محمد علي اللوزي - لم تكن لتتقدم السعودية بمبادرة حرصاً منها على تحقيق السلام، لولا إدارة بايدن التي فرضت اجندتها الانتخابية، ليس حباً وكرماً واخلاقاً واحتراماً لحقوق الإنسان، ولا من أجل قيم تدَّعيها وتنسبها لنفسها دون غيرها ولا من أجل انقاذ الرياض ودفعها إلى درء كارثة تحدق بها، وإنما من أجل التفرغ لصراع رساميل هائلة بينها وجمهورية الصين والى جانبها روسيا كقوة عسكرية، والجميع هنا يبحث عن مناطق نفوذ وهيمنة، وإن كانت الصين بتاريخها الإنساني وروسيا الى حد ما بثقافتها الأممية أقرب مودة الى أحداث تحولات شرق اوسطية مهمة في مجالات البناء والتنمية والإعمار.
فتاريخ الدولتين ليس فيه الى حد كبير الغطرسة والانتهازية والثقافة الاستعمارية الكولونيالية التي نجدها في الدولة الأوروأمريكية، التي تتخذ من الديمقراطية وحقوق الانسان مدخلاً لفرض الهيمنة والوصاية واشعال الفتن والحروب والتدخلات المباشرة وغير المباشرة، كما هو الحال في الحرب اليمنية وقبل هذا حروب فيتنام ونيكاراً جوىاً وتشيلي وبنما والفلبين والعراق وسوريا.. الخ، والقائمة كبيرة.. وفي الاحصاءات لمراكز ابحاث امريكية انه في العقدين الأخيرين تشرد اكثر من 35 مليون إنسان بفعل التدخلات الامريكية.. هكذا نراها ضالعة في الدمار والعنف وانتهاك المقدس الإنساني وقهر الحياة ونهب الثروات، بتدخلات سافرة تعيق التقدم البشري وتجعله حكراً على الاوروأمريكي.
بهذا المعنى ترفض التطور الاقتصادي المتسارع للصين وتريدها متخلفة عن الاوروأمريكي وتحجب عنها قدر المستطاع خارطة الشرق الاوسط والضفة الاخرى من البحر الأحمر، أعني تحديداً اليمن التي تسعى الصين ان تجد لها حضوراً بما يسمى طريق الحرير، ودخولها المنطقة الشرق اوسطية عبر مصالح مشتركة واستثمارات مهولة، قد يكشف الورقة الانتهازية للاستعمار الاورو امريكي ومخططه في ابقاء التخلف والصراعات البينية لذات الشعوب الامر الذي لم يقدم فيه ما يستحق الذكر للإنسان في هذه الرقعة الجغرافية بالقياس الى ما نهبه من ثروات لهذه الامة، مقابل حماية عروش ممالك وامارات وحتى رئاسات. هكذا نجد ثمة صراعاً خفياً وتسابقاً محموماً على الجغرافيا اليمنية تحديداً، فالصين تراه مهماً لها، وخطوة متقدمة الى الامام في كبح جماح التغول الأمريكي، وفتح مسارات اقتصادية شرق اوسطية، قادرة على تمكينها من غزو اوروبا اقتصادياً، وخلق مناخات فرص كبيرة لاستثمارات بروح لاتساوم على الإنساني ولا تجعله ضحية، وإنما من منطلق مصالح متبادلة ومنافع تحقق قدراً من الرخاء للجميع.. هذا مايقلق الأوروأمريكي لذلك نراه اليوم يسارع باتجاه إعلاء راية السلام ونشر الحب، ليفرض على السعودية مبادرة الهزيمة والحرب العبثية التي شنتها ولم تحقق منها مانسبته1٪ من الاهداف المعلنة وحتى غير المعلنة، لتبقى في المستقبل هي من يتحمل مسئولية كل هذا الدمار الذي لحق باليمن، وسبب كوارث بشرية واقتصادية لاحصر لها.
وفي كل الاحوال فإن السعودية اليوم في زمن بايدن غيرها في زمن ترامب، الذي جعل منها قوة باغية متغطرسة ودولة تعبث بمقدرات مالية كبيرة لصالح الاوروأمريكي، الذي نراه اليوم تحت ضغوط التنين الصيني يبحث عن مساعي سلام شرق أوسطية تأتي اليمن في المقدمة باعتبارها طموح التنين الصيني كضفة اخرى على البحر الاحمر تكسبه الحضور الآسيوي الكبير والشرق أوسطي.. هكذا لانجد في مبادرة السلام السعودية اي فضل يُذكر لقصر اليمامة، الذي آثر الهزيمة على الغضب الامريكي.. وفي تقديري ان ثمة متحققاً قادماً، إذا ما سعت اليمن باتجاه حليف متميز وعادل في تبادل المصالح هو الصين، الذي قد يقلق ويزعج ويرهب البيت الابيض بما قد يجعله يفرض شروطاً اقسى على السعودية وهي التعويض عما لحق باليمن من دمار فضيع، هذا في حالة واحدة أن تفشل هذه المبادرة ليس عبر الرفض ولكن عبر التفاوض الأقوى والأكثر اشتراطاً على المعتدي، ووضع الجانب الانساني والتعويضات في طليعة المباحثات.
فأمريكا اليوم ليست كما هي الامس.. إنها تريد البقاء على نفوذها الشرق اوسطي، ولا تريد أي علاقات لمصالح اقتصادية مشتركة بين الدول الشرق أوسطية واليمن أهمها مع التنين الصيني، الذي يسعى حثيثاً لتكوين قوة عملاقة اقتصادية وعسكرية بالتحالف مع روسيا والتقارب المهم مع الهند بما لديها من خبرات وصناعات وتقدم تكنولوجي وثقل بشري.. والخلاصة اننا أمام تحولات عميقة يفرضها الصراع بين الشرق والغرب، وبينهما نحن فإما ان تكون لنا خارطتنا في عملية التحولات القادمة، أو نبقى مجرد تابعين لقادم قد يرهقنا إذا ما بقينا مجرد شعوب مستهلكة متلقية، لا تناور وتعجز عن أن تحاور، ولا تبني الغد قدر احتمائها بالماضي والإغراق فيه، والسعي اليه خوفاً من مواجهة المستقبل الذي يتشكل بملامح جديدة البقاء فيه للعلم للمعرفة للإبداع كهوية حضارية للمستقبل.. الهوية اليوم ليست المتعارف عليه الماضي بخصائصه الثقافية، إنها اليوم العلم والمعرفة والاقتصاد القوي.. تُرى هل تستطيع الدولة اليمنية القادمة ان تكون شيئاً من هذا والسبل ميسرة تحتاج فقط الدراية والمعرفة والانتماء الصادق؟
|