الميثاق نت -

الإثنين, 24-مايو-2021
بقلم‮ / ‬محمد‮ ‬بن‮ ‬محمد‮ ‬اليازلي -
مما لا شك فيه من الحقائق التاريخية المادية، التي لا يمكن التغاضي عنها وتجاهلها، مهما كان او يكون الامر ، هي ان قاسم ، وامين ابوراس ، وهما صنوان للزعامة (البكيلية) الشعبية المتوارثة من الخلف عن السلف داخل اسرة آل ابي راس ، كانا قد انحدرا من قمة اماجد المناضلين الوطنيين من الآباء والاجداد من هذه الاسرة السبئية الاصيلة ، وانهما قد تربيا وترعرعا في منبت وحقل دوحة النضال الوطني للحركة الوطنية اليمنية ، وهي لا تزال في بدايتها ، الامر الذي اكسبهما تجربة غنية وخبرة كبيرة في ممارسة العمل النضالي في مختلف المراحل المتعددة‮. ‬
لقد كانت ثورة 17 فبراير عام 1948 ، بمثابة الغربال التاريخي لغربلة وتنقية الغث من السمين من العناصر الوطنية النضالية في (يمن) الدستورين من رجالات الرعيل الاول من التوار والمناضلين اليمنيين الافذاذ ، سواء منهم من سقطوا شهداء بسيف الجلاد احمد في ميادين الشرف والبطولات ، او من نجوا من المذبحة البشرية الجماعية وكتب لهم الحياة والبقاء سنين طويلة يقبعون في ظلمات السجون ، او الذين تمكنوا من الهرب الى خارج الوطن وعاشوا حياة التشرد ومحنة الحاجة والغربة ، وقد كان نصيب قاسم وامين ابوراس ان ابليا بلاءً حسناً في ثورة 48م ، فمن سجن وتعذيب الى تشرد واختفاء وملاحقات وتجويع ، الى إرهاب وافتقاد لأعز الناس في أسرتهما ، وهما الشهيدان محمد بن حسن بن قاسم ابوراس وعبدالله بن حسن بن قايد ابوراس، الى اعدام زوج شقيقتهما الأمير الشهيد علي عبدالله الوزير ، والتنكيل بها وبابنائها وفرض حياة الجوع والمرض والفاقة عليهم بصورة وحشية تتنافى مع ابسط قواعد الانسانية، فضلاً عن مصادرة ممتلكات ومزارع وتخريب بيوت اسرتهما في (برط) وفي لوائي ( صنعاء ـ و إب) وجعلها تعيش حياة الفاقة والحرمان.
ولا ننسى في هذا الجانب المأساوي ، المفروض من قبل قاسم وامين حسن ابوراس ليكون خيارهما الاوحد في حياتهما النضالية ، النكبة التي اصابت الاسرة ككل ، عندما قبرت كبيرها النقيب حسن بن قاسم ابوراس الذي توفي متأثرا بالسم الذي اصيب به في سجن (الشبكة) بتعز ، حيث قضى فيه ست سنوات متواصلة ، فلقي حتفه بعد خروجه من السجن إياه بحوالي شهرين (1)، فكانت وفاته غير الطبيعية في عام 1943م ، اي قبل حركة ثورة 48م بخمس سنوات. كما لا ننسى تحملها لشدة المصاب الكبير في موت شقيقهما الاصغر ناصر بن حسن ابوراس الرهينة في سجن (قاهرة تعز) وما يلاقيه شقيقاهما الاكبر النقيب حمود بن حسن الذي يعيش في صنعاء تحت فرض الاقامة الجبرية بعدم مغادرتها بأمر سيف الاسلام الحسن بن الامام يحيى حميد الدين ، وما يتعرض له من ملاحقات وممارسة الإرهاب عليه.
في غضون عقدي الاربعينيات والخمسينيات، وبتعبير آخر واكثر دقة، اي بالتحديد : من النصف الثاني لعقد الثلاثينيات، ومروراً بعقد الاربعينيات ، وحتى 22 مايو من عام 1959م ، وهو التاريخ الذي سقط فيه المناضل الوطني الجسور قاسم شهيداً ، بالسم ، كما سبق لنا ذكر ذلك ( في كتابنا ـ من الثورة البكر الى الثورة الام ) ، فتابع امين المسيرة النضالية متفرداً بحمل الراية ، وحتى 26 من شهر سبتمبر عام 1962م ، ففي غضون ذلك التاريخ النضالي الطويل ، كان النقيبان ، قاسم وامين حسن ابوراس قد خاضا معترك حياة النضال السياسي بكل ما تعنيه الكلمة من المعاني والمدلولات العميقة لحقيقة ذلك المعترك الحقيقي المباشر للنضال ، وتحملا في سبيل ذلك مختلف انواع والوان عذاب السجون ومتاعب التشرد والملاحقات والحرمان ، كما قاسيا اشد انواع الارهاب والتنكيل والظلم ، الامر الذي صاغ من حياتهما تلك ومن تجربتهما السياسية النضالية الطويلة ، فولاذ الأصالة وقوة الاقتدار على التحمل والتواصل والعطاء على طول طريق النضال الوطني الثوري المتميز ، الذي اسهم بقدر كبير في صناعة النسيج الوطني القوي ، في إطار بذر ونماء قوى وطنية جديدة تستطيع ان تكون أكثر فعالية في واقع ممارسة النضال‮ ‬في‮ ‬سبيل‮ ‬قضية‮ ‬الشعب‮ ‬اليمني‮ ‬في‮ ‬الحرية‮ ‬والديمقراطية‮ ‬والاستقلال‮ ‬والوحدة‮ ‬والتقدم‮. ‬
ان عملية التفولذ التاريخي للروح الوطنية التي كان يتمتع بها المناضلان النقيبان قاسم وامين حسن ابوراس ، والمسقى بقوة الايمان الصادق بعدالة قضيتهما في النضال وتحقيق النصر ، كقضية شعب بأكمله ، قد اكسبهما مناعة قوية ضد العواصف الهوجاء العاتية ، ومكنتهما من الوقوف على ارضية صلبة في ميدان النضال السياسي المثابر ، و الاصطفاف في مقدمة صفوف قوى الحركة الوطنية اليمنية ، السائرة في طريقها وهي ما بين مد وجزر ، فكانا من اعلام النضال الوطني في البلاد ، وكان نشاطهما السياسي اليومي ، مشهوداً به من كل عناصر الفئات الاجتماعية المنضوية تحت راية النضال الوطني التي حملاها بكل ايمان وشجاعة الرجال المخلصين لقضية شعبهم ووطنهم.. وذلك دون اللجوء للتخلص من حملها كما كان قد فعل البعض عند اشتداد الازمات ودنو ظلمة ليل الارهاب والمجازر البشرية الوحشية التي كان يقوم بها الطغاة من الحكام والجلادين‮ ‬عندما‮ ‬تحين‮ ‬لهم‮ ‬الفرصة‮ ‬لذلك‮. ‬
وما المحاولات الفدائية العديدة التي كانت ما تكاد ان تتم وتنجح حتى تخفق وتتراجع ، والتي حدثت في (تعز) واستهدفت حياة الامام احمد ، إلا خير دليل على مصداقية ما نقول عن قاسم وامين ابوراس ، كما ان افتداء قاسم بحياته للشيخ المناضل حسين بن ناصر الاحمر في موقف من المواقف الفدائية ، التي تقرر القيام بها في مدينة (السخنة) حيث كان الامام احمد يتشفى ، انصع الادلة المادية على قوة عملية التفولذ لدى قاسم وشقيقه امين الذي وقع عليه الاختيار من قيادة (الجمعية الثورية الوطنية الديمقراطية) في عام 1958م ، ليكون على رأس قيادة فرقة فدائية تقوم بمهاجمة طائرة الامام احمد ـ وهو عليها ـ وقبيل هبوطها على ارض المطار (2) ، عند وصوله من (الحديدة ـ الى تعز) ، حسب ما ذكر المناضل المرحوم العقيد / عبدالقادر الخطري في كتابه (حقيقة الثورة واسرارها) ، وقد اتينا الى هذه الحقيقة في الفصل الرابع من (كتابنا ـ من الثورة البكر الى الثورة الام ـ2002). ثم ان محاولة الهجوم على الامام احمد داخل قصره ، وعملية الفدائيين (بالشراشف) ، كانت بقيادة امين حسن ابوراس ، وغيرها من العمليات الفدائية الاخرى ، التي كانت تقر من قبل قيادة (الجمعية) فكان (قاسم ، وامين)‮ ‬هما‮ ‬من‮ ‬فرسانها‮ ‬والرواد‮ ‬الاوائل‮ ‬في‮ ‬تحمل‮ ‬مسئولية‮ ‬قيادتها‮ ‬وتنفيذها‮ ‬،‮ ‬الا‮ ‬ان‮ ‬الامام‮ ‬وجواسيسه‮ ‬كانوا‮ ‬اكثر‮ ‬تربصاً‮ ‬بالاحرار‮ ‬ونشاطهم‮ ‬السياسي‮ ‬المحاصر‮ ‬بعيونهم‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬تنام‮. ‬
لكن ضربات الاحرار المتوالية ، كان لها تأثيرها ودورها الكبير الفاعل في تشريخ وزعزعة اركان حكم الائمة ، الآخر تلو الأول على ايدي الثوار الاحرار من ابناء الشعب اليمني العظيم ، من امثال ابناء (بيت ابوراس وآل الشايف ، وآل الاحمر والقرادعة ـ وابناء الحسيني واولاد هارون) وغيرهم الكثير ممن لا تتسع المساحة لذكرهم بالاسم ، فكل الشهداء والمناضلين ، ومنهم الاحياء والاموات ، الذين عملوا في سبيل الثورة لهم علينا ـ وعلى الأجيال اليمنية القادمة ـ دين كبير لما قدموه فداءً على مذبح الحرية والاستقلال والتقدم.
وإن لسنا خير اسوة ومَثل في النضال الوطني والتضحية الكبيرة للمناضلين بحق وحقيقة ، قاسم ، وامين حسن ابوراس من الثورة البكر 48م الى الثورة الام 26 سبتمبر ـ 14 اكتوبر 62 ـ 1963م ، ويداهما مضرجتان تدق باب حرية الشعب اليمني المغلق والذي فُتح ـ اخيراً ـ تحت ضربات‮ ‬آلاف‮ ‬الأيادي‮ ‬المضرجة‮ ‬بدماء‮ ‬وقوافل‮ ‬الشهداء‮ ‬من‮ ‬خيرة‮ ‬ابناء‮ ‬هذا‮ ‬الشعب‮ !!‬
‮------------------------‬
‮(‬1‮) ‬شهادة‮ ‬احد‮ ‬المعاصرين‮ ‬لسجنه‮ ‬والمقربين‮ ‬له‮ ‬حسن‮ ‬سالم‮ ‬الإدريسي‮ ‬اكثر‮ ‬الناس‮ ‬مرافقة‮ ‬ومجالسة‮ ‬للنقيب‮. ‬
(2) كانت الطائرة عند وصولها فوق ارض المطار تحلق بشكل دائري اكثر من مرتين وهي تدور فوق ارض المطار حتى تتمكن من الاقتراب التدريجي من الارض ثم تبدأ بالهبوط ، وذلك لصغر المطار البدائي لضيق المساحة التي حوله بسبب الجبال التي تحيط به من كل جانب.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:27 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-60635.htm