مطهر تقي - من الوهلة الأولى وانا اتابع خطاب الرئيس الأمريكي الديمقراطي بايدن يوم الخميس 4-2-2021م مع موظفي وزارة الخارجية الأمريكية شعرت بدنو أجل الحصار والحرب على اليمن التي أعلن عن بدئها يوم الخميس 25-3-2015م من واشنطن وزير الخارجية السعودي في عهد اوباما الديمقراطي...فخطاب بايدن قد كسر مسلمات سياسية وعسكرية أمريكية تجاه الحرب في اليمن (مضى عليها حتى التاريخ أكثر من ست سنوات) فقد أعلن بايدن عن ضرورة وقف الحرب في اليمن لدواعٍ انسانية(تمعنوا في سبب مطالبته لوقف الحرب) وأعلن وقف الدعم العسكري الأمريكي للسعودية والإمارات في حربها في اليمن كما امر بوقف المبيعات العسكرية للدولتين ثم تم الإعلان عن رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب وكل ذلك يعني أن بايدن قد فَّعل السياسة الناعمة بدلاً من سياسة القوة.
ولأني وغيري من اليمنيين المكلومين على شعبهم ووطنهم جراء الحرب والحصار طيلة ست سنوات كان اليأس قد سيطر على أنفسنا من غياب المواقف الدولية الجادة لوقف الحرب كانت كلمة بايدن هي الآمل الذي جعلنا جميعا نشعر بقرب انتهاء العدوان والحصار وكأن ذلك سيحدث غداً أو بعد غد وان السلام سيطرق أبواب مدننا وقرانا في اسرع وقت.. ولكن بعد وقفة تأمل بعد ذلك الخطاب وماهي الخطوات السياسية والعسكرية التي من شأنها تحقيق السلام خصوصاً وقد سلمت تلك القوى السياسية اليمنية قرارها السياسي وحل الخلاف فيما بينها إلى الخليجيين والقوى الكبرى عام 2011م وفتحت ابواب اليمن للصراع الإقليمي(بين السعودية وإيران) وأصبحت برغبتها أو بدون رغبتها منخرطة معها في تحالفات سياسية ومذهبية من الصعب عليها تجاوز ذلك التحالف إلا إذا جعلت مصلحة اليمن فوق مصالح ذلك التحالف السياسي والمذهبي.. وهنا مربط الفرس لدور الإرادة الوطنية في وضع حد للصراع في اليمن سواءً في ظل التغيير السياسي الأمريكي الأخير أو عن طريق مساعي الأمم المتحدة لإحلال السلام التي ترى ومن خلال مندوبها غريفيث (ومن قبله) ان الرياض وطهران اصبحتا لاعبتين اساسيتين في تأجيج الحرب او صنع السلام ويوم أمس كان غريفيث في طهران يبحث اقرار السلام في اليمن مع وزير خارجية إيران وقبل ذلك كان في الرياض يبحث أيضاً احلال السلام في اليمن.
ولأن الحرب طيلة السنوات الست الماضية قد احدثت فجوة عميقة بين الأطراف اليمنية من الخلافات السياسية والمذهبية وتراكم الاحقاد في ما بينها كل يريد أن يهلك الآخر ويفرض السلام الذي يريده حسب أجندته بصرف النظر عن متطلبات مصلحة اليمن وهنا تظهر صعوبة تحقيق السلام في القريب العاجل فالشرعية ترى أن السلام لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق العمل بالمرجعيات الثلاث وتنفيذ قرارات مجلس الأمن وهذا الموقف يرفضه أنصار الله وحلفاؤهم جملة وتفصيلاً .
وأنصار الله يرون أن السلام لا يمكن تحقيقه إلا بوقف الحرب والحصار الجوي والبري والبحري ورفع المعاناة عن الشعب اليمني أولاً (وهذا الطلب يلقى تأييداً شعبياً فالمحاصر ومن يدفع الثمن هو الشعب) ثم الدخول في مفاوضات السلام.. وهذا الموقف ترفضه الشرعية بكل قوة فوقف الحرب ورفع الحصار من وجهة نظرها يعني انتصار الحوثيين الانقلابيين وحلفائهم إيران وفرض الأمر الواقع.. والسعودية والإمارات وإيران التي فوجئت بالتحول الأمريكي الكبير في موقفها السياسي وبالرغم من ان تلك الدول قد أيدت ورحبت بذلك الموقف الأمريكي (فيما عدا السفير الإيراني في صنعاء الذي شكك وقلل من شأن ذلك الموقف) إلا أنه لا يمكن لتك الدول أن تظل تراقب المشهد اليمني من بُعد وتترك امريكا ومندوبها إلى اليمن دون أن تتخذ موقفاً يضمن استمرار مصالحها ويفعل عداوتها ضد خصمها وكأن تلك الدول أصبحت وصية على الأطراف اليمنية ولا يمكن أن تسمح بتحقيق السلام في اليمن إلا وفق مصالحها وان على اليمنيين أن ينتظروا أولاً التفاهم السعودي الإيراني لحل مشكلات الصراع والخلاف فيما بينهما قبل أن يتوصل اليمنيون للسلام فيما بينهم وهنا تكمن الخطورة على مستقبل السلام في اليمن وتتضح قوة او ضعف ما بقي من الإرادة الوطنية الحرة ضد أي هيمنة خارجية لدى القوى السياسية اليمنية لصنع السلام لوطنهم بعيداً عن الرياض وطهران...واتخاذ ذلك الموقف ليس مستحيلاً (من وجهة نظري) على تلك القوى اليمنية (بالرغم من تسليم السياسيين بلدهم للقوى الإقليمية والدولية منذ 2011م كما اشرت) فمن فتح ابواب وطنه لتلك القوى لتتصارع فيما بينها على حساب دماء وأشلاء ابناء اليمن وعلى حساب سيادة اليمن يمكنه إخراجها.. ومن طلب الجن يستطيع صرفهم أيضاً.. فمصالح الوطن في نهاية المطاف اهم من مصالح اي تحالف سياسي أو مذهبي مؤقت او مرحلي ومن غير المنطقي أن نستسلم للقناعة التي مفادها أن امر وقف الحرب والدخول في حوار فيما بيننا من اجل السلام ليس بيد القوى اليمنية وانما بيد القوى الخارجية وما تلك القوى السياسية إلا تابعة للقوى الإقليمية فذلك الاعتقاد من وجهة نظري استسلام ويأس ليس له مبرر كافٍ حتى اذا كان له نصيب من الصحة على مستوى الدعم السياسي والعسكري لتلك الدول الإقليمية لذلك الطرف أو للطرف الآخر فالمسؤول والمعنى الأول بأمر وقف الحرب والسلام سيظل مسؤولية ابناء اليمن من السياسيين والوجهاء والمشائخ وقادة الرأي وكل من يؤمن باستقلال وطنه من أي تبعية او خضوع فالوطن الذي يمزق هو وطنهم والشعب الذي يموت جوعاً هو شعبهم ... وبالرغم من كل ذلك ما فلا زال الحس الوطني ورفض التبعية السياسية والمذهبية لدى الكثير من السياسيين بخير.. وأذكّر الجميع بموقف قائد أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي وكذلك الشيخ صادق بن أمين أبو راس رئيس المؤتمر الشعبي العام والأستاذ محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الاعلى وعدد من سياسيي قوى صنعاء- موقفهم الرافض لأي تدخل أو هيمنة سياسية على اليمن في أكثر من خطاب وتصريح وتغريدة لهم بما في ذلك التدخل الإيراني او السعودي أو أي قوة اقليمية اخرى على القرار اليمني.. وكذلك الموقف نفسه لعدد من القيادات الحزبية والسياسية الوطنية فيما تُسمى الشرعية التي اعلنت معارضتها للهيمنة السعودية والإمارتية على القرار السياسي اليمني.. ومن خلال تلك الشخصيات السياسية اليمنية الفاعلة يمكننا أن نراهن على إمكانية تحقيق السلام وفق تفاهمات يمنية عقلانية تتفق أولاً على تبادل التنازلات السياسية لبعضها البعض واللقاء في نقطة وسطية تحت قاعدة لا ضرر ولاضرار من اجل سلامة وطنهم من التمزق ومن اجل وقف الإبادة والقتل والجوع والمرض لأبناء شعبهم وحين تخلص النوايا يمكن جعل ما هو مستحيل اليوم يكون ممكناً في الغد.. واذا كان السلام ومتطلباته مازالت بعيدة فعلينا أن نبدأ باتخاذ خطوات عملية لتفعيل تلك المبادرة بتهيئة الأنفس للسلام من خلال التبشير به والتقليل من الشحن الإعلامي الانفعالي وإبعاد المتشددين عن وسائل الإعلام واظهار حسن النوايا لبعضنا البعض وتفعيل ما بقي من مؤسسات وهيئات الدولة لخدمة ابناء الشعب في كافة المحافظات اليمنية وتجنب استهداف اليمنيين في صعدة وتعز والحديدة ومأرب ووقف اختطاف النساء والاطفال ورفع الحصار الاقتصادي عنهم فلعل ذلك يساعد على تهيئة الظروف لوقف الحرب والقرب من السلام ..
والله المعين لهذا الشعب الصابر والملهم لأبنائه المخلصين لتحقيق السلام.
|