أحمد الزبيري - خسرت اليمن الشيخ أمين بن حسن قاسم ابو راس في مرحلة بالغة التعقيد والحساسية في تاريخ الشعب اليمني نتجت عن أحداث دراماتيكية ذات طابع مأساوي لها تأثير مصيري في تاريخ اليمن المعاصر ليكون رحيله في هذه الفترة خسارة لما كان يمثله من ثقل قبلي وسياسي وطني كبير ومن مواقف نضالية من أجل سيادة ووحدة واستقلال وطنه وشعبه وتنميته وتطوره وازدهاره ، مجسداً ذلك عملياً في كل سيرته التي هي امتداد لمسارٍ خطه آباؤه وأجداده من بيت أبو راس عبر التاريخ اليمني بصورة عامة ومنذ مواجهة الغزو التركي وفي مراحل الحكم الإمامي وصولاً إلى مراحل الدفاع والانتصار للثورة اليمنية »26 سبتمبر و 14 أكتوبر« وفي فترة الانحرافات التي مر بها النظام الجمهوري وحتى خسارة اليمن له في 13 مايو 1978م.
ولأن الشيخ أمين ابو راس كان من هذا الشعب ولهذا الشعب لم يكن من اولئك الباحثين عن مصلحة شخصية أو قبلية أو حزبية مع أنه بحكم مركزه الاجتماعي على رأس قبيلة بكيل كان يستطيع أن يحصل على أكثر مما حصل عليه غيره من الشخصيات الاجتماعية القبلية لأن همه وقضيته كانت أعلى ، لهذا لم تنجح محاولات تغييبه عن مسيرة الشعب الكفاحية من أجل اليمن.
لقد كان الشيخ أمين ابو راس شجاعاً مقداماً ليس فقط في مقارعة أعداء اليمن بل وفي مواجهة الظلم والطغيان والفساد في كافة مراحل حياته النضالية ، وهناك الكثير من المواقف الموثقة التي تؤكد عظمة ونبل هذه الشخصية التي كانت دوماً منحازة إلى الشعب اليمني وتطلعاته في الحياة الحرة الكريمة ، ومن تلك المواقف مواجهته وتصديه للصراعات والمؤامرات التي شهدتها مراحل الدفاع عن ثورة الـ 26 من سبتمبر في سنواتها الأولى وفيما بعد بشكل مباشر أو عبر مراسلاته التي وجهها للنظام الإمامي وللقيادات في فترة الجمهورية.
وهناك الموقف الأهم تجاه الوصاية الخارجية على الشعب اليمني محذراً في هذا الاتجاه من النهج السعودي تجاه اليمن بعد المصالحة اليمنية التي عبرت عنها العديد من المؤتمرات كمؤتمر حرض وريدة وخمر والجند والتي كان فيها الشيخ أمين ابو راس على رأس القوى الوطنية الحريصة على مصالحة يمنية حقيقية بين اليمنيين تمنع التبعية والخضوع للقوى الخارجية ، مستوعباً خطورة المساعي السعودية في هذا المنحى وأدواتها في الداخل.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن موقفه ضد التدخل السعودي لم يكن عدائياً عدمياً بل ساعياً إلى علاقات أخوية تتسم بالندية وتخدم النماء والتطور والاستقرار للبلدين الجارين والشعبين الشقيقين وهذا ما جسدته رسالته للملك فيصل بعد المصالحة اليمنية برعاية سعودية في نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات من القرن الماضي والتي كان فيها ناصحاً وداعياً إلى ما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين البلدين الجارين مستشرفاً المصلحة الحقيقية للبلدين والشعبين، حريصاً على أن يكون جوهر هذه السياسة عدم التدخل في الشئون الداخلية وأن يكون التعاون والدعم بين الدولتين بما يحقق النهوض بالشعب اليمني في مجالات التنمية والتطور الاقتصادي والتعليمي وليس لشراء ولاءات الشخصيات الاجتماعية والقبلية وعلى نحو غايته إبقاء اليمن ضعيفاً ، معتبراً أن مثل هذا النهج لا يخدم اليمن ولا السعودية ولا الاستقرار في المنطقة.
وقد خاطب الملك فيصل في هذه الرسالة بقوله :" إن الشعب اليمني كل الشعب اليمني من شماله وجنوبه لم يعد قادراً على استيعاب الأفكار الخارجة عن عقيدته وتقاليده ".
مواصلاً :" إن هذا الشعب عبر مراحل نضاله الشاق يقيم كل الأعمال على ضوء نتائجها وأبعادها وأصبح المواطن العادي على درجة عالية من الوعي والحرص الوطني الذي يؤهله لإدراك كل الخطوات التي تشكل الطابع العام لعلاقة هذا البلد أو ذاك مع اليمن ، ولذا أرى إنطلاقاً من هذا المفهوم أن الأعمال المجسدة في المشاريع الحية ممثلة بالمدارس والمستشفيات والطرقات.. الخ، هي خير ما يمكن أن يقدم لهذا الشعب في صراعه الشاق أما المساعدات والهبات التي تهدف إلى تدعيم موقف هذا الشخص أو ذاك فإنها سوف لن تأتي إلا بنتائج عكسية لنوايا الخير والإصلاح ، وبصراحة (ولأن) الشعوب هي التي تصدر احكامها في النهاية فيما يتعلق بعلاقتها بهذا البلد أو ذاك".
ويمضي الشيخ أمين ابو راس في رسالته إلى الملك فيصل بالقول :" إن تدعيم الأشخاص (ياجلالة الملك) أياً كانت هويتهم عمل غير صالح في وجهته السلبية لا الإيجابية القريبة والبعيدة .. وهذا ما اخشاه أنا شخصياً وما لا اريده على الاطلاق".
ويختتم رسالته بالقول :" وعليه أكرر القول بأن اليمن من وجهة نظر كل يمني مخلص مؤمن فوق الجميع وما عداه هو الزائل والفاني".
وهكذا لو كان النظام السعودي قد أخذ بهذه النصائح وكذلك لم يتورط بعض اليمنيين الذين ارتموا في احضان هذا النظام ومشاريعه الخاطئة في اليمن لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه والأثمان التي دفعها الشعب اليمني وسيدفعها النظام السعودي اليوم وبعد سنوات عدوانه الإجرامي الوحشي الذي دخل عامه السابع.
من المهم في ختام الإطلالة على هذه الشخصية الوطنية المناضلة العظيمة أن نشير إلى الجانب الأهم وهو أن الشيخ أمين ابو راس كان شخصية جامعة وقاسماً مشتركاً يلتقي عند مواقفه ورؤاه الوطنية كل اليمنيين على اختلاف مشاربهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية الوطنية والقومية اليمينية واليسارية التي تضع نصب عينيها مصلحة اليمن وحاضر ومستقبل أبنائه.. وهكذا يكون الشيخ أمين ابو راس رمزاً للوطنية التي نفتقدها اليوم ؛ وفي هذا الجانب يطول الحديث.
|