حاورها/ جمال الورد - من الأمور المؤكدة أن مفهوم الحكم الراشد ظل سؤالاً مهمًا ضمن الأسئلة الأساسية والأبدية للفكر السياسي بوجه عام؛ ومن ثم عبر هذا المفهوم عن ظاهرة قديمة ارتبطت بنشأة الاجتماع الإنساني من جانب وضرورات السلطة من جانب آخر، وذلك في إطار يحدد أصول العلاقة بين الدولة والمجتمع، إلا أن المفهوم مع قدمه والتطورات التي طرأت عليه ومحطات التحولات التي ارتبطت به تعبر وتؤشر عن جملة من الدواعي المتعلقة بإعادة تجديد النظر وممارسة الاجتهاد بصدد "مفهوم الحكم الصالح الرشيد".
وكثيراً ما نسمع عن هذا المصطلح خصوصاً مع تبني الجمهورية اليمنية تطبيقه بكل ما يتصل به من قضايا حقوق الإنسان والحريات والنوع الاجتماعي منذ قيامها واختيارها النهج الديمقراطي في العام 1990، وللتعرف على مفهوم الحكم الرشيد وارتباطه بالقضايا الوطنية والتنمية الشاملة والتأهيل ومشاركة كافة فئات المجتمع في بناء الوطن، أجرت »الميثاق« حواراً صحفياً مع الأستاذة خيرية علي الرداعي - أستاذة ومدربة في الحكم الرشيد بالمعهد الوطني للعلوم الإدارية والتي تحدثت عن أبرز ملامح (الحكومة)، وماذا تحتاجه المرأة اليمنية سواءً الأمية أو المتعلمة، بالإضافة إلى مواضيع عدة تجدونها في الحوار التالي:
* باعتبارك أحدى المتخصصات في التدريب حول مضامين الحكم الرشيد نحب أن نفتح حوارنا بالسؤال عن الحكم الرشيد وهل معاييره ومضامينه ترونها على الواقع المعيش؟
- في البدء أود أن أشير إلى أنه لا يوجد تعريف شامل ومحدد لمصطلح الحكم الرشيد أو كما يعرفه البعض بالحوكمة ، وقد بدأ تداوله في القرن التاسع عشر مع ظهور المقاولة الصناعية لحفظ التوازن الاقتصادي ومع بداية التسعينيات تم ربط مصطلح الحكم الرشيد بإدارة شؤون الدولة والمجتمع ليشمل العلاقات بين الحكومة والمواطنين والتي تهدف إلى إيجاد درجة من الرخاء للمجتمع.
ومن تعريفات الحكم الرشيد أنه:الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية مُنتخبة وكوادر إدارية ملتزمة بتطوير موارد المجتمع وبتقدم المواطنين وتحسين نوعية حياتهم ورفاهيتهم وهي الإدارة الرشيدة لموارد المجتمع بالطريقة الديمقراطية .
أما عن الجزء الثاني من السؤال : في الواقع أن الجمهورية اليمنية قد أخذت على عاتقها تطبيق الحكم الرشيد ومايتصل به من قضايا أساسية كحقوق الانسان والنوع الاجتماعي وإدارة النزاعات والتضمينية من خلال تجربتها الديمقراطية منذ العام 1990وعملت جاهدة لإرسائها وتطبيقها على الواقع المعيش.
ومما لاشك فيه أن تطبيق الحكم الرشيد قد تأثر بطبيعة الحال جراء الأحداث التي مر بها الوطن منذ عام 2011 مروراً بالعدوان الغاشم على الوطن إلى يومنا هذا فمازال تطبيقه مُحاطاً بالتحديات والمعوقات نتيجة عدم الاستقرار الذي يُعد شرطاً أساسياً لكل نماء، وبالتالي فإن تطبيقه على الواقع المعيش يحتاج لزمن طويل .
* يمثل الفساد الآفة التي تهدد تنمية الشعوب.. كيف يمكن للحكم الرشيد القضاء على هذه الآفة ؟
- في الحقيقة لا يمكن القضاء على الفساد إطلاقاً لأنه موجود بوجود الانسان قال تعالى:" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس" صدق الله العظيم، وبالتالي يمكن الحد منه وتجفيف منابعه ومكافحته وليس القضاء عليه وذلك من خلال : العمل على بث القيم الأخلاقية وتعزيز الوازع الديني ومن ثم يأتي دور معايير الحكم الرشيد في مكافحة الفساد المتمثل في : تطبيق الشفافية والمساءلة ويقصد بالشفافية الوضوح والمكاشفة في عمل المؤسسات العامة وفي علاقتها مع المواطنين، أما المساءلة فتعني واجب المسؤولين في تقديم التوضيحات والتقارير الدورية عن أعمالهم وحرية تدفق المعلومات للجمهور، تطبيق العقوبة الرادعة ، تعزيز دور الرقابة المحاسبية والإدارية والبرلمانية وغيرها..
* ما التحديات التي تقف أمام مشاركة المرأة اليمنية في الإدارة العامة ؟
- لا شك أن المرأة قد شاركت في الإدارة العامة على الرغم من تمثيلها الضعيف بالنسبة لمشاركة أخيها الرجل وكان تمثيلاً ناقصاً خاصة في تولي أدوار القيادة وصنع القرار.. ومن العوائق التي واجهتها أنها لم تحظ بالتأهيل اللازم كذلك وجود المضايقة والتمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي ، والمتجذر من تأثير الرواسب الثقافية السلبية التي تحد من مشاركة المرأة في المجتمع.
والمعروف أن مشاركة المرأة وتمكينها في الإدارة العامة تخلق بيئة مواتية لحكومة أفضل وأكثر فعالية، وحيث يوجد حكم جيد يوجد بالمقابل عدد أكبر من النساء في كافة المجالات.
* مشاركة المرأة في العملية الإدارية والتنموية هل أضحت عند مستوى الطموح المنشود أم مازالت في بداية الطريق، وما المطلوب لتعزيز دورها ؟
- في الواقع مازالت مشاركتها في بداية الطريق .. والمطلوب لتعزيز دورها هو:
التعليم ويمثل الهدف الرابع من أهداف التنمية المستديمة فالتعليم يعمل على تقليص فجوة النوع الاجتماعي خاصة في الريف، كما أنه يحد من الفقر.
التدريب والتأهيل لصقل قدراتها ومهاراتها وفتح المجالات أمامها.
إتاحة الفرص المتساوية لاستيعابها في القطاعين العام والخاص.
تمكينها في بناء خبرات تراكمية تؤمّن وصولها للمراكز العليا.
* هناك من يرى أن المرأة أكثر قدرة من أخيها الرجل على تحقيق الانضباط والإنتاج.. تُرى ما أسباب هذا التفوق الذي يراه البعض؟
- ربما يعود السبب في ذلك لطبيعة المرأة السيكولوجية المحبة للانضباط من واقع مسئوليتها المناط بها في المنزل وحرصها على الانضباط في عملها، وكذلك رغبتها في تحقيق الاستقلال المالي ودعم أسرتها مادياً مما يجعلها تحافظ على الانضباط، ومن ناحية أخرى تتجنب المرأة ان تتعرض إلى التوبيخ والعقوبات بطبيعتها كأنثى.
والبعض الآخر يردن أن يحققن ذواتهن من خلال الانضباط الوظيفي وتحقيق أعلى مستوى من الإنتاج في بيئة عملها.
* هل تحتاج المرأة إلى برامج تدريبية خاصة تختلف عن الرجل؟
- نعم .. أما فيما يخص المرأة الأمية فهي تحتاج إلى برامج تدريبية تأهيلية تمكنها من الدخول لسوق العمل لتطوير مهارتها في الحرف اليدوية التي تُعد مصدراً للرزق .
أما المرأة المتعلمة فلا تكاد تختلف برامج التدريب والتأهيل عن الرجل، فهي بحاجة إلى برامج تدريبية لضمان التطوير الذاتي والمهني مثل برامج القيادة في الاعمال التجارية والسياسية والمهارات الإدارية ومن هنا تنطلق أهمية تمكين المرأة عن طريق تدريبها لتكون رائداً فاعلاً في التنمية المستديمة ولتحقيق المكانة اللائقة بها كونها تمثل نصف المجتمع.
* كلمة أخيرة؟
- تُعد المرأة نصف المجتمع وهي تشكل جزءاً أساسياً ومهماً فيه ويشكل تعطيلها خللاً كبيراً في المجتمع..ويشير الحكم الرشيد إلى ضرورة مشاركتها وإلى المساواة وتطبيق التضمينية التي هي حلقة الوصل بين الحكم الرشيد والتنمية البشرية المستديمة وذلك لتحقيق العدالة وتعزيز التكامل الاجتماعي حتى نصل إلى تحقيق مجتمع تضميني يسع الجميع دون استثناء أوتهميش لأحد.
|