بروفيسور/عبدالعزيز الترب - واحد وثلاثون عاماً مرت منذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة.. الوحدة التي كانت حلم الأجداد والأجيال المتعاقبة المتلهفة لهذا اليوم التاريخي الذي تحقق في الثاني والعشرين من مايو 1990م.
فما المنجزات التي تحققت خلال هذه الفترة منذ تحقيق هذا المنجز العظيم وحتى اليوم؟ وما المنعطفات التاريخية التي كادت أن تعصف وتقضي على هذا الحدث التاريخي في حياة شعبنا؟ ولماذا لم تتمكن القيادات التاريخية في الشمال والجنوب من الحفاظ على هذا المنجز (الحلم) بعيداً عن الصراعات الداخلية؟ وما الارهاصات التي أفضت إلى تعثر تحقيق نتائج ملموسة تلبي طموحات الجماهير اليمنية؟ وما حقيقة الصراعات التي احتدمت بين الأطراف الموقعة على اتفاقية الوحدة؟ وهل كانت تلك الأطراف صادقة في توجهها إزاء الثوابت الوطنية التي تم التوقيع عليها؟
اسئلة كثيرة راودت ومازالت تراود أذهان الجماهير اليمنية التي كانت تراهن على قيام يمن موحد قوي وسبيل للتخلص من موروثاث الماضي المؤلمة بسبب التباينات الفكرية والايديولوجية لكلا النظامين (الشمال والجنوب) والتي ادخلت الشطرين (سابقاً) في أتون صراعات مسلحة أربكت المشهد السياسي ؛ الأمر الذي أدى إلى إتساع الفجوة بين النظامين وبالتالي اعاق اللجان المشكَّلة من الطرفين (قبل 22 مايو 1990م) من الوصول إلى نقاط توافقية تقرب من وجهات النظر الخلافية وبالتالي تعثر تحقيق خطوة نحو تحقيق الوحدة حينها.
إذاً كيف استطاع الفرقاء (في الشطرين) تحييد كل تلك القضايا الشائكة والهرولة إلى يوم الوحدة في 22 مايو 1990م.
أقول إن الوحدة لم تتم وفق الثوابت الوطنية أو حتى (على الأقل) وفق منهجية أو معايير علمية تحافظ على ديمومة مفهوم الوحدة وإنما تمت (وعلى عجالة) لتحقيق مآرب أخرى كادت أن تصيب الوحدة في مقتل ؛ أهمها:
1- أن الوحدة اليمنية تمت بين نظامين مختلفين تماماً في الرؤى السياسية والايديولوجية؛ نظام يعتمد على فرض سياسة الحزب الواحد (مبدأ المركزية الديمقراطية) في الجنوب؛ وآخر استبدادي متفرد بالسلطة (في الشمال).
2- كانت المصالح هي الأساس لإحداث تناغم بين الطرفين (الشمال والجنوب) فالنظام في صنعاء (حينها) قام بالتوقيع على اتفاقية الوحدة حتى يتمكن من توسيع نفوذه (شمالاً وجنوباً) من جهة، والسيطرة على كل الثروات الطبيعية والتحكم بطرق الملاحة البحرية (تحديداً) من جهه أخرى؛ وبين نظام في الجنوب توجه إلى الوحدة هروباً من الخلافات والصراعات داخل أجنحة الحزب الاشتراكي اليمني وإمكانية حدوث صراع مسلح (كان متوقعاً).
3- بالرغم من نصائحنا المتكررة ومنذ وقت مبكر وبعد الاستفتاء على دستور الوحدة أن يحافظ الرئيسان (علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض) على الزعامة التاريخية وان يتم الإعداد لانتخابات مبكرة بعد الاستفتاء على الدستور (الذي تم رفضه من قبل حزب التجمع اليمني للإصلاح) ولكن لم تستجب تلك القيادات التاريخية لما قلناه ؛ وبدلا من ذلك برزت الكثير من الشطحات السياسية (غير المتوازنة) والتي تظهر تلك القيادات وكأنها قادرة على وضع أسس للحفاظ على الوحدة الألمانية في إشارة إلى (ألمانيا الاتحادية وألمانيا الديمقراطية).
4- لم تكن تلك القيادات جادة في الحفاظ على منجز الوحدة اليمنية وظل كل طرف ينظم ويستقطب من يختلف مع هذه القيادة أو تلك (المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني) من خلال شراء الذمم أو الوعود بتقلد مناصب وظيفية رفيعة في الدولة الوليدة واغراءات أخرى على حساب التنمية والإنسان اليمني ؛ وتأكد هذا من خلال التحضير لاولى الانتخابات التي استطاع التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان) من خلالها الفوز والوصول إلى سدة السلطة ليصبح الشريك الثالث في إدارة شؤون وحدة اليمن.
5- القيادات اليمنية التي حققت الوحدة لم تقبل بمشاركة جميع الأحزاب والمكونات السياسية ومنظمات المجتمع المدني بل وظف كل طرف أعداء الطرف الأخر لتصفية الحسابات، والدليل على ما أقول حركة التصفيات العسكرية (الاغتيالات) التي طالت كوادر الحزب الاشتراكي اليمني.
6- أعلن الحزب الاشتراكي اليمني رفضه القاطع قبول مشاركة الطرف المهزوم في أحداث 13 يناير 1986م (الزمرة) في إدارة شؤون الدولة (تم إقصاء قيادات وكوادر الزمرة وعدم إدراجها في قوائم المرتبات) بالإضافة إلى مطالبة قيادة الوحدة من الشطر الشمالي بنفي كل من حكم عليه بالإعدام إلى خارج اليمن ؛ وهذا تأكيد للقول بأن كل طرف ظل يرتب لكسب المعركة السياسية والعسكرية والأمنية والشعبية والذي يعني بالمقابل أننا لم نفكر ببناء اليمن الجديد.. يمن الثاني والعشرين من مايو 1990م..
وهذا مايؤكد لنا عدم مصداقية قيادات الطرفين (شمالاً وجنوباً) في تحقيق وحدة يمنية أساسها (ألعدل والمساواة والديمقراطية).
ووصلنا إلى حرب صيف 1994م بعد مخاض سياسي وأزمة فكرية عصيبة سبقها أكثر من اعتكاف لنائب الرئيس (الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني) علي سالم البيض والذي أوصل بدوره الشعب اليمني الى التهيئة والاستعداد للتحضير لحرب طاحنة بين صناع الوحدة تخلله التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق في الأردن، وقبل أن يجف حبرها عمدت قيادات الاشتراكي إلى اتخاذ عدة مناورات سياسية لوأد الوحدة من خلال تحرك البيض إلى عدن ويلحقه المهندس حيدر العطاس (رئيس اول حكومة لدولة الوحدة) وفي الوقت ذاته توجه سالم صالح محمد (عضو مجلس الرئاسة) إلى الكويت ودول اخرى في الخليج ؛ وهذا يدل بما لايدع مجالاً للشك أننا لم نكن أمناء أو صادقين مع جماهير الشعب التي باركت قيام دولة الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م ولا لكل من قال نعم لدستور الوحدة.
وقد استطاع الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر أن يتنبأ بانتصار القيادات التقليدية القديمة التي انتصرت على ثورتي سبتمبر وأكتوبر في إدارة الشأن اليمني ؛ كما أتذكر أن الشيخ الأحمر (ولغرض استمرار حالة المراوحة لإيجاد حل سياسي بين الطرفين المتصارعين المؤتمر والاشتراكي) تعمد وبصفته شاهداً تاريخياً على وثيقة العهد والاتفاق على كتابة عبارة (شريطة العودة إلى صنعاء) الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأزمة السياسية وكأنه يؤكد أن الاتفاق لن يتم وان أطرافه غير صادقين وأنهم سوف يتحركون لطلب الدعم من هذة الدولة أو تلك لتمزيق اليمن حتى يحكم النظام القديم صنعاء كما حكمها حتى قبل 22 مايو 1990م.
وبعد تلك الحرب الطاحنة (1994م) والتي شاركنا فيها جميعاً في الانتصار للوحدة وليس لانتصار طرف على الآخر؛ بالرغم من أننا نصحنا جميع الأطراف للاحتكام للعقل والتنازل لليمن وتنفيذ الاتفاق والخروج للانتخابات، اليوم اقول بأن الوحدة مكسب تاريخي وها نحن نحتفل بها في 22 مايو 2021م بعد صمود (6 سنوات والعام السابع في طريقه) من العزة والكرامة.
وفي هذا المقال الموجز والذي اشكر فية قيادة صحيفة (الميثاق) على إتاحة الفرصة لي للكتابة في هذا التاريخ المجيد عن 22 مايو 1990م (يوم الوحدة اليمنية) وأقول بأمانة وشرف وإخلاص ان علينا أن ننظر للمستقبل مع دراسة مارافقها من أخطاء وتجاوزات وان الوحدة بريئة مما حدث منذ تحقيقها وحتى حرب صيف 1994م وما بعدها وان المنتصر فيها مهزوم أمام برامج التنمية والإعمار؛ حيث أننا لم نقبل أن نتنازل وان نتسامح حتى اُعتدي علينا ومازال حتى الآن.
كلمة أخيرة أوجهها لأبنائنا في المحافظات الجنوبية وأقول لهم علينا أن نعلم أبناءنا أن لا يكرروا أخطاءنا وان لا نقبل بأي حلول أخرى غير العمل على وقف العدوان ورفع الحصار والدخول في مصالحة وطنية شاملة أساسها (السيادة والاستقلال والعزة لليمن أرضاً وانساناً).
ويقيناً.. ان الوحدة باقية ونحن زائلون وعلينا أن نحتكم لصندوق الانتخابات والتمسك بالثوابت الوطنية (الجمهورية والوحدة والديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة) وحق الإنسان في اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب مع احترام المواثيق الدولية وسياسة حُسْن الجوار.
|