الميثاق نت -

الإثنين, 22-فبراير-2021
طه‮ ‬العامري‮ ‬ -
أيها الكبير في زمان الأقزام ؛ أيها الحر في عصر (العبيد) ..أيها الثائر في عهد الخنوع ؛ علمتنا كيف ننحت ونحفر في الجدار ونفتح ثغرة للنور ؛ وقلت لنا إما أن يطلع الفجر من خلف الجدار أو نهلك دونه ؛ ومنك تعلمنا أبجدية الحب والثورة ومفردات الحرية ..
وأخيرا‮ ‬دونت‮ ‬مرثية‮ ‬وسميتها‮ ‬بعنوان‮ (‬أعلنت‮ ‬اليأس‮) ‬وقلت‮ ‬فيها‮ ‬الكثير‮ : ‬لكن‮ ‬أجمل‮ ‬عبارة‮ ‬موجعة‮ ‬ومؤلمة‮ ‬هي‮ ‬قولك‮ : ‬
أنا‮ ‬ليس‮ ‬لي‮ ‬وطن‮ ‬
أفاخر‮ ‬باسمه‮ ‬
وأقول‮ ‬حين‮ ‬أراه‮ ‬
فليحيا‮ ‬الوطن‮ .‬
قلت‮ ‬هذا‮ ‬الوجع‮ ‬وأنت‮ ‬من‮ ‬تغزلت‮ ‬بسهول‮ ‬وجبال‮ ‬ووديان‮ ‬اليمن‮ ‬واشجارها‮ ‬وتاريخها‮ ‬بماضيها‮ ‬وحاضرها‮ ‬ومنك‮ ‬تعلمنا‮ ‬أبجدية‮ ‬الحرف‮ ‬والكلمة‮ ..‬
أنت‮ ‬ياسيدي‮ ‬لم‮ ‬ترثِ‮ ‬نفسك‮ ‬في‮ ‬ملحمتك‮ ‬التي‮ ‬أرجو‮ ‬الله‮ ‬أن‮ ‬لا‮ ‬تكون‮ ‬الأخيرة‮ ‬في‮ ‬ملحمة‮ ‬إبداعك‮ ‬ولن‮ ‬تكون‮ ‬بأذن‮ ‬الله‮ ‬تعالى‮ ..‬
لكنك‮ ‬يا‮ ‬سيدي‮ ‬رثيتنا‮ ‬والوطن‮ ..‬رثيت‮ ‬كل‮ ‬الأحلام‮ ‬الجميلة‮ ‬التي‮ ‬تناقلتها‮ ‬الأجيال‮ ‬كابراً‮ ‬عن‮ ‬كابر‮ ..‬رثيت‮ ‬كل‮ ‬القيم‮ ‬الجميلة‮ ‬ورثيت‮ ‬الأرض‮ ‬والشهداء‮ ‬والحرية‮ ‬والسعادة‮ ‬والحلم‮ ‬الجميل‮ ..‬
رثيت‮ ‬الوطن‮ ..‬كل‮ ‬الوطن‮ ‬بكل‮ ‬تراثه‮ ‬وماضيه‮ ‬وحاضره‮ ‬ومستقبله‮ ..‬رثيت‮ ‬الإنسان‮ ‬بكل‮ ‬ما‮ ‬يعتمل‮ ‬في‮ ‬وجدانه‮ ‬من‮ ‬قيم‮ ‬ومشاعر‮ ..‬
رثيت‮ ‬كل‮ ‬مفردات‮ ‬الحلم‮ ‬والحب‮ ..‬وعبرت‮ ‬بملحمتك‮ ‬عن‮ ‬مشاعر‮ ‬ملايين‮ ‬من‮ ‬أبناء‮ ‬الشعب‮ ‬الذين‮ ‬يعيشون‮ ‬في‮ ‬دائرة‮ (‬التيه‮)..!!‬
لست‮ ‬وحدك‮ ‬يا‮ ‬سيدي‮ - ‬هالك‮ ‬حتماً‮ - ‬كلنا‮ ‬هالكون‮ ‬والوطن‮ ..‬لكن‮ ‬أقسى‮ ‬ما‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬يكون‮ (‬الموت‮) ‬هو‮ ‬الملاذ‮ ‬وعنوان‮ ‬الخلاص‮..‬؟‮!‬
كلنا‮ ‬يا‮ ‬سيدي‮ ‬وأستاذي‮ ‬واستاذ‮ ‬الأجيال‮ ‬بلغنا‮ ‬دائرة‮ (‬اليأس‮) ..‬اليأس‮ ‬من‮ ‬كل‮ ‬شيء‮ ‬حتى‮ ‬من‮ ‬الوطن‮ ‬ومن‮ ‬مستقبله‮ ‬المبهم‮ ‬والمجهول‮ ..‬حتى‮ ‬صار‮ ‬الموت‮ ‬أمنية‮ ‬وملاذاً‮..!!‬
ليس‮ ‬هناك‮ ‬أقسى‮ ‬عليك‮ ‬وعلى‮ ‬أمثالك‮ ‬من‮ ‬أن‮ ‬يكون‮ ‬الموت‮ ‬ملاذاً‮ ‬وعنواناً‮ ‬للنجاة‮ ‬من‮ ‬شرور‮ ‬مستطيرة‮ ‬ليس‮ ‬لها‮ ‬أفق‮ ‬ولا‮ ‬نهاية‮ ‬مرتقبة‮..‬؟‮!!‬
عقود طويلة كنت فيها لي ولأمثالي من أبناء هذا البلد عنواناً للتفاؤل وينبوعاً للأمل يغترف من مناهله كل ممكنات الحياة والحرية والمقاومة ؛ منك استقينا أعظم أسلحة مقاومة الجهل والفقر والتخلف، ومن مفرداتك صنعنا قناديل الأمل التي تنير لنا دروب الحياة ونبدد بأشعتها قتامة الجهل والتخلف ..ومنك يا سيدي نستلهم اليوم عنواناً للمجهول القادم في بلاد لم تكن يوماً وطناً بل كنت وكنا نحاول جعلها وطناً وننسج من آهاتنا بيارقها ومن أحلامنا نرسم معالم لطريق رسمت أنت وأمثالك خط سيرها نحو مستقبل مشرق ..لكن خذلنا الجهل وخذلنا أنفسنا‮ ‬في‮ ‬الانهماك‮ ‬في‮ ‬التفاصيل‮ ‬الصغيرة‮ ‬حتى‮ ‬تهنا‮ ‬وتاهت‮ ‬منا‮ ‬خارطة‮ ‬طريقنا‮ ‬فوجدنا‮ ‬أنفسنا‮ ‬نجتر‮ (‬أغلال‮ ‬الماضي‮) ‬الذي‮ ‬زعمنا‮ ‬يوماً‮ ‬أننا‮ ‬تجاوزناه‮ ..!!‬
ما‮ ‬أقسى‮ ‬مفرداتك‮ ‬يا‮ ‬سيدي‮ ‬وما‮ ‬أوجعها‮ ‬في‮ ‬وجدان‮ ‬وذاكرة‮ ‬المتلقي‮ ..‬لكنك‮ ‬أنت‮ ..‬الصادق‮ ‬دوما‮ ‬بكل‮ ‬مشاعرك‮ ‬واحاسيسك‮ ‬التي‮ ‬تجسدها‮ ‬في‮ ‬مفرداتك‮ ‬الأدبية‮ ..‬
لم‮ ‬أشعر‮ ‬بالقهر‮ ‬والوجع‮ ‬سيدي‮ ‬يوماً‮ ‬بقدر‮ ‬ما‮ ‬شعرت‮ ‬بكل‮ ‬هذا‮ ‬وأنا‮ ‬أرتل‮ ‬مفردات‮ ‬قصيدة‮ ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬قصيدة‮ ‬عابرة‮ ‬ولكنها‮ ‬ملحمة‮ ‬ستدون‮ ‬في‮ ‬ذاكرة‮ ‬الأجيال‮ ‬كابراً‮ ‬عن‮ ‬كابر‮ ..‬
عظيم‮ ‬أنت‮ ‬يا‮ ‬سيدي‮ ‬وكبير‮ ‬في‮ ‬أحلامك‮ ‬؛‮ ‬وفي‮ ‬شجاعتك‮ ‬وفي‮ ‬شفافية‮ ‬توصيفك‮ ‬لواقع‮ ‬لم‮ ‬نكن‮ ‬يوماً‮ ‬نتخيله‮ ‬حتى‮ ‬في‮ ‬كوابيسنا‮..‬
نعم يا سيدي لقد عبرت عن كل ما يجول في خاطرنا وما يعتمل في مشاعرنا ؛ فعبرت عنا قبل أن تعبر عن نفسك فأنت ليس إلا جزءاً أصيلاً منا ؛ وأنت الرئة التي نتنفس من خلالها ..وأنت البوصلة التي بها نهتدي في مسارنا الطويل والقبس الذي به ننير دروبنا في رحلة الأمل الأطول‮ ..‬
موجعة‮ ‬حد‮ ‬الألم‮ ‬مفرداتك‮ ‬يا‮ ‬سيدي‮ .. ‬لكن‮ ‬الوجع‮ ‬الأكبر‮ ‬حين‮ ‬يصبح‮ ‬الموت‮ ‬هو‮ ‬المنقذ‮ ‬والملاذ‮ ‬مما‮ ‬نحن‮ ‬فيه‮ ..‬؟‮!‬
وحين يصبح الموت غاية قامة إبداعية بحجمك ومكانتك فماذا بقي لنا في وطن يجرعنا القهر واليأس ..وطن يقتل عشاقه ؛ ويفتك بمحبيه ؛ ويتلذذ بقهر وصلب أبنائه ؛ وطن عشقناه واستوطن وجداننا ولكن عشقنا له يتماهى مع عشق (جميل لبثينة) وعشق (قيس لليلى) ..نعم يا سيدي حبك وحبنا‮ ‬لهذا‮ ‬الوطن‮ ‬أشبه‮ ‬بقصص‮ ‬وأساطير‮ ‬الحب‮ ‬العذري‮ ‬إن‮ ‬جاز‮ ‬التعبير‮ ..!!‬
سيدي لست على قدر من البلاغة حتى أوفيك حقك من الوصف ولكني أحد تلامذتك أحاول أن اعبر عما يختلج في داخلي من مشاعر أربكتها وفجرتها مفردات ملحمتك التي أرجو أن لا تكون خاتمة إبداعك بل بداية لمرحلة إبداعية جديدة ..لكن وإن حدثت إرادة الله فهي الخاتمة التي ستكون وقوداً‮ ‬لأجيال‮ ‬متعاقبة‮ ..‬أجيال‮ ‬ستكون‮ ‬لها‮ ‬ملحمتك‮ ‬دليلاً‮ ‬نحو‮ ‬نهاية‮ ‬النفق‮ ‬المعتم‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬نصل‮ ‬إليه‮ ‬نحن‮ ‬وأنت‮ ..!!‬
سيدي‮ ‬لا‮ ‬أجد‮ ‬ما‮ ‬أقوله‮ ‬ولا‮ ‬ما‮ ‬أعبر‮ ‬عنه‮ ‬سوى‮ ‬أنني‮ ‬أرجو‮ ‬الله‮ ‬أن‮ ‬يحسن‮ ‬خاتمتك‮ ‬وخاتمتنا‮ ‬وأن‮ ‬يتولانا‮ ‬برحمته‮ ‬ويتولى‮ ‬وطننا‮ ‬وأحلامنا‮ ‬برعايته‮ ‬فهو‮ ‬سبحانه‮ ‬القاهر‮ ‬فوق‮ ‬عباده‮ ..‬وحسبنا‮ ‬الله‮ ‬ونعم‮ ‬الوكيل‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 08:45 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-60104.htm