يحيى حسين العرشي - ومضت العقود الثلاثة منذ أن أشرقت عليكم في ذلك اليوم البهيج.. فاجأت العالم من حولنا.. وربما فاجأت البعض منكم في وطني.. قدمت لكم في طبق من ذهب ما أردتموه من ثورتكم في 26 سبتمبر عام 1962م و14 أكتوبر 1963م، وأهم أهدافهما الخيار الديمقراطي، جوهر إنجازكم باستعادة وحدتكم تحررتم من كل قيد على أسنتكم، وعلى أقلامكم، وعلى أفكاركم وخياراتكم السياسية.. حريتكم هي حياتكم.. هي ثورتكم.. هي وحدتكم..
صدقتم مع الفرصة، ومارستم حقكم الطبيعي في وطنكم، تعددت الآراء، والأقلام، والصحف دون حسيب، وتنقلتم في وطنكم بحريتكم من أقصاه إلى أقصاه دون رقيب، بل تعرفتم على أنحاء الوطن ولأول مرة.. الجبال والشواطئ والجزر يصحبكم كباركم وصغاركم.
ظهرت عليكم في ضوء الشمس نهاراً ونور القمر ليلاً، لم أكن سراً من أسرار المرتزقة والعملاء، ولم أظهر من فراغ كما يحلو للبعض أن يبرروا فشلهم هم - خطوات وطنية وحوارات طويلة صادقة، وقناعات مكتملة، أوصلتني إليكم.. بنضالكم أنتم لأنني منكم وإليكم ومن أجلكم وليس من حق شرذمة منكم أن تدعي هوية غير يمنية كما أنها ليست مفوضة للبيع والشراء وتجزئة الوطن.
أخطاء من تولى الأمر منكم، سلبيتكم، جعلت تلك الأخطاء تبقى دون إزالتها أو تصحيحها، امتداداً لتاريخ الاستبداد الطويل واعتياد الفساد الكبير، وهذا ذنبكم أنتم.. فتعرضت للإجهاض، لكني تمسكت بأحشاء أمي.. بوطني.. باليمن.
اليوم ونحن في العام الواحد والعشرين بعد الألفين وأنتم تتحدثون عني باستحياء.. وتتذكرون انتصاركم الوطني، يومكم الخالد الثاني والعشرين من مايو 1990م، دون أن تقدموا لهذا الإنجاز بأفعالكم وأقوالكم ما ينقذ وطنكم من حرب ضروس. ألا ترون أنكم وقعتم في حبال كل الشياطين التي أحكمت خيالها عليكم منذ سبع سنوات.. تتوهمون الحق وأنتم تتصارعون من أجل السلطة وفي بعضها صراع أيديولوجي، واستقدمتم من أجله كل القوى الخارجية ودولتم قضية اليمن فخرجت من قبضتكم وتسببتم في قرارات أممية ظالمة على اليمن، كيف تنامون وأنتم ترون أنهار الدماء تسيل؟! وكأنها أنهار من عسل.
تُزهق أرواح الأبرياء من الشعب المغلوب على أمره، بل من كل الأطراف ومن كل الأعمار - وكما قالو أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري في قصيدته (خطبة الموت):
نحن نستنكر الحريق ولا نقبل
عنف الحوادث الدموية
من سيطفي الحريق والشعب لا
يملك في الأمر حيلة أو مشية
ليس قطع الرؤوس مطفئ نارٍ
من جنونٍ تحت الرماد خبية
نحن شعب من النبي مبادينا
ومن حمير دمانا الزكية
أرضنا تلعن الطغاة الأولى
سادوا علينا بالفرقة المذهبية
الإنسان كرّمه الله بالعقل، وبالحرية والمساواة وأودع فيه من أسراره، ما يخدم الأمة، التي قصدها الإسلام برسالته الإنسانية رحمة للعاملين.
(لا إكراه في الدين) فلا دين في السياسة ولا سياسة في الدين.
ألا ترون أنكم فتحتم الأبواب على مصاريعها عليكم أولاً، وليدخل وطننا من هب ودب لينهب جزرنا، وشواطئنا، وثرواتنا.. ليستبيح استقلالنا وسيادتنا.. ويصول ويجول في سماء وطننا ليلقي علينا منها لهيب نيرانه من أسلحته.
قد تحرك الحروب التاريخ.. ولكن الأوطان لا تبنى بأسلحة النار والدماء.. بل تبنى بالحكمة، بالعقل، والفكر وبسلام العلم، وبالسلام والتسامح.
لا يعتقد أي طرف منكم بيده السلاح أن بيده الحقيقة أو أن الشعب معه، سكوت الشعب وخضوعه قوة كامنة فيه.. تولد الانفجار.. ولا تعني الاستسلام إلى الأبد.. الشعب وحده يمتلك الحقيقة.. ويعلمها الله.. اتقوا الله في أنفسكم، حكّموا ضمائركم.
أنْ تستجيبوا للمصالحة الوطنية خير لكم على الأطراف كل الأطراف اليمنية أن تعلن أن خيارها السلام، أن تمد يدها إلى كل الأطراف الخارجية، التي اقتنعت أن تدعو للسلام تحت أي مبرر كان.. إن تفاهماتهم من أجل مصالحهم ومصالح أوطانهم.. تستخدم في ملفاتها الحرب في وطننا ورقة مهمة لهم.. وهذا ما يؤكد أن الحرب في بلادنا.. إنما هي حربهم هم.. ونحن وقودها.
نحن وحدنا المعنيون أولاً وأخيراً بالسلام أن ننشده قولاً وعملاً.. أن تتنازل كل الأطراف عما تعتقده قوة لها.. بينما هي حبال على عنقها.. عليها أن تتمسك بكل خيط أمل في السلام وألا تقطعه، مصلحتنا الوطنية يجب أن تنتزعها من بين مخالف الطامعين فينا.. يجب أن يخرج اليمن من بين فكي كماشة الأعداء.
اليمن الواحد هو صمام الأمان.. اللهم ألهمنا بما يوحد كلمتنا ويبعد الأشرار عنَّا ويؤمنَّا في وطننا وأن يزيل عنا الشتات والمرض والجوع.
(وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) صدق الله العظيم
كما ندعوك يا خير الناصرين أن تنصر اخوتنا في فلسطين وهم اليوم يقاومون الاحتلال الإسرائيلي والظلم الصهيوني بأرواحهم الطاهرة الزكية ويدافعون عن القدس الشريف بإيمانهم وعزيمتهم.. هناك الحق.. وهناك.. الجهاد.. وهناك التضحية.
|