أحمد الزبيري - الإخوان المسلمون منذ تأسيس جماعتهم عام 1928م وهم يتطورون باتجاهات تجعلهم أكثر رجعية وانتهازية ولا يؤمنون إلا بالصفقات مع الأنظمة المحلية في البلدان التي يتواجدون بها والقوى الاستعمارية الدولية وخاصة بريطانيا التي كان لها علاقة بتأسيس هذه الجماعة وتقويتها وهي في بدايتها تحديداً في مصر انطلاقاً من ادراكها وفهمها لطبيعة المجتمعات العربية والاسلامية وما سيترتب على اسقاط الامبراطورية العثمانية التركية او ما تسمى بدولة الخلافة العثمانية.
في أربعينيات القرن الماضي سعت جماعة الإخوان المسلمين إلى اسقاط بعض الأنظمة العربية التي كانت تخشاها أو تخشى منها بريطانيا على مخططاتها وفشلت مستخدمةً قوى اجتماعية والجيوش البسيطة التي كانت متواجدة في هذه البلدان ، ودائما كان الإخوان المسلمون يستخدمون قوى أخرى اجتماعية أو شعبية أو عسكرية ليقفوا خلفها منتظرين اللحظة التي سيتحولون فيها إلى واجهة لتلك الثورات أو الانقلابات، والأمثلة كثيرة وكان المثال الأبرز ثورة يوليو التي دخلوا معها في صراع مرير فيما بعض ، وفشلهم في تحقيق أهدافهم دفعهم إلى الارتماء في احضان الأنظمة الاستبدادية الرجعية التابعة للغرب والتي اطلق عليها فيما بعد أنظمة البترودولار ، وكانت هذه الجماعة الأداة المنفذة لأجندتها والمعادية لأي مشروع تغييري تطوري عربي أو إسلامي، وهذا ينطبق بشكل واضح على فترة ثمانينيات القرن الماضي والتي خدمت فيها المشروع الأمريكي والغربي في أكبر صراعاته مع الاتحاد السوفييتي الذي مثل أحد طرفي الثنائية القطبية، وكان مسرح هذا الصراع هذه المرة الجهاد في افغانستان بدلاً من تحرير فلسطين.
ومع بداية الألفية الثانية تحولت جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المتفرعة منها إلى أداة وذريعة لشن الحروب واحتلال بلداننا ومنها تنظيم القاعدة وبقية مسمياتها وخاصة بعد أحداث ديسمبر 2001م تحت مبرر استهداف برجي التجارة العالمية جرى احتلال افغانستان والعراق بحرب أمريكية ناتوية مباشرة ، ولأنها لم تنجح في ذلك لجأت أمريكا إلى اساليب الجيل الرابع والخامس من الحروب تحت شعارات إسلامية بلغت ذروتها في تحويل مشروع دمار الفوضى الخلاقة في منطقتنا والتي بدأت عام 2011م تحت ما يسمى "الربيع العربي"، والذي كان فيه الأخوان المسلمون ورقة أمريكا والغرب الرابحة.
ثورات الربيع العربي هي أحد أشكال الثورات الملونة التي اجتاحت شرق أوروبا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وهذا موضوع آخر، وما يهمنا هو أن ربيع الإخوان المسلمين بدأ من تونس وهاهو اليوم على ما يبدو سينتهي في تونس وهذا يقودنا إلى السؤال : لماذا فشل الإخوان المسلمون بقيادة شعوب الأمة نحو تغيير حقيقي؟.
والإجابة يمكن اختصارها بأن هذه الجماعة بطبيعتها ليست قوة تغييرية ولا تحمل مشروعاً حضارياً تطورياً ، وهي في احسن الأحوال تحاول أن تنفذ مشروع أمريكا والقوى الغربية واتباعها في المنطقة ، لعل ذلك يوصلها إلى الحكم تحت إرادة أمريكية غربية.
ما يجري اليوم في تونس هو فشل لتجربة أعتقد أنها الناجحة بين ثورات الربيع العربي ولأن الربيع العربي ليس فيه ثورات ينطبق عليه مفهوم الثورة كانت الانتفاضات الشعبية هي كما تصور الإخوان جسر عبور إلى السلطة وهي قصص تحكي انتهازيتهم بعد أن فشلت وتحولت إلى فتن وتدخلات أمريكية وغربية وإقليمية وصهيونية اخذت تجلياتها في الصراعات والحروب المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية.
الإخوان المسلمون سواء في تونس أو مصر اليمن أو ليبيا أو سوريا لم يكن لهم همُّ سوى الوصول إلى السلطة ولا يهم الأجندة والمخططات التي ستوصلهم إليها ، وبحكم فكرهم التكفيري ينظرون إلى الشعوب والمجتمعات أنها مباحة لهم ومستباحة لمن يقف وراءهم وهذا هو بالضبط ما جعلهم يوصلون بلداننا إلى استدعاء العدوان الخارجي كما هو الحال في بلادنا وكذلك سوريا وليبيا ، أما مصر فقد ظهروا وهم في السلطة أنهم القوة الاسوأ والأخطر إن بقيت في الحكم ، واليوم تونس على ذاك الطريق مع فارق في الخصوصية.
الأمور في تونس غير واضحة وفيها تدخلات اقليمية ودولية ، وهذا هو بالضبط ما يجعل الأمور حتى الآن ضبابية ولكن يمكن أن يكون هناك توقعات من خلال معطيات الأحداث التي سبقت ما يجري اليوم ومن خلال ما يجري اليوم بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد والتي كما يقول اضطرارية لمواجهة خطر أكبر كان يحيق بالدولة والشعب التونسي ، ولأن الرئيس التونسي ينظر إليه أنه من خارج الطبقة السياسية التي فسدت وأفسدت وفشلت في أن تكون حاملة لأي مشروع وطني سياسي واقتصادي واجتماعي لمصلحة هذا البلد فالمأمول ان يكون تجاوزها للأزمة التي يمر بها وانتقالها إلى نظام أفضل بدون الإخوان المسلمين أو حزب النهضة ، إلا إذا قام هذا الحزب الإخواني بمراجعة وتقييم تجربته والاعتراف بأخطائه وهذا غير معهود من الإخوان المسلمين الذين لا يعدمون الذرائع والمبررات لأخطائهم وخطاياهم وبحملون خصومهم المسئولية .. نرجو أن تخرج الشقيقة تونس مما هي فيه سليمة معافاة لأن الإخوان المسلمين بعد أن يبلغوا السلطة خيارهم إما نحن أو الطوفان. |