فردية، وصب كل الجهود والرؤى والتصورات في بوتقة الحوار الوطني بالصورة التي تتفق مع تطلعات شعبنا المشروعة في بلوغ المستقبل الافضل، وبدون ذلك لايمكن لنا أن نحقق أي خطوة باتحاه بلوغه ، وقد نجد انفسنا ننجر بعيدا عنه بل ونسهم من حيث لانعلم في خدمة الاجندة الاجنبية..
كما أن تقوية الجبهة الداخلية والاسراع في التخفيف من كل المشكلات والمعاناة الاقتصادية ومواجهة الفساد ورفع وتيرة اداء مؤسسات الدولة التشريعية والرقابية والضرب بيد من حديد ضد كل الممارسات المسيئة والتي تزيد من مضاعفة المعاناة الشعبية، كل ذلك يعد ضرورياً لتقوية الجبهة الداخلية وجعلها عصية امام كل المحاولات التي تستهدف صمودها من خلال الاستغلال الرخيص لكل جوانب السلب التي تستمر دون معالجات ناجعة..
هذا بالاضافة إلى الاهمية البالغة لدور المؤسسات الثقافية والفكرية والنخب المثقفة عموماً والعمل على إتاحة الفرصة امامها في المشاركة بالعملية الحوارية ولو بطريقة غير مباشرة وبالصورة التي تمكنها من عقد الندوات والحلقات النقاشية التي يمكن ان تدلي من خلالها برؤاها إزاء مجمل القضايا الوطنية العالقة حتى يمكن الاستفادة منها بالعملية الحوارية وبما يكسب إدارة الحوار زخماً وطنياً رائعاً يعكس عظمة المشاركة الشعبية في إعداد خارطة طريق للخروج بالوطن من نفق العدوان بل وتجعل العملية الحوارية متمتعة بإعمال فكر اليمنيين وقدرتهم على تحديد متطلباتهم الاستراتيجية وكذا قدرتهم على كشف اهداف العدوان وادواته في التأثير على الحوار وتحقيق أهدافهم الخبيثة من خلاله..
وفي كل ما سبق وفاء حقيقي لكل التضحيات الجسيمة لشعبنا خلال الأعوام الست للعدوان بل ولكل تضحيات اليمنيين عبر محطاتهم الوطنية من اجل بلوغ الدولة اليمنية المدنية المعبرة عن عظمة اليمن وموروثها الحضاري والانساني واهمية موقعها وواقعها.
|