الميثاق نت -

الثلاثاء, 09-فبراير-2021
د‮. ‬عبدالوهاب‮ ‬الروحاني -
القول إن الابداع الثقافي في بلداننا يحكمه التعصب والانتماء، وتسيطر عليه الأمزجة، وتحركه الأهواء و"الشلل" قول ليس بجديد.. فكما ان المثقف أو الشاعر هو صوت الطاغية، فهو اذا ما تألَّه في بيئته طغى..
أدباء‮ ‬وشعراء‮ ‬ومثقفون‮ ‬مات‮ ‬ابداعهم‮ ‬لانهم‮ ‬كانوا‮ ‬مبدعين‮ ‬وحسب،‮ ‬ولان‮ ‬آلهة‮ ‬المشهد‮ ‬الثقافي‮ ‬لم‮ ‬يعترفوا‮ ‬بهم‮ ‬ولم‮ ‬يباركوا‮ ‬ابداعهم‮..‬
الكثير من هؤلاء وجدوا ابواب الثقافة واروقة الاعلام مغلقة في وجوههم.. آخرون فقدوا الوظيفة ملاحقين بعدم الرضا، بل مات بعضهم جوعاً، لان سدنة المشهد لم يمنحوهم صك الاعتراف ولم يزودوهم بتمائم القبول والغفران..
لا أريد الخوض في التفاصيل والأسماء، حتى أترك المساحة لمن يريد الافصاح عن الكامن في صدره، وهم كثر.. يعرفهم الوسط الثقافي، كما تعرفهم الشوارع والازقة والحارات التي تاهوا فيها.. ومات بعضهم على ارصفتها..
لم‮ ‬أكن‮ ‬أرغب‮ ‬في‮ ‬ملء‮ ‬هذا‮ ‬الفراغ،‮ ‬لكني‮ ‬اردت‮ ‬تحريكه‮ ‬استجابة‮ ‬لدعوة‮ ‬بعض‮ ‬صحبي‮ ‬واصدقائي‮ ‬الذين‮ ‬ذكَّروا‮ ‬ببعض‮ ‬الامثلة‮ ‬والشواهد‮ ‬في‮ ‬وأد‮ ‬الابداع‮ ‬الثقافي،‮ ‬وأثق‮ ‬فيهم‮ ‬كثيراً‮ ‬برغم‮ ‬توجسهم‮.. ‬
قال‮ ‬صاحبي‮ : ‬المقاربة‮ ‬بين‮ ‬السياسي‮ ‬والمثقف‮ ‬في‮ ‬مقالة‮ ‬الاسبوع‮ ‬كانت‮ ‬شيقة‮ ‬لكنك‮ ‬ربما‮ ‬اجحفت‮ ‬بحق‮ ‬الاخير‮..!!‬،‮ ‬وقال‮ ‬آخر‮ : "‬مقالك‮ ‬يحتاج‮ ‬إلى‮ ‬مادة‮ ‬توضيحية‮ ‬مزودة‮ ‬بالامثلة‮ ‬والشواهد‮".‬
أما‮ ‬ثالث‮ ‬فقال‮: "‬ما‮ ‬يعجبك‮ ‬العجب‮ ‬ولا‮ ‬الصيام‮ ‬في‮ ‬رجب‮.. ‬كنت‮ ‬تريد‮ ‬تعمل‮ ‬ثقافة‮ ‬على‮ ‬مقاسك‮ ‬وبس،‮ ‬وعندما‮ ‬كنت‮ ‬تكرم‮ ‬بعض‮ ‬الادباء‮ ‬والفنانين‮ ‬كنت‮ ‬تلمع‮ ‬نفسك،‮ ‬وهم‮ ‬يخرجوا‮ ‬من‮ ‬عندك‮ ‬جائعين‮"!!‬
ذكرني التعليق الاخير بمقالة كتبها اديبنا وشاعرنا الكبير د. عبدالعزيز المقالح (شفاه الله وعافاه) في صدر زاويته الثقافية بصحيفة 26 سبتمبر، قال ضمن ما قاله: "ان المكرم أو المحتفى به في وزارة الثقافة يغادر التكريم وهو جائع يبحث عن كسرة خبز وطبق فول"!!.
كان ذلك حينما كنت معنياً بإدارة الشأن الثقافي، ووجدت فيما كتبه الدكتور بعض الحيف، لأن برنامجنا في تكريم الادباء والفنانين والشعراء كان حينها لا يتضمن فقط منح الأوسمة والدروع "الخرق الزرقاء" - كما سماها بعضهم - وإنما كان يتضمن ايضاً:
‮* ‬تقديم‮ ‬مبلغ‮ ‬مالي‮ ‬مُجزٍ‮ ‬للمكرم‮ ‬او‮ ‬المحتفى‮ ‬به‮.‬
‮* ‬استضافته‮ ‬وتحمل‮ ‬نفقات‮ ‬سفره‮ ‬إنْ‮ ‬كان‮ ‬من‮ ‬خارج‮ ‬العاصمة‮.‬
‮* ‬اقامة‮ ‬فعالية‮ ‬تكريم‮ ‬ثقافية‮ ‬متكاملة‮ ‬الاركان‮ (‬دراسة،‮ ‬وفناً،‮ ‬وادباً،‮ ‬وثقافة‮).‬
‮* ‬كانت‮ ‬مشاركة‮ ‬المختصين‮ ‬فيها‮ ‬بـ‮(‬اوراق‮ ‬العمل‮) ‬تتم‮ ‬بمقابل‮ (‬انتاج‮ ‬فكري‮) ‬مادي‮.‬
الناقد‮ ‬المثقف،‮ ‬والأديب‮ ‬الجميل‮ ‬علوان‮ ‬الجيلاني،‮ ‬كان‮ ‬مسئولاً‮ ‬عن‮ ‬البرنامج،‮ ‬وكان‮ ‬قد‮ ‬أعد‮ ‬رداً‮ ‬توضيحياً‮ (‬عملا‮ ‬بحق‮ ‬الرد‮) ‬لنشره‮ ‬في‮ ‬زاوية‮ ‬الدكتور‮ ‬المقالح،‮ ‬غير‮ ‬سبتمبر‮ ‬رفضته،‮ ‬كما‮ ‬رفضته‮ ‬كل‮ ‬الصحف‮ ‬تقريباً‮.. ‬
وحده المثقف الاعلامي المميز سمير اليوسفي أفرد لنشره صفحة في (الثقافية)، الصحيفة التي تجاوز برئاسته لتحريرها المحرمات وكسر التابوهات المقدسة في العمل الثقافي، وفتح الباب واسعاً لسجالات المثقفين خارج "النص".
بالمناسبة كان علوان أحد ضحايا تابوهات المشهد الثقافي حينها، إذ كان بلا وظيفة كالمئات من بيئته، لأنه لم يكن ينتمي لحزب او "شلة"، بل كان منتمياً لأدب ومنهج البردوني(رحمه الله)، فكان انتظاره قد تجاوز حده وتقاطع مع قيود الخدمة المدنية، وكان من الصعب حصوله على‮ ‬الدرجة‮..‬
‮ ‬ذلك‮ ‬كان‮ ‬ولا‮ ‬يزال‮ ‬هو‮ ‬حال‮ ‬المبدعين‮ ‬في‮ ‬الحقل‮ ‬الثقافي،‮ ‬والبوح‮ ‬بأسرار‮ "‬المعبد‮" ‬في‮ ‬المشهد‮ ‬الثقافي‮ ‬اليمني‮ ‬والعربي‮ ‬عموماً،‮ ‬لا‮ ‬يزال‮ ‬برأي‮ ‬الكثير‮ ‬مخيفاً‮..!!‬
فمن‮ ‬يجرؤ‮ ‬على‮ ‬الكلام؟‮!‬
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 08:42 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-60022.htm