أمين الوائلي -
تكتشف كم نحن عاطفيون إلى حد إهمال العقل وتجاوز مسلّمات أولية ليست محل خلاف.. ولكننا أيضاً نجعلها أول ما نختلف فيه وحوله.. لماذا؟ لأن بعضنا ينسف المسلّمات ويعطلها تماماً كنوع من المغالطة. من الحشو أن نخاطب ونحاور الأشخاص، سواء أكانوا عاديين أو اعتباريين، لا باعتبار شخوصهم المحترمة وعقولهم المحترفة، وإنما باعتبار شهادة الميلاد أو محل الميلاد في القرية الفلانية أو المحافظة الفلانية التي ينتمي إليها بحكم الولادة والأسرة! ومن اللغو الزائد عن الحاجة والبعيد عن المعنى والفائدة أن نحاكم الأفراد وخصوصاً شاغلي الوظائف العليا والعامة ومن دونهم من الموظفين والمواطنين بالاعتماد على «البطاقة الشخصية والانتماء العائلي وإلى أية مدينة أو قبيلة أو شارع، ونوع الحجارة التي بُني بها منزله! تبديد فكري وإسراف في الإجحاف هو ما يصدق على حالات كهذه تتكلف الخوض فيما لا ضرورة له أو فائدة منه، وكأن الوطن والانتماء الوطني الكبير والنهائي غير كافٍ في نظر البعض لتقبل الآخرين والتزام الحوار النظيف في التعامل معهم سواء أكان ذلك في باب النقد والملاحظات حول وظيفة شاغل الوظيفة العامة أو في باب الاختلاف الطبيعي والمكفول في وجهات النظر والقناعات العامة أو الخاصة.. ونخشى أن تتطور الحالة ونصل إلى اليوم الذي نحكم فيه على الوزراء والمواطنين من خلال نوعية فصيلة الدم. لا أفهم كيف تجوّز أختنا «أنيسة محمد عثمان» محاكمة الآخرين بالانتماء المناطقي والجهوي؟ ولا كيف تجعل رأيها الشخصي البحت منطلقاً للحكم على سين أو صاد من الوزراء والمسئولين ومن في مستواهم بالاعتماد ـ فقط ـ على أن هذا من «تعز» وذاك من «حريب» وثالث من «طور الباحة»؟! استغربت كثيراً لاندفاع العزيزة «أنيسة» غير الموضوعي أو المنطقي في مهاجمة ومحاكمة شخص ومقام الوزير الدكتور رشاد العليمي ـ في عمودها الأسبوعي بجريدة «الوسط» عدد 27 فبراير بما ينم عن خبرة شخصية ومشاعر تخصها وحدها، ولكنها لم تتردد أبداً في تحويل الشخصي إلى عام وكأنها قاضية لا كاتبة رأي! مباشرة تتحول الكاتبة من سرد تفاصيل حادثة جنائية بشعة طالت شاباً في العاصمة صنعاء على يد ثلاثة من الجناة المجهولين تقطّعوا له في منطقة نائية وسرقوا ماله وبالغوا في الحقارة واللا آدمية بأن صبّوا على وجهه مادة «الأسيد» فاحترق وجهه ليفارق الحياة لاحقاً متأثراً بالإصابات البليغة، وهي بالتأكيد جريمة بشعة ويستحيل أن يقبل بها عاقل، أو من في قلبه ذرة إنسانية.. كما تقول الأخت أنيسة ونقول مثلها. لكنها تتحول من سرد الحكاية والتعبير عن مشاعرها ـ التي هي مشاعرنا تماماً ـ في التأثر والتأسف، إلى الهجوم والاستهداف الشخصي المركّز ضد شخص وزير الداخلية، بل حتى نسيتْ مخاطبة الوظيفة وإنما ركزت على الرجل بشخصه.. وأنا معني هنا بمناقشة هادئة مع الكاتبة وليس بالدفاع عن شحص. على عجلة من أمرها وبطريقة مؤسفة تعمّدت الكاتبة أن تمس خصوصيات الرجل ومنها الانتماء الأسري والعائلي، وراحت تحكم باستبعاده عن محافظة تعز أو نفي صلته العائلية بها وكأنها فتشت سجلات المواليد والهويات في إرشيف مكاتب السجل المدني وتأكد لها أن العليمي «مش من تعز».. ودعني أحيي الوزير الناجح الدكتور العليمي باعتباره وزيراً يمنياً ومواطناً يمنياً خرج من «الأعلوم» وخدم في تعز وصار نائباً لرئيس الوزراء. ومع خطأ مركّز في اقتحام اعتبارات وخصوصيات كهذه ولا علاقة لها بالموضوع والنقاش المعروض لا من قريب ولا من بعيد يجب رفض وإدانة الثقافة المناطقية ولغة التفتيت وتجزئة الانتماء الوطني ـ باعتبارنا جميعاً يمنيين وفقط ـ ليغدو التصور المفتعل وكأننا أمام خارطة من الانتماءات الضيقة والهويّات المناطقية والجهوية، هذا هروب من الموضوعية وسباحة في رمل وحصى لصيد سمك صحراوي غير موجود! وثانياً من غير المحمود ولا المحبذ أن ننخدع لأنفسنا ونتوهم أفضلية تمكن هذا أو ذاك من الناس والكتاب أو غيرهم من تحليل وتفسير الانتماءات والحكم على الأشخاص لجهة المنطقة، فهذا إسراف وتكلف يفسد الأشياء ولا يحمل فائدة أو رسالة يمكن التعامل معها والدفاع الفكري حيالها أو عنها. زد على ما سبق أن الحكمة تقتضي مخاطبة الموظف العام والمسؤول باعتبار وظيفته التي هي الأساس الذي يتيح لنا حرية الرأي والتعليق، على ألا نتجاوز فيهما حد اللياقة أو نخرج ونبتعد عن الحوار لنقع في الشخصنة والتحامل والاستهداف الشخصي. نعم هناك جرائم وحوادث جنائية مرعبة تحدث هنا وهناك، ويجب مراعاة أن المؤسسة الأمنية برمتها ـ وليس شخص الوزير المعني تحديداً ـ مهمتها ضبط الجناة والعمل قدر المستطاع على الحد من وقوع الجريمة، إنما لا يمكن بحال من الأحوال إلزام هؤلاء بمنع حدوث الجريمة نهائياً، وإلا فلنسأل: أين حدث شيء كهذا في العالم أجمع؟! ومن غير المفهوم أو المعقول أن نطالب وزير الداخلية بالاستقالة عن كل حادثة كما فعلت العزيزة أنيسة، ولكنها عمّمت وطالبت باستقالة المؤسسات التنفيذية كافة بما فيهم الرئيس والحكومة والوزير. لو كان هذا هو الرأي فإنه يجب أن نشكل حكومة ووزارة جديدة كل خمس دقائق على أكثر تقدير! شكراً لأنكم تبتسمون