الميثاق نت -

الإثنين, 31-مايو-2021
احمد‮ ‬الرهوي‮*‬ -
الوحدة‮ ‬اليمنية‮ ‬شكلت‮ ‬قاعدة‮ ‬صلبة‮ ‬للتعددية‮ ‬الحزبية‮ ‬وحقوق‮ ‬الإنسان‮ ‬وحرية‮ ‬التعبير‮ ‬فكراً‮ ‬وممارسة‮.‬
ومع ست سنوات من الحرب والعدوان الظالم نستعيد المعاناة الحقيقية التي تجرعها الشعب اليمني جراء الاستعمار والاستبداد والتشطير ليس من باب خوف العودة إلى مربع الشتات فحسب بل ولتشابه محطات الخطر نفسها وأثرها في مظاهر حياتنا اليومية.. بل ولأن الوحدة اليمنية هي حصن الماضي والحاضر والمستقبل الحصين والمنيع على كل محاولات ومؤامرات الخارج والداخل التي تحاك ضد اليمن.. وبدون الوحدة في الأرض والإنسان والمقدرات سيعود المجتمع اليمني إلى مربع المعاناة نفسها التي كانت في سنوات التشطير..
تعتبر الوحدة اليمنية من أهم مصادر الاستقرار في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر لا سيما وأن على الجانب الآخر من المدخل تتعدد الأحداث والصراعات والحروب الأهلية وأيضاً الوجود المكثف للعدو الصهيوني والامبريالية الأمريكية والغرب وأدواتهم ويكاد يكون ذلك الاستقرار مطلباً‮ ‬قومياً‮ ‬لأهمية‮ ‬هذه‮ ‬المنطقة‮ ‬الاستراتيجية‮ ‬بالنسبة‮ ‬للأمة‮ ‬العربية‮ ‬على‮ ‬اعتبار‮ ‬أن‮ ‬منطقة‮ ‬باب‮ ‬المندب‮ ‬بمثابة‮ ‬البؤرة‮ ‬التي‮ ‬تتركز‮ ‬عندها‮ ‬الأهمية‮ ‬القصوى‮ ‬لأمن‮ ‬جميع‮ ‬الأطراف‮ ‬المطلة‮ ‬على‮ ‬البحر‮ ‬الأحمر‮.‬
وتنبع الأهمية الاستراتيجية لمنطقة البحر الأحمر بشكل عام نتيجة لمجموعة من الحقائق القديمة والمتغيرات الجديدة منها أن البحر الأحمر يربط بين قارات العالم القديمة، وهو بموقعه هذا وكممر مائي يساهم في اختصار المسافات والوقت.
كما يمثل قناة وصل بين البحار المفتوحة في المحيطين الاطلنطي والهندي عبر المتوسط، ووظيفته هذه تزيد من أهميته الاستراتيجية سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية البحر الاحمر هو الطريق الرئيسي الذي يمر من خلاله نفط الخليج العربي الى الأسواق الاستهلاكية في أوروبا.. البحر الأحمر هو أحد الممرات الرئيسة للملاحة والتجارة الدولية بين أوروبا الغربية ودول آسيا.. كما أن البحر الأحمر له أهمية كبرى من ناحية الأمن القومي العربي وتحديداً أمن البلاد العربية المطلة عليه.

البعد‮ ‬الحضاري
بعد سنوات التشطير والصراعات السياسية كان ينتظر اليمن قدر يستعيد المكانة الحضارية للأمة اليمنية بين الأمم وبعد نضالات وطنية خيرة بذلها فرقاء العمل السياسي ورموز الصفوة الاجتماعية والقبلية والفكرية في كلا الطرفين وبعد نداءات الإرادة الشعبية من الجانبين جاءت لحظة الحسم الحضاري والتاريخي المتمثلة في إعلان إعادة تحقيق وحدة الوطن في الـ22من مايو 1990م التي اعتبرها الكثير من أرباب الفكر والرؤى المستنيرة التي تنشد هذا النصر لليمنيين "بمثابة مشروع حضاري تعدى بدلالاته وأهميته البعد الوطني إلى البعد القومي..
واحتل مكان الصدارة على المستوى الدولي في اهتمامات الكثير من السياسيين والأكاديميين والمحللين ومراكز الأبحاث ذات الصلة بهذه المسألة والأمور السياسية جراء ما أحدثه هذا الإنجاز من صدى واسع في مختلف أرجاء الأرض في ذلك الوقت من العام 1990 والذي شهد انهيار منظومات‮(‬المنظومة‮ ‬الاشتراكية‮) ‬وتجزؤ‮ ‬دول‮ ‬وكيانات‮ ‬عاشت‮ ‬حقباً‮ ‬طويلة‮ ‬من‮ ‬التاريخ‮ ‬موحدة‮ ‬ومهابة‮ ‬الجانب‮.‬
في لحظة مباغتة من التاريخ يستحضر اليمانيون مخزونهم الحضاري ويتعاملون بعقلانية اتسمت بالحكمة مع قضية وحدة بلادهم..وحينما يقررون عودة اللحمة إلى وطنهم المجزأ كانوا ينطلقون في ذلك من أن الوحدة هي الأصل والتجزئة هي الاستثناء وأن في الوحدة قوة للبلاد وفي التجزئة‮ ‬ضعفاً‮ ‬وهواناً‮ ‬وتشرذماً‮ ‬وفي‮ ‬الوحدة‮ ‬تجميع‮ ‬للإمكانات‮ ‬والمقدرات‮ ‬وتوجيهها‮ ‬صوب‮ ‬البناء‮ ‬والتنمية‮ ‬وفي‮ ‬التجزئة‮ ‬هدر‮ ‬لإمكانات‮ ‬البلاد‮ ‬والتي‮ ‬لا‮ ‬يتحقق‮ ‬معها‮ ‬لا‮ ‬تنمية‮ ‬ولا‮ ‬بناء‮ ‬ولا‮ ‬استقرار‮.‬
كان قرار استعادة الوحدة قراراً صعباً على قيادتي الشطرين آنذاك.. وكان الأصعب من ذلك بقاء الوطن مجزأ… اللحظات التاريخية لا تتكرر واتخاذ قرارات تاريخية ومصيرية يتطلب قيادة وإرادة وطنية تستلهم وتضع نصب عينها المصالح العليا للوطن ومواطنيه… وقد كان لليمنيين ما أرادوا‮ ‬فكانت‮ ‬الوحدة‮ ‬الحلم‮ ‬الذي‮ ‬راود‮ ‬الأجيال‮ ‬اليمنية‮ ‬المتعاقبة‮ ‬المشروع‮ ‬الكبير‮ ‬الذي‮ ‬ناضل‮ ‬من‮ ‬أجله‮ ‬الوطنيون‮ ‬والمثقفون‮ ‬والأدباء‮ ‬والكتاب‮ ‬والسياسيون‮ ‬وغيرهم‮ ‬من‮ ‬أبناء‮ ‬الوطن‮. ‬

البعد‮ ‬الثقافي‮ ‬والانساني
ثقافياً وإنسانياً تظل الوحدة هي مصدر التنوع الهائل الذي مثل الكاريزما الحقيقية للهوية الوطنية بثرائها الكبير والذي تجاوز البعد القومي العربي إلى البعد الإنساني الثقافي التراكمي عبر المحطات التاريخية التي عاشتها اليمن مشكلة بؤرة إنسانية وحضارية وفكرية وعلاقات‮ ‬مع‮ ‬الأمم‮ ‬الغابرة‮.. "‬واليوم‮ ‬يمكن‮ ‬القول‮ ‬إن‮ ‬الوحدة‮ ‬اليمنية‮ ‬على‮ ‬الصعد‮ ‬الثقافية‮ ‬المختلفة‮ ‬قد‮ ‬أحدثت‮ ‬واقعاً‮ ‬جديداً‮ ‬في‮ ‬المجتمع‮ ‬اليمني‮ ‬كان‮ ‬طبيعياً‮ ‬لعودة‮ ‬اللحمة‮ ‬إلى‮ ‬وطن‮ ‬مجزأ‮ .‬
كما يلاحظ أن نقلة تاريخية جديدة في المجتمع اليمني قد بدأت تتشكل أبرز معالمها تلك النهضة الفكرية والسياسية والصحفية التي تعد بمثابة نتيجة منطقية لرديف الوحدة اليمنية المتمثل في الديمقراطية والتعددية السياسية وحرية الصحافة, واحترام حقوق الإنسان, وما أحدثته هذه‮ ‬المفاهيم‮ ‬من‮ ‬تغيرات‮ ‬إيجابية‮ ‬في‮ ‬بنية‮ ‬المجتمع‮ ‬اليمني‮ ‬فكرياً‮ ‬وثقافياً‮.‬
شعبياً وجماهيرياً ترسخت ثقافة ثبوت الوحدة وتحولها من حلم منشود واقع يغمر الناس ببهجة العرس الواحد والفرحة الدائمة .. وتحولت من منجز تحقق بفعل التضحيات الوطنية لكل أسرة يمنية إلى أبرز الثوابت الوطنية التي لا ولن يدخل في أي مساومات أياً كان نوعها على اعتبار " أنها ليست ملكاً لشخص أو جماعة أو حزب أو تنظيم سياسي بل هي ملك للشعب اليمني كله هو من سعى لتحقيقها وهو من استفاد منها وهو أي الشعب اليمني من اكتوى بنار التشطير ومن استعاد عافيته بتحقيق الوحدة.. والحال كذلك لا يمكن أن نتصور أن أي مواطن في الجمهورية اليمنية من أقصاها إلى أقصاها لا يريد الوحدة ويرغب في عودة التشطير والتجزئة للوطن اليمني وإن وجد من يدعو إلى ذلك فإنه لا محالة غير سوي وفاقد صوابه أكان ذلك فرداً أم جماعة أم حزباً سياسياً فذلك لا يدخل في منطق العقل ولا يمكن أن يقبله التفكير السليم أن تبرز جماعة أو أفراد أو أحزاب بنغمة شاذة تريد عودة التجزئة والتشطير للوطن بحجج بعيدة كل البعد عن المنطق السليم ومفهوم الوحدة السامي والواقع المعاش الذي يعيشه الوطن اليمني فذلك أمر غير مقبول جملة وتفصيلاً ويجافي منطق الحق والعقل السليم ويدخل في إطار التهريج والوقوف ضد المصالح‮ ‬العليا‮ ‬للوطن‮ ‬اليمني‮ ‬في‮ ‬الوحدة‮ ‬والتآلف‮ ‬والتآزر‮ ‬وتحقيق‮ ‬التماسك‮ ‬الاجتماعي‮.. ‬فالوحدة‮ ‬اليمنية‮ ‬أصبحت‮ ‬متجذرة‮ ‬في‮ ‬الذات‮ ‬الوطنية‮ ‬وصار‮ ‬جيلها‮ ‬اليوم‮ ‬لا‮ ‬يقبل‮ ‬الوصاية‮ ‬أو‮ ‬التبعية‮.‬
ولا يسعدني في الختام إلا أن أذكر المفكر والمثقف والدبلوماسي والسياسي المناضل الكبير الأستاذ/ يحيى حسين العرشي وزير الدولة لشؤون الوحدة، وأيضاً السياسي الكبير والمناضل الأستاذ/ راشد محمد ثابت وزير الدولة لشؤون الوحدة اللذين أعتبرهما مهندسي الوحدة اللذين أكدا أن الوحدة هي الوضع الطبيعي لليمنيين في هذه البقعة الجغرافية المهمة للسلام العالمي عبر التاريخ باعتبار الوحدة أمراً ربانياً يجب أن نحافظ عليها كضرورة طبيعية وبُعْد استراتيجي وضمان لأمن اليمن , لأن التجارب التاريخية تؤكد أن البديل سيكون أسوأ لا قدر الله دماء‮ ‬ودماراً‮ ‬وتشتتاً‮ ‬وضعفاً‮ ‬واستعمار‮.. ‬وأختم‮ ‬بعبارة‮ ‬أنه‮ ‬لا‮ ‬أمن‮ ‬ولا‮ ‬ازدهار‮ ‬ولا‮ ‬عزة‮ ‬ولا‮ ‬كرامة‮ ‬إلا‮ ‬بوحدتنا‮ ‬أرضاً‮ ‬وإنساناً‮ ‬وتاريخاً‮..‬
حفظ‮ ‬الله‮ ‬اليمن‮ ‬وشعبه‮..‬
ونسأل‮ ‬الله‮ ‬الشفاء‮ ‬للجرحى‮..‬
والحرية‮ ‬للأسرى‮..‬
عاشت‮ ‬الجمهورية‮ ‬اليمنية‮ ‬حرة‮ ‬أبية‮..‬

‮❊ ‬عضو‮ ‬المجلس‮ ‬السياسي‮ ‬الاعلى
عضو‮ ‬اللجنة‮ ‬العامة‮ ‬للمؤتمر
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 04:38 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-60677.htm