الميثاق نت -

الثلاثاء, 17-أغسطس-2021
أحمد‮ ‬الزبيري‮ ‬ -
أُعلن عن قيام المؤتمر الشعبي العام في الـ24 من اغسطس عام 1982م بعد حوارات شاركت فيه كل القوى السياسية بمختلف تياراتها وتوجهاتها الوطنية والقومية والإسلامية واليسارية بعد استفتاء على مخرجات هذه الحوارات وإشراك الشعب اليمني في صياغة الأساس الفكري والدليل النظري للمؤتمر الشعبي العام "الميثاق الوطني" ، لينبثق هذا التنظيم الجماهيري الواسع من شرعية شعبية وسياسية وطنية جامعة ليشكل مظلة ديمقراطية اجتماعية وتنموية لكل القوى والأطراف الوطنية في ظل تحريم الدستور الدائم للعمل السياسي الحزبي آنذاك.
ومنذ بداية تشكيله ضمت تكويناته التنظيمية ممثلين لكل تيارات وألوان الطيف السياسي في الساحة اليمنية ، معبراً بذلك عن متطلبات تجاوز الأوضاع السياسية غير المستقرة آنذاك الناشئة عن الصراعات والفتن التي وإن كان لها مبرراتها الداخلية فقد كان للقوى الإقليمية والدولية من خلال استقطاباتها الحادة في تلك الفترة دورها بهدف إبقاء اليمن مجزءاً ومستنزفاً بالحروب الأهلية والشطرية والانقلابات وصراعات السلطة ، فكان قيام المؤتمر بهذا المعنى هو الانطلاقة الأولى نحو يمن مستقر يتفرغ فيه أبناؤه لإنجاز المهام المرتبطة بأهداف الثورة‮ ‬اليمنية‮ »‬26‮ ‬سبتمبر‮ ‬و14‮ ‬أكتوبر‮« ‬عبر‮ ‬جعل‮ ‬جهودهم‮ ‬تنصب‮ ‬على‮ ‬القضايا‮ ‬الرئيسية‮ ‬المتمثلة‮ ‬بالتنمية‮ ‬والبناء‮ ‬بالتوازي‮ ‬مع‮ ‬هدف‮ ‬إعاده‮ ‬تحقيق‮ ‬الوحدة‮ ‬اليمنية‮.‬
وهكذا‮ ‬جسد‮ ‬المؤتمر‮ ‬في‮ ‬سنوات‮ ‬تأسيسه‮ ‬الأولى‮ ‬تطلعات‮ ‬وآمال‮ ‬الشعب‮ ‬اليمني‮ ‬بعد‮ ‬نجاحه‮ ‬في‮ ‬اخماد‮ ‬نيران‮ ‬الفتن‮ ‬والصراعات‮ ‬والحروب‮ ‬والعمل‮ ‬باتجاه‮ ‬تعزيز‮ ‬المسارات‮ ‬الوطنية‮ ‬الوحدوية‮ ‬على‮ ‬مستوى‮ ‬اليمن‮ ‬كله‮.‬
وبالعودة إلى الخارطة السياسية للمؤسسين المشاركين في لجنة الحوار تتضح الأسباب والعوامل التي أدت إلى تلك النجاحات والإنجازات المجسدة لحقيقة أن المؤتمر الشعبي العام جاء حاملاً معه مشروعاً وطنياً لكل أبناء شعبنا في الشمال والجنوب والشرق والغرب ، وهذه التجربة هي‮ ‬ما‮ ‬نحتاجه‮ ‬اليوم‮ ‬لاستلهام‮ ‬أهمية‮ ‬الحوار‮ ‬والعمل‮ ‬على‮ ‬القواسم‮ ‬المشتركة‮ ‬انطلاقاً‮ ‬من‮ ‬إرادة‮ ‬وطنية‮ ‬صادقة‮ ‬بما‮ ‬يمكنها‮ ‬من‮ ‬تجاوز‮ ‬التحديات‮ ‬والأخطار‮ ‬التي‮ ‬تستهدف‮ ‬وجودنا‮ ‬ووحدتنا‮ ‬وحاضرنا‮ ‬ومستقبلنا‮.‬
استطاع المؤتمر بالشراكة مع الحزب الإشتراكي قيادة حوار بدأ من حيث انتهت إليه الحوارات السابقة باتجاه إعادة تحقيق الوحدة اليمنية ، وفي هذا الاتجاه اتخذت الأمور طابعاً تدريجياً وصولاً إلى اتفاقية الـ 30 من نوفمبر 1989م وانتهاء بإعلان تحقيق الوحدة اليمنية في الـ 22 من مايو 1990م ، وكان واضحاً أثناء السير نحو هذا الهدف العظيم أن هناك قوى في الشمال والجنوب تسعى إلى الحيلولة دون انجاز هذا الهدف ، بعضها كان موجوداً داخل المؤتمر والحزب الاشتراكي ، وبعد انجاز التحول الديمقراطي الرديف للوحدة وفي ظل التعددية اصبحت تلك القوى لها أحزابها وفي مقدمتهم حزب التجمع اليمني للإصلاح "إخوان اليمن" ، وفي المقابل داخل الحزب الاشتراكي ظهرت قوى اعتقدت أن الوحدة ستفقدها سلطتها وسطوتها ونفوذها فعملت على اختلاق المشاكل والصراعات وصولاً إلى حرب صيف 1994م وإعلان الإنفصال بدفع من قوى اقليمية‮ ‬ودولية‮ ‬على‮ ‬رأسها‮ ‬من‮ ‬يشنون‮ ‬اليوم‮ ‬الحرب‮ ‬العدوانية‮ ‬الإجرامية‮ ‬والشاملة‮ ‬على‮ ‬شعبنا‮.‬
وهكذا كان للدولة اليمنية الموحدة الديمقراطية التعددية صعوباتها وتحدياتها المرحلية والتي حاول المؤتمر الشعبي العام حلها ومواجهتها بعقلانية وعلى قاعدة نهجه الميثاقي المغلب للحوار والتفاهم والتسامح والتصالح، واضعاً نصب عينيه مصلحة اليمن وسيادته ووحدته ، ولكن تراكمات الأخطاء واستغلال بعض الأطراف السياسية لها كان يخلق تعقيدات جديدة ،وهذا لا يعني أن المؤتمر كان بريئاً من تلك الأخطاء لكنه كان الأقدر والأكثر استعداداً لمعالجتها وتصحيحها لو أن الآخرين ذهبوا في ذات الاتجاه لاخراج اليمن من مشاكله الداخلية السياسية والاقتصادية‮ ‬والاجتماعية‮.‬
وفي هذا السياق عملت بعض الأطراف الداخلية بالاتجاه المعاكس للمؤتمر لتعمق الاشكالات القائمة وتحولها إلى صراع سياسي بهدف الوصول إلى السلطة ، مع أنها كانت دوماٌ شريكة في الحكم وتحظى بأكثر مما تستحق، وكانت غاية المؤتمر الدفع بالأوضاع إلى الأمام وتجنب كل ما يعيق‮ ‬عملية‮ ‬الاستقرار‮ ‬والبناء‮ ‬والتنمية‮ ‬وإيجاد‮ ‬الحلول‮ ‬للمشاكل‮ ‬والصعوبات‮ ‬الموضوعية‮ ‬الحقيقية‮.‬
لقد عمل المؤتمر جاهداً على احتواء مجمل الاشكالات إلا أن المخطط كان أكبر من احتوائه وتجلى ذلك في أزمة 2011م والتي كانت امتداداً لمخطط الفوضى الذي يراد للمنطقة عموماً واليمن بصفة خاصة الدخول في نفقه المظلم وفي ظروف وأوضاع تمظهرت فيه المؤامرة بوضوح ، وفي ظل حلول ملتبسة للأزمة اليمنية قبل المؤتمر الخروج من السلطة علّ في ذلك مخرجاً يلبي مصالح اليمن العليا والشعب اليمني ، ولكن رياح المؤامرة كانت على عكس ما ارادته سفن المؤتمر الابحار باليمن نحو شواطئ تضعه وشعبه العظيم على بر السلامة، وهذا لم يحصل لأن الأجندة الخارجية‮ ‬لاسيما‮ ‬السعودية‮ ‬والإماراتية‮ ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬تريد‮ ‬لليمن‮ ‬الأمن‮ ‬والاستقرار‮ ‬وإنما‮ ‬استغلال‮ ‬ازماته‮ ‬وصراعاته‮ ‬الداخلية‮ ‬للوصول‮ ‬إلى‮ ‬شن‮ ‬العدوان‮ ‬الإجرامي‮ ‬الوحشي‮ ‬في‮ ‬26‮ ‬مارس‮ ‬2015م‮ ‬والمستمر‮ ‬حتى‮ ‬يومنا‮ ‬هذا‮.‬
وبعد أن تبين ما يراد لليمن وشعبه من دمار وخراب وتقسيم لم يكن أمام المؤتمر إلا الوقوف مع شعبه في مواجهة هذا العدوان الهمجي المعروفة أهدافه وغاياته دون التخلي عن مبادئه التي تؤكد على سيادة اليمن ووحدته واستقلاله ، وفي نفس الوقت البحث عن حلول للأزمة اليمنية داخلياً بما يوحد الصف الوطني ويعمق متانة تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان ومطالبة دوله بوقف حربهم الظالمة على اليمن وشعبه العظيم والذهاب إلى مفاوضات تؤدي إلى رفع حصارها ووقف عدوانها وبما يصون سيادة اليمن وخروج القوى الأجنبية من أرضه والتعويض عما لحق اليمن‮ ‬وشعبه‮ ‬من‮ ‬دمار‮ ‬وخراب‮ ‬ودماء‮ ‬دون‮ ‬وجه‮ ‬حق‮..‬،‮ ‬وبناء‮ ‬علاقات‮ ‬على‮ ‬اسس‮ ‬جديدة‮ ‬تقوم‮ ‬على‮ ‬الندية‮ ‬وعدم‮ ‬التدخل‮ ‬في‮ ‬الشئون‮ ‬الداخلية‮ ‬وإنهاء‮ ‬كل‮ ‬اشكال‮ ‬الهيمنة‮ ‬والوصاية‮ ‬الخارجية‮.‬
المؤتمر الشعبي العام اليوم وعلى أبواب ذكرى تأسيسه الـ 39 ماضٍ على أرضية صلبة من التجارب والخبرات التي اكسبته القدرة على مواجهة التحديات والتعاطي بوعي ومسئولية تجاه وطنه وشعبه ،ودراسة تجربته بروح وطنية لا تحاول التغطية على أخطائه وتبريرها كما يفعل الآخرون بل‮ ‬بنقدها‮ ‬وأخذ‮ ‬العبرة‮ ‬منها‮ ‬واستيعاب‮ ‬دروسها‮ ‬،‮ ‬ولهذا‮ ‬بقي‮ ‬وسيبقى‮ ‬المؤتمر‮ ‬الشعبي‮ ‬العام‮ ‬ثابتاً‮ ‬على‮ ‬مواقفه‮ ‬ورقماً‮ ‬يصعب‮ ‬تجاوزه‮ ‬لما‮ ‬يملكه‮ ‬من‮ ‬رصيد‮ ‬وطني‮ ‬ونظرة‮ ‬ثاقبة‮ ‬لمصلحة‮ ‬اليمن‮ ‬في‮ ‬الحاضر‮ ‬والمستقبل‮.‬

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 06:54 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-61012.htm