حاوره/ جمال الورد - أكد المهندس عبدالرحمن العلفي - المدير التنفيذي للمركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل (منارات)- إن الخطاب الإعلامي والديني هما أهم مرتكزات تعزيز اللحمة الوطنية إذا ما تم استخدامهما بالشكل الصحيح لترسيخ الوحدة الوطنية، كون الوطن والوطنية واللحمة الوطنية مصالح مشتركة بين الناس وترتبط بالأمن والأمان فيما بينهم.
وقال في حوار أجرته معه صحيفة »الميثاق«: إن خارطة الأحزاب والتنظيمات السياسية تتهاوى بشكل مخجل، ويعود ذلك إلى أن ولاء الأعضاء والمؤسسين والمريدين للأحزاب أكثر من ولائهم للوطن، وبالتالي تهون أمام الأحزاب المواجع والآلام التي يعيشها الوطن، وإن بدرجات مختلفة. داعياً أحرار وحرائر القوى والتنظيمات السياسية لإستشعار الخطر المحدق باليمن والشعب جراء استمرار نزيف الدم والاقتتال الداخلي واستمرار العدوان الخارجي.
كما تحدث المدير التنفيذي لمركز (منارات) عما حققته هيئة تنسيق التحالف المدني للسلم والمصالحة الوطنية من نجاحات في عدد من الملفات ومنها إعادة تأهيل وتشغيل المحطة الغازية الكهربائية في مأرب، بالإضافة إلى استئناف صرف معاشات المتقاعدين، وغيرها من القضايا المهمة في الملف السياسي والمصالحة الوطنية والملف الاقتصادي تجدونها في الحوار التالي:
* أثر الصراع الدائر في بلادنا، والعدوان الخارجي بصورة مباشرة على حياة المواطن اليمني والنسيج المجتمعي بشكل عام.. ما السبيل برأيك لإعادة اللحمة الوطنية؟
- هناك أولويات من شأنها المساهمة في إعادة اللحمة الوطنية، يتصدرها في تقديري الخطاب الإعلامي والخطاب الديني، فهما من بواعث وأسس ومرتكزات تعزيز اللحمة الوطنية، فالانتقال من حالة الغلو والتطرف في الخطابين الديني والإعلامي من شأنهما أن يساهما في تعزيز الوحدة الوطنية، كما أن إعادة فتح الطرقات التي قطعت أوصال البلاد والعباد من شأنها إعادة اللحمة الوطنية، كل الأعمال المتصلة بحركة الناس والبضائع بين المحافظات وبعضها البعض من شأنه إعادة اللحمة الوطنية، فالوطن والوطنية واللحمة الوطنية مصالح مشتركة بين الناس، ليست كتلاً خرسانية وليست ناطحات سحاب وليست أعمالاً غير متصلة بمصالح الناس وثقافاتهم وتاريخهم وآمالهم وطموحاتهم وتطلعاتهم وكل ما يتصل بالأمن والأمان فيما بينهم .
* ما زالت الأحزاب والنخب السياسية حبيسة صراعها الماضي والأحقاد، ما رسالتك لتلك النخب؟
- تمر اليمن بمحنة عظيمة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، في فترة من الزمن كان الاعتقاد أن الأحزاب والتنظيمات السياسية هي جوهر الديمقراطية السياسية، وقد تحركت القوى السياسية لتأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية رغم الحظر الذي مورس من قبل نظامي الحكم قبل الوحدة، ولنا أن نتذكر قول رئيس الجمهورية الأسبق القاضي عبدالرحمن الإرياني: (الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة، ومن تحزب خان) ومع قيام الوحدة المباركة في 22 مايو 1990، حتى أطلق العنان للتعددية السياسية فنشأ ماراثون وطني واسع عكس معظم ألوان الطيف السياسي من الاشتراكية إلى الوطنيين إلى الليبراليين والإسلاميين وتأسست الأحزاب والتنظيمات السياسية وفي كل أزمة كان يشهدها الوطن، كان حضور الأحزاب والتنظيمات السياسية قوياً وفعالاً وما أن تتفجر الأوضاع حتى تتوارى الأحزاب وتختفي كالفقاعات، ولعلي أنظر أن خارطة الأحزاب والتنظيمات السياسية تتهاوى بشكل مخجل، ويعود ذلك إلى أن ولاء الأعضاء والمؤسسين والمريدين للأحزاب أكثر من ولائهم للوطن، وبالتالي تهون أمام الأحزاب المواجع والآلام التي يعيشها الوطن، وإن بدرجات مختلفة، ولكنهم جميعاً لا يرتقون إلى مستوى أن يكون الولاء للوطن أعلى من الولاء للحزب، ولهذا لابد من إعادة النظر في منظومة الأحزاب والتنظيمات السياسية حيث يجب أن تكون المبادئ العامة لكل حزب مجسدة في نفس كل عنصر قيادي وعضو في أي حزب كان، بحيث يكون الولاء للوطن والثورة والجمهورية والوحدة، أعلى بكثير من الولاء للحزب، وأن يكون العمل الحزبي مجرد وسيلة تتنافس عليه الأحزاب والتنظيمات السياسية كآلية عمل للارتقاء بالعمل الوطني الذي يجب أن يكون مقدساً وصادقاً ويرتقى للإيمان بأن الوطن هو مظلة كل اليمنيين، حزبيين وغير حزبيين.
* دعا حزب المؤتمر مؤخراً لتجاوز اخطاء الماضي واحقاده، وضرورة التسامي فوق الجراح من أجل الوطن.. ما تقييمك؟
- أراهن بشكل كبير على استعادة تنظيم المؤتمر الشعبي العام قيادة العملية التنموية والعملية السياسية وتجاوز المحنة التي نحن فيها، وأول مهمة يجب على قيادات المؤتمر أن تستشعر أنها تحمل مظلة السلام، وأنها تتجاوز الثأر من هذا أو ذاك، وأن لا تحمل الآخرين كل الأخطاء وتعفي نفسها من تحمل كثير من الأخطاء، فالمؤتمر الشعبي العام يتمتع بخلفية معرفية فكرية ثقافية وطنية بالغة التميز، فكراً يمنياً صادقاً حراً أصيلا، جاء عبر مخاض وطني وعبر حوار يمني - يمني، تلاقحت فيه الأفكار وتلاقت فيه القلوب والأفئدة وتعانق الجميع وصنعوا ملحمة وطنية سياسية بالغة الأهمية، المؤتمر في هذه المرحلة في أمس الحاجة إلى أن يوحد نفسه ويتجاوز خطاب الاستعداء للمؤتمري الآخر، وفي أمس الحاجة للأيادي البيضاء التي تمتد لكي نبحث عن القواسم المشتركة التي لا تزال قائمة، نحن شركاء في الاحترام والتقدير والولاء والوفاء للثورة والجمهورية والوحدة والدولة المدنية الديمقراطية، وبالتالي فالمؤتمر بحاجة إلى مبادرات، بحاجة إلى أن يعلو صوته من أجل السلام والمصالحة الوطنية، والترفع عن ممارسة المكر والكيد والتهميش للآخر، المؤتمر بحاجة للبحث عن النصف المتفق عليه إذا افترضنا أن معادلة الصراع بين الحق والباطل تتوزع في شقين (شق الحق، وشق الباطل) فلنشترك في إظهار الحق وليس هناك أحق من أن تتوقف الحرب والصراع الداخلي ونتوافق على أننا شركاء في هذا الوطن، كل ما يتصل بالماضي تاريخاً نأخذ منه العبرة والعظة، وكل ما يتصل بالحاضر والمستقبل نحن شركاء فيه، ونتمثل قوله تعالى (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) بمعنى أن كل ما يتصل بالأمس تاريخ ولكن كل ما يتصل بالحاضر والمستقبل فالحاضر نحن شركاء أصيلون فيه، أما المستقبل فنشارك فيه مع الأجيال القادمة. ولهذا المعول على المؤتمر أن يوحد نفسه أولاً وأن يعيد النظر في تحالفاته بشكل أصيل وشجاع، فمن يقف مع الجمهورية والثورة والوحدة والدولة المدنية فنحن معه، ومن يخالف هذه الثوابت الأربعة فنحن ضده، ولا نقبل أن نكون إمعة ولا نقبل أن نكون أرقاماً صفرية في معادلة الصراع السياسي، المؤتمريون في مرحلة هم أحوج إلى توحيد الكلمة لأن في وحدتهم سلاماً للجميع، وأمناً واستقراراً للوطن، فالمؤتمر مطالب أن يظهر في هذه المرحلة كداعٍ للسلام وللأمن والاستقرار، ويوحد الصفوف ويمنع نبش الماضي الذي ارتبط بمراحل الصراع، ولنكن صادقين في قولنا عندما نقول إن مربع أركان الوحدة الوطنية في المرحلة الوطنية هم المؤتمر والإصلاح والاشتراكي وبقية الأحزاب والتنظيمات السياسية ومعهم منظمات المجتمع المدني بالإضافة إلى المدارس الفقهية التي تعتبر صمام أمان للوحدة الوطنية ولتجاوز الصراعات الطائفية التي ما أنزل الله بها من سلطان.
* يقود الشيخ صادق أبو راس المؤتمر في مرحلة عصيبة، ويعمل حالياً على هيكلة الحزب وتحديثه بما يتناسب ووضع المؤتمر كحزب لم يعد الحزب الحاكم.. ما تعليقك؟
- انا احترم واجل وأقدر الأخ العزيز المناضل صادق بن أمين ابو راس فهو نبع صادق ومن القيادات المجربة، والمشهود عفته ونزاهته وحرصه على حماية الثوابت الوطنية، ومن المناسب في هذا اللقاء أن أقول عندما تقدم المجتمع المدني ممثل في هيئة تنسيق التحالف المدني للسلم والمصالحة الوطنية لتقديم مشروع الحوار اليمني - اليمني، كنا قد ألتقينا بالشهيد صالح الصماد رحمة الله عليه، واقولها صادقاً رحمة الله عليه لأننا عندما التقيناه وضعنا بين يديه مسودة لبرنامج عمل وطني تستند إلى منهج الحوار اليمني اليمني، ليتكافأ اليمنيون فيما بينهم، ويتعاونوا على البر والتقوى، ويتجاوزوا محنة الاصطفافات التي كانت للأسف الشديد امتداداً سرطانياً للخارج،وحين التقينا بالشيخ صادق ابو راس، لنضع بين يديه نفس التصور الذي وضعناه بين يدي الشهيد الصماد، قال لنا وبحزم لا حدود له كل ما نريد وكل ما ما نتغياه ونتطلع إليه من أسس ومنطلقات للحوار اليمني - اليمني تتمثل في مرتكزات ثلاثة، الثورة ، الجمهورية ، الوحدة اليمنية، هذه المرحلة تطلب بصدق وبشجاعة وبوعي واستحضار عوامل القوة وعوامل الضعف، في التنظيم الوطني العملاق المؤتمر الشعبي العام، أن نبحث عن ألف صادق، أن نبحث عن مجموعة القيادات التي تلتقي حول المرتكزات الثلاثة، الثورة والجمهورية والوحدة أولاً، ولا يمنع من أن نترك مساحة واسعة للاختلاف، التباين في تقييمنا لتجربة المؤتمر الشعبي العام مساحة لابد ان تكون، لأن تجربة المؤتمر ارتبطت بأمور صحيحة وأمور وقع فيها الخطأ، لسنا بصدد البحث عن معالجة الأخطاء ولكننا بصدد رسالة وطنية عظيمة في هذه المرحلة كيف يتوقف نزيف الدم، كيف نتجاوز محنة الإقتتال، الذي ندمر فيه مقدرات هذا الوطن، وكيف نتجاوز مرارات وآلام الاقتتال الدائر في أكثر من منطقة في الداخل، ونتجاوز محنة الاعتداء من الخارج، كيف لا نعطي ذريعة للخارج لكي يقتلنا، ويدمر مقدراتنا ونتجاوز مهام عدد من القوى السياسية أو أسميهم أمراء الحروب الذين يحضرون لمشاريع التمزيق، ومشاريع تخريب الوحدة الوطنية، وتجزئة اليمن إلى يمنات، وهذه مشاريع معلومة ومعروفة ولكنها لا تزال إلى حد ما مستترة وراء جدر للأسف الشديد وهي جدر هاوية متصدعة لا ترتقي إلى أن تكون جزءاً من بناء وطني عظيم يشيده اليمانيون في عدن وفي الساحل الغربي وفي صعدة وفي صنعاء والمهرة وسقطرى.
فنحن نشد على يد الشيخ المناضل صادق أبو راس، وندعوه من موقعه رئيس المؤتمر الشعبي العام، إلى أن يبادر لدعوة كل المؤتمريين في الداخل وفي المهجر، ويقول لهم القاسم المشترك بيننا الثورة والجمهورية والوحدة، وحسبنا أنه سيواجه جملة من الصعوبات ولكنه سيجد المدد من المجتمع المدني ومن العشرات بل المئات من أحرار وحرائر المؤتمر الشعبي العام في الداخل كل الداخل في صنعاء وصعدة وحضرموت وتعز وعدن، وفي المهرة ، كما أنه سيجد المدد من مهاجر المؤتمريين المختلفة، ولابد من محددات عامة لدعوة الأخ العزيز صادق أمين أبو راس، لتحديد المواقف من الصراع الذي شهده اليمن خلال السنوات العشر الماضية أمر مؤجل، ولابد أن نستعيد الحد الأدنى من حماية الثوابت الوطنية لنكون قاب قوسين أو أدنى من التوافق الوطني على ان نعود إلى طاولة الحوار اليمني - اليمني بعيداً عن كل الإملاءات التي تفرضها عوامل الاستقواء التي كانت ولا تزال هي حجر العثرة في طريق اليمنيين على التوافق ألا وهو الاستقواء بالخارج، الاستقواء بالخارج يجب أن يكون في إطار الدولة اليمنية القوية الراسخة لنتعاون على البر والتقوى، أما استقواء أحزاب ومكونات سياسية بالخارج فما هو إلا تصدع وتمزق للنسيج الوطني.
* تقودون منذ سنوات محاولات عدة للنأي بالملف الاقتصادي ورواتب الموظفين عن الصراع، هل بالامكان اعطاؤنا لمحة بسيطة عن عمل الهيئة؟
- هذا الملف يجسد العمل الوطني بحق وحقيقة، فقد كانت البداية الأولى في مطلع 2016 للسعي لإصلاح منظومة الكهرباء التي افتقدت بسبب الحرب والصراع، وتوجهنا والحمد لله إلى محافظة مأرب، وعقدنا سلسلة من اللقاءات مع مختلف الجهات ذات العلاقة والإختصاص، وتمكنا والحمد لله من التوافق على إعادة منظومة الكهرباء من خلال حوار قيمي أخلاقي مع القائمين على الكهرباء في صنعاء وفي مأرب، وتم إصلاح المحطة الغازية وتركيب شبكة الضغط العالي حتى وصلت إلى فرضة نهم، وانتقلنا والحمد لله بجهد دؤوب مع كل القيادات في صنعاء وعدن لكي تستأنف صرف معاشات المتقاعدين العسكريين والمدنيين والأمنيين، وتكللت جهودنا والحمد لله بنجاح مشهود في استعادة صرف معاشات المتقاعدين المدنيين، وفشلنا في استعادة صرف رواتب المتقاعدين العسكريين والأمنيين لأسباب خارجة عن إرادتنا، وبحمد الله تم التوفيق في استعادة صرف مرتبات التربية والتعليم والصحة والقضاء بجهود متعددة من كثير من الفعاليات والقوى ونحن أحد هذه الفعاليات الوطنية، وسعينا بكل جهد إلى أن ننأى بالملف الاقتصادي عن الصراع وكان هذا جهداً بالتعاون مع الغرف التجارية والصناعية ، ونقول والحمد لله كانت الرؤية بالغة الوضوح أننا في الساحة اليمنية نختلف في إدارة شؤون الدولة ولكن يجب أن يكون توافقنا على المصالح الاقتصادية أمراً قائماً، بدءاً من استمرار حركة السير والانتقال بين المحافظات مروراً بتحييد إنتاج وتصدير النفط، وتخصيص عوائد النفط والغاز لخدمة المجتمع والتنمية والوفاء برواتب الموظفين والجهاز الإداري للدولة، والقوات المسلحة والأمن، وهذا الملف هو من الملفات التي ينبغي في هذه المرحلة أن تتسابق بقية القوى والفعاليات الوطنية بوعي ومسؤولية واستشعار لما تبقى من القيم الأخلاقية والدينية التي لابد أن تكون قاسماً مشتركاً بينها، فلا يجوز في يمن الإيمان والحكمة أن يبلغ الفقر أشده وأن يصل العوز إلى هذه المستويات التي تصنفنا بعض المنظمات الدولية بأن 85٪ تحت خط الفقر، فالجوع كافر، وكما قال الإمام علي لو أن الفقر رجلاً لقتلته، هل يمكن للقوى والفعاليات الوطنية أن تتوافق على ما تبقى من الحد الأدنى من القيم والثوابت الوطنية، فالغاز والنفط خير للوطن كله، والموانئ كلها من خيرات هذا الوطن، وبالتالي لابد من الأخذ بمبادرة التحالف الوطني للسلم والمصالحة الوطنية التي قدمت تصوراً واضحاً ومعلوماً مرتفعاته الوطنية لخير الوطن ولمستقبل أبنائه.. خيار استمرار الحرب الداخلية والعدوان الخارجي ليس خياراً وطنياً، إنه أسوأ الخيارات أمام تعثر الوصول إلى حلول موضوعية لهذا الصراع، ومن بين الحلول الموضوعية التسليم المطلق بأن كل ما يتعلق بالنظام السياسي الذي نختاره هو ما نتوافق عليه، من خلال حوار وطني صادق موضوعي تقدم فيه الأسس والمنطلقات لتحقيق الخير للجميع وتتكافأ العلاقة ما بين المركز والأطراف، ومن الحقائق التاريخية التي لا يستطيع المتحاورن والقوى السياسية أن تتنصل أو تتبرأ منها أن العلاقة بين المركز والأطراف علاقة تكافؤ وندية وتعاون وشراكة فإذا ما اختلت هذه العلاقة بين المركز والأطراف شهد الوطن الدمار والخراب وهو ما نعانيه في هذه المرحلة المثقلة بغبار وبارود المركزية المفرطة، وفيروسات التجزئة ومشاريع الإنفصال التي تعتبر اللعنة التي أصابت عدداً من القوى والفعاليات في الساحة اليمنية التي تهرول نحو الانفصال ولكننا نقول لا يزال الوطن في حده الأدنى من التماسك، فلقد فشلت المشاريع الصغيرة ومشاريع الهرولة نحو الانفصال وظل الوطن بفكر وقيم مشتركة تنشد النظام والقانون وتنشد الدولة الحارسة للحقوق والحريات المحققة للعدل والمساواة والمعززة للتنمية المستديمة للوطن كل الوطن.
* هل لمستم تجاوباً إيجابياً أثناء زياراتكم المتكررة الى عدن، وإلامَ توصلتم حتى اليوم؟
- نصدقك القول ونصدق القارئ الكريم في صحيفة الميثاق الصوت الحر النقي الصافي، بأننا وجدنا استجابات عظيمة ومبشرة بالخير، ففي زياراتنا في محافظة مأرب وجدنا من القلوب البيضاء النقية الصافية الذين استجابوا لاستعادة مشروع التوليد الكهربائي، واستجابوا للاستمرار في ضخ ما يتوافر من الغاز والنفط لخدمة مشاريع الكهرباء وهذه شهادة في هذا الشهر الكريم نقولها بأمانة ومصداقية، مثلما وجدنا وفاءً منقطع النظير من قيادة وزارة الكهرباء في صنعاء عندما استمرت في إمداد محافظة مأرب بمعدات واجهزة المحطة التحويلية التي جرى ويجري استكمالها في محافظة مأرب، كما وجدنا استجابة عظيمة وبالغة التميز في عدن عندما قابلنا أحمد عبيد بن دغر وهو في موقع رئيس الوزارء، وعرضنا عليه جملة من الهموم كان أهمها واجلها استعادة صرف معاشات المتقاعدين العسكريين والمدنيين والأمنيين، كما عرضنا جملة من القضايا المتصلة بحقوق موظفي الجهاز المدني وجهاز الأمن والدفاع لاستعادة مرتباتهم خاصة وأن نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن كان قد وقع ضمن التزامات مشهودة محلياً ودولياً باستمرار الوفاء بتقديم ما يلزم من الحقوق القانونية وغيرها، والشيء الثاني الذي يجب أن أشير إليه بوضوح ومصداقية حين نلتقي بأي طرف من الأطراف السياسية، بمن فيهم المجلس الانتقالي ومكون أنصار الله كان الجميع يتوافق معنا جملة وتفصيلاً ولكنهم للأسف الشديد يضعون بعد أن نتوافق على كل شيء مفردة (لكن) ولكن في العمل السياسي عند الأحزاب والتنظيمات اليمنية هي الشر المستطير، بعدها نسف وعصف وتدمير لكل ماسبق، ويعود ذلك لضعف الثقة بين المكونات السياسية، ولذا يجب تقوية وتعزيز الثقة بين مختلف المكونات والبحث عن السبل التي تعين على تجاوز حالة الخوف وحالة الرعب والريب من الثأر والانتقام من بعضنا البعض.
فاتفاق المكونات السياسية أمر يسير، لكن بناء الثقة وخلق التطمينات الحقيقية للجميع هو الأمر الذي يستحق الجهاد الفعلي والحقيقي لكي نتعامل بالصفح ولكي يتعاون الجميع لجبر الضرر والأنفس التي اكلمت في فترة الصراع، فالعفو من شيم الكرام ولكن بالمقابل إعطاء وإعادة الحقوق وتعويض المكلومين والمتضررين كل المتضررين وبالذات خلال العقد الماضي الذي كثرت فيه الجراحات والاستباحة للدماء والمقدرات.
* ما أبرز المعوقات التي تقف أمام عمل هيئة التنسيق؟
- أبرز المعوقات أقولها بصراحة، أعداد غير قليلة من القيادات والقمم والجبال النامية في الوطن اليمني، متوارية عن الأنظار، أبعدت نفسها عن تحمل المسؤولية التاريخية في هذه اللحظة الحاسمة، العشرات بل المئات من القيادات غادرت الوطن، وإن وجدت داخل الوطن فقد غادرت الهم الوطني الذي يجعلها تتحمل جزءاً من المسؤولية، ليس هناك أهم ولا أجل ولا أعظم من تحمل مسؤولية وقف الحرب وكبح جماع العدوان.
أما المعوق الثاني فهم أمراء الحروب، هؤلاء من يكسبون المال والجاه وتقطر من أياديهم الدماء في كل مكان، وبالتالي فهم المعوق الثاني للانتقال إلى السلام، وهذا أمر يتطلب أن نبحث عن الوسيلة التي تجعل الشعب اليمني بين خيارين (خيار إستمرار القتل والاقتتال وبقاء أمراء الحروب في قمم النيران المشتعلة، أو أن نمنحهم وعداً صادقاً بأن نقول لهم كفى توقفوا ولن ينالكم من الشعب اليمني إلا حسن سلوككم وعودتكم إلى الوفاق والوئام بنفس قوة بطشكم وكفاءاتكم في إشعال الحرائق، عودوا إلى السلام والوئام والوفاق بعيداً عن البندقية والرشاش والمدفع واجنحوا للسلام.
أما العامل الثالث وهو أقوى العوامل، كيف نتصالح مع المجتمع الإقليمي والدولي، كيف ننأى بأنفسنا عن الرضوخ لمشاريع الخارج، كيف ننأى بأنفسنا عن الاستسلام للخارج الذي يبطش بنا ويمد مطرقته وسندانه ليجعلنا حطاماً تذرونا الرياح، ونتيجة لما سبق يجب أن ننشد السلام وندافع عنه، ولنجعل السلام خياراً وطنياً إقليمياً دولياً، ومن ثم الانتقال إلى قراءة المرتفعات الوطنية للحاضر، وأقصد بالمرتفعات الوطنية للحاضر، أننا في وطن عظيم يمتلك من الإمكانات والمقدرات والموارد ما يمكنا من أن نعيش أحراراً كرماء سعداء بخيراته وموقعه الجيوسياسي، ونعيد جسور الثقة والعلاقة العظيمة بين الوطن ومحيطنا الاقليمي وفضائنا الدولي، وهذه مهمة لا يمكن القيام بها بمعزل عن العلم وعن القيم الإنسانية والأخلاقية ليمن الإيمان والحكمة والفكر، لهذا الوطن الذي كان المنطلق الأول للحضارة البشرية، والمكان الأول للوجود البشري، وهذه حقائق علمية جسدتها بحوث ودراسات مأصلة ولعل أعظمها ما حققه الاستاذ الدكتور علي محمد الميري، أحد أعضاء المؤتمر الشعبي العام، عندما قدم دراسته العلمية عن المجتمعات البشرية الأقدم في التاريخ وفي الوجود الحضاري والتي أعلنها في 2009 في مركز منارات للدراسات التاريخية واستراتيجية المستقبل ولفتت أنظار العالم كله.
نحن بحاجة لاستعادة ما هو عظيم في تاريخ اليمن، ونتجاوز حالة الركون إلى التاريخ لننطلق بأفق عظيم يرتكز في تعزيز المنجزات وفي إعادة بناء جسور المودة مع كل الهجرات اليمنية التي تملأ الدنيا بدءاً من أسيا وافريقيا وانتهاء بالعالم الجديد.
* ما رسالتكم لمختلف القوى السياسية في اليمن؟
- رسالتي التي أوجهها لمختلف القوى السياسية والمكونات الوطنية، أن المعركة الحقيقية التي تنتظر الجميع هي معركة البناء، معركة الاستقرار، معركة الاستثمار لهذه الثروات والموارد، وإذا كانت الحرب قد أكلت الكثير، فإن الأكثر لا يزال قائماً، ولا تزال الفرصة متاحة لأن نشترك في إعمار الوطن، وأن نجعل الخيار الأعظم والأكرم هو السلام والمصالحة الوطنية القائمة على جبر الضرر والتكافؤ وحسن الاختيار للنظام السياسي الذي يجب أن تتلاقى فيه أفئدة منهم في مركز الدولة ومنهم في أطرافها، وتجارب الوطنية تعيننا وتدلنا على الحق الذي لابد أن يجسد على أرض الواقع، فإذا كانت التجربة الوطنية العملاقة ممثلة بالحركة التعاونية ويذكرها ويعلم بمفرداتها الأخ رئيس المؤتمر الشعبي العام من موقعه كأحد قيادات العمل التعاوني عندما انتقلنا من المركزية المالية والإدارية إلى اللامركزية المالية والادارية لنحدث حراكاً مجتمعياً واعداً ومساهمة مجتمعية فاعلة لإحداث حركة التنمية وهو ما تحقق، فالمركزية شر مستطير، واللامركزية بدون ضوابط أيضاً شر مستطير، ولذا لابد من الجمع في النظام السياسي الذي يؤلف القلوب في مناطق الأطراف مع مركز الدولة لنكون وطناً وشعباً متكاملاً متعاوناً على البر والتقوى متساوين في الحقوق والواجبات.
* من وجهة نظرك هل أيقنت كل الأطراف بضرورة التوصل إلى حل سلمي، أم مازال الرهان العسكري قائماً؟
- لديَّ القناعة المطلقة بأن جميع الأطراف اليمنية التي أشتركت ومشتركة في الصراع موقنة بذلك، باستثناء التي مددها من الخارج، التي تتلقى الدعم اللوجيستي والمادي والمعنوي والنقدي من الخارج، لم تصل إلى مرحلة اليقين لأنها مرتهنة، ولأنها غير قادرة على أن تتحرر من بطش الخارج، ذلك لأن المشاريع الإقليمية التي تتصارع لديها مخالب ولديها قوى محلية وإقليمية تدعمها وتساندها وتصور لها أفعالها الدموية في وطنها بأنها جهادية وأعمال كريمة، وهي غير كريمة وغير جهادية إنما هي مزيد من البطش والدماء والخراب للنفوس ولمقدرات هذا الوطن.
* ما متطلبات تحقيق السلام في اليمن؟
- المتطلب الأول أن نؤمن بأننا شركاء في هذا الوطن متكافئون متساوون ليس هناك فيه لا سادة ولا عبيد، وإنما كلنا عباد الله نؤدي واجبنا ودورنا المكلفين به في عمارة الأرض، وعمارة الأنفس، وبناء مقدرات هذا الوطن، والنأي به عن أي استبداد أو تدخل خارجي بحزم وعزم وإخلاص وتجرد عن العصبيات التي ما انزل الله بها من سلطان، والاخذ بمبادرات المجتمع المدني كونه أكثر القوى عدلاً وكمالاً وإنصافاً وقدرة على صناعة السلام، لأنه ليس طرفاً في السلطة ولا طرفاً في المعارضة فالمجتمع المدني هو صاحب الصوت الأوضح والأصدق والأفضل في واقع المجتمع ومفرداته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والأمنية والدفاعية، وهنا فالكل مطالب بالتجرد عن التبعية للخارج، وان يعملوا بصدق وإخلاص وتعاون على الخير والبر والتقوى لخدمة الوطن والشعب الذي يستحق الحياة الكريمة المشرفة.
* كلمة أخيرة تود قولها
- أناشد كل الأحرار والحرائر في مختلف القوى والتنظيمات السياسية أن يستشعروا الخطر الذي يعيشه الشعب اليمني، خطر الدماء التي تنزف في كل مكان، خطر الفقر والجوع والمرض، خطر انقراض الدولة، خطر تفتت النسيج الوطني وانهيار يمن الإيمان والحكمة والفكر.
|