استطلاع / عبدالرحمن الشيباني - دأبت بعض القنوات اليمنية وحتى العربية منذ وقت طويل على تقديم برامج تلفزيونية تسلط الضوء على معاناة الناس، وتلمس احتياجاتهم وتقديم العون لهم للتخفيف من وطأة الحاجة والعوز الذي طالهم، لكن فى الوقت نفسه هناك أهداف اخرى خفية تقوم بها هذه القنوات التى تسوق للشركات وتحويل مفهوم الخير والعطاء إلى تجارة ولأهداف إعلانية وتسويقية عبر شاشاتها للوصول إلى عقول الناس وضمائرهم.
لا يخلو الأمر هنا من البحث عن وجاهة اجتماعية حتى ولو على حساب الناس وحاجاتهم وفقرهم وهذا يعتبر من أحط انواع الاستغلال الإنساني ، وهذا ما يحدث للأسف الشديد وخصوصاً فى شهر رمضان المبارك الذي يكثر فيه المحسنون ورجال الخير.
يرى اختصاصيو علم الاجتماع أن البحث عن الشهرة إعلامياً من خلال توزيع المساعدات على الفقراء، وذكر اسم المكان أو الشخص المتبرع أعمال "تنم عن منظومة مجتمعية ومهنية متردية"..
أما علماء النفس فينظرون الى أن الطفل اليتيم أو الفقير، كباقي الأطفال لديه مشاعر، ويفرق بين التعامل الطيب وتعامل الشفقة ، وتؤكد شعوره بحرج كبير وضيق من تصرف بعض مقدمي المساعدات أمام الناس أو على شاشات التلفزيون أو أمام زملائه في المدرسة والحي، وهذا لا يعني توقف المساعدات على المحتاجين، لكن أن تصبح الطريقة مختلفة.
ويعطون مثالاً أن من أراد تقديم مساعدات أمام طلاب المدرسة لا ضير من تقديم هدايا عينية لكل طالب موجود، بالإضافة لمن هو معني، ولا يكون هناك أي تأثير سلبي على حالته النفسية.
مشيرين إلى أن شعور الطفل بأنه أقل من غيره يضعف شخصيته ويعزز لديه سلوك معاداة المجتمع.
طرق أخرى
بأسلوبه الساخر يكتب الصحفي عمر القاضى حول "كاميرات الاشهار" وتعليقا على أحد البرامج الذي يبث فى إحدى القنوات المحلية بقوله :
ياخبرة الفقراء والمحتاجون عزيزو نفس وكرماء ومش ناقصين للدردحة حق المدردح يعني لانهم فقراء ومدقدقين (فقراء) ضروري تعرف بهم عند أمة محمد.. ساعدهم سكتة وابعد النظارة حقك ايش المقصد انك تعرض الفقراء على القناة وانت تساعدهم ، مبرركم انه عشان يتفاعل فاعلو الخير ويدعموا البرنامج مش مقبول.. يتفاعلوا ولا عمرهم تفاعلوا.. والذين يدعمو البرنامج لابد يكون دعمهم سكتة (بصمت) وعبر الثقة مع القائم ومقدم البرنامج وبدون شروط. مش ضروري تعرض الفقراء وهم يستلموا المساعدات عشان تثبت للداعمين انهم استلموا.. تقدر توثق هذا العمل الخيري عبر ألف طريقة افضل ولاتجرح الفقراء ولا تدردح بهم "..
وتابع القاضى بالقول: " مثلاً بعد معرفتك من هم المحتاجون والفقراء تقدر تنزل تساعدهم عبر سؤال معين وتغششهم انت بالاجابة سكتة ويجيب عليه الفقير وتساعده بدون بكاء واكشن ودردحة امام الناس.
المتاجرة بالكرامة
أما الأستاذ/ ماهر المتوكل (صحفي) فيقول: إنه يجب محاكمة المتاجرين بمعاناة المعوزين.. مضيفاً: انه يشعر بالحسرة والالم لان هذا الامر يمس كرامة الإنسان ومشاعره حيث يقول " اشعر بالحسرة والالم كونك تطرقت لأمر جداً حساس ويمس كرامة ومشاعر الناس الذين يقوم البعض بتحويلهم لادوات للابتزاز والشهرة والارتزاق والابتذال واهانة المحتاجين ومن جار عليهم الزمن وقد يكون الامر اهون واخف وطأة ومضاضة من ذكر اسماء الناس واحوالهم ومصابهم في الاذاعات كون الاذاعات لاتمكنك من مشاهدة الشخص والاسماء تتشابه عندنا"..
ومضى المتوكل قائلاً: "ولكن قمة السخف والاحتقار لبعض المتنطعين الباحثين عن الشهرة على حساب تعرية الناس المبتلين بالعوز او المرض اوالديون او غيرها ممن ابتلاهم الله واظهارهم وبالصوت والصورة وامتهانهم وكشف عوراتهم وبساطة منازلهم من الداخل والحالة المرثية لاوضاع بعض الناس للتسول واستغلال عواطف اليمنيين واليمنيات بالخارج كوننا شعباً عاطفياً لتحقيق اكبر قدر من المكاسب، والشهرة بامتهان الفقراء وزيادة آلامهم واعلان وضعهم وبؤسهم بالصوت والصورة.
إذلال الفقراء
"تتحول المساعدات إلى وسيلة إذلال وانتهاك لكرامة الانسان اذا ماتم تصوير ونشر من يتم تقديم المساعدة لهم" بهذه الكلمات يعلق الناشط الحقوقي والاعلامي الاستاذ /عبدالرحمن الزبيب حول الموضوع قائلاً: "طالبنا مراراً بوجوبية تعديل آلية البرامج التي توثق وتنشر معاناة الفقراء وتقوم بإذلالهم بنشر صورهم وان يتم اخفاء صور وأسماء المستفيدين من المساعدات وان تكون البرامج تحفيزية للتبرع وبالإمكان إظهار المتبرعين بدلا عن المستفيدين وتوضيح القصص الانسانية ومعاناة الفقراء دون ذكر أسماء أو صور..
المساعدة المغموسة بإذلال الفقراء تضيف إلى معاناتهم القهر والشعور بانتهاك كرامتهم الانسانية ، وبدلاً من أن تهدف المساعدة إلى حفظ كرامة المحتاجين تذبح كرامتهم بكاميرا الفضح والتشهير..
وأضاف: كنا نرجو من القنوات الفضائية التي تمارس الفضح والتشهير بالفقراء واذلالهم توقيف هذا الاجراء الخاطئ ففي نفس الوقت الذي تمتنع القنوات الفضائية عن التشهير وتوضيح أسماء الفاسدين الذين أفسدوا ونهبوا أموال الشعب.
حملة شعبية
ويتابع الزبيب : نلاحظ أن نفس القنوات الفضائية تمارس إذلال وانتهاك كرامة الفقراء وتحويل مشاهد إذلال الفقراء بالمساعدات إلى مصدر لجني الارباح حيث يقال إن ميزانية تلك البرامج كبيرة جداً ويأخذ الملايين منها المذيعون وفريق البرنامج ويمنح الفتات للفقراء بمساعدات مغموسة بالذل والتشهير والاستهتار.
داعياً الى اطلاق حملة شعبية للمطالبة بإيقاف هذه البرامج حيث قال: "نرجو إطلاق حملة شعبية للمطالبة بإيقاف هذه البرامج المذلة والمنتهكة لحقوق الإنسان وكرامته وان يواكب ذلك رفع دعاوى وقضايا ضد هذه البرامج والقنوات الفضائية التي تحط وتنتهك كرامة الانسان المستضعف الفقير والمتاجرة بأوجاعه واحتياجاته وتقديم عرائض مجتمعية لإيقاف هذه البرامج للجهات المختصة.
وسطاء الخير
الخير عمل انساني يرجو منه فاعله ابتغاء مرضات الله خصوصاً ونحن فى شهر رمضان وليس وسيلة للاستعراض والمتاجرة بآلام الناس واوجاعهم.
كم ستكون الصدقة مقبولة وهي تأتي تحت جنح الظلام او عبر وسطاء مشهود لهم بالنزاهة والعفة وليس تحت الأضواء الكاشفة وامام اعين الناس ، أصبح العمل الخيرى اليوم يدار بشكل مؤسسي وعبر أطر قانونية وبحثية وانظمة وقاعدة بيانات تستهدف الفقراء والمعوزين وتعطيهم الأولوية بشكل حقيقي بحيث تذهب أموال رجال الخير والداعمين إلى أصحابها وقبل هذا كله نابع من شعور انساني.. نابع من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي يحث على التراحم والتكافل ، وليس بالمشهد الاستعراضي الذي نشاهده اليوم عبر بعض القنوات التى همها الأول كم ستجني وكم هي الدقائق التي سيظهر بها المنتج على الشاشة والتكرار وتحت قاعدة (يجب ان لا تفعل الخير فقط بل يجب أن يعلم به الآخرون)، ولو بأسلوب مهين.
استغلال مكشوف
ينطبق على ما تفعله قوى العدوان من خلال ما يسمى بمركز الملك سلمان للإغاثة والهلال الأحمر الإماراتي الذي يقوم بتوزيع مواد غذائية منتهية الصلاحية بحضور رهط كبير من المصورين لاذلال الناس والمن عليهم ناهيك عن الأهداف السياسية التي أصبحت مكشوفة وتحت الغطاء الإنسانى والخيري .. اليمنيون اليوم لا يحتاجون مساعدات بقدر ما يريدون وقف العدوان وإنهاء الحصار فبلادهم وما يجود باطنها من خيرات كفيلة بإطعام الجميع.
الشيخ/ داوود ابراهيم القديمي يقول: إن صدقة السر لها أثر كبير فى النفس مقارنة بصدقة الجهر بها لكن الأعمال بالنيات فمن كان يريد الشهرة ذهب الأجر وان كانت نيته صادقة فله الاجر أيضاً، ويستشهد الشيخ داوود بحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم »إن صدقة السر تطفىء غضب الرب«.
|