مطهر تقي - اعتقد واضعو، النظرية السياسية الماركسية التي ظهرت جلية بداية القرن العشرين كنموذج للفكر المادي المتطرف، أنها النظرية السياسية الوحيدة القادرة على إنقاذ حركة العمال والإنسانية عموما من عبودية الرأسمالية المسيطرة وقتها على الغرب.
كما ظن مفكرو حركة الاخوان المسلمين وعلى رأسهم حسن البناء وسيد قطب أن النظرية السياسية والفكرية للاخوان المسلمين هي المنجى من عذاب القبر والنار لكافة المسلمين والضامنة لبناء مجتمع إسلامي متميز
ولا تختلف بقية النظريات والدعوات السياسية والدينية في ادعائها أن الحل لمشاكل الإنسان الحياتية يكمن في اتباع الجماهير لتعاليمها وتوجهاتها ولا تتنازل تلك النظريات السياسية والدينية عن الولاء المطلق والطاعة العمياء لكافة من يتبعها فمضمون دعوتها وتعاليم قادتها المعصومة عن الخطأ او القائد او العالم الرباني الذي لا يمكن عصيان أوامره وعدم تنفيذ تعليماته بكل دقة وتفانٍ.. لا يحق لأتباع تلك النظريات حرية التفكير وحرية الاقتناع وكذلك حرية حق الاعتراض او إبداء الرأي في تلك النظريات او تلك الدعوات والممارسات الخاطئة فالمرشد او الفقيه هو فوق اي تشكيك في آرائه ومعتقداته وتعليماته فما انت ايها العضو إلا ترس في عجلة كبيرة او جندي يجاهد في سبيل الله وليس لك حق التفكير او الاعتراض في تعاليم ذلك الحزب او تلك الحركة..
فطاعة ولي الأمر واجبة حتى لو شرب الخمر او قتل او نهب أموال المسلمين..
وكان ذلك التشدد ومصادرة حرية الإنسان واعتباره حيوانا ناطقا مطيعا ليس له حق الاعتراض السبب الرئيسي في فشل تلك النظريات وتلك الدعوات او بقائها بقوة السلاح والهيمنة والعسف والجور..
ومن يطلع على تاريخ حكم تلك النظريات ونتائج ماآلت إليه من فشل وانحسار يتأكد أن فرض النظريات الفكرية والسياسية بالقوة وعدم الاقتناع ومصادرة حق الاعتراض والرأي الآخر... وكذلك استخدام الدين بهدف الاستيلاء على الحكم من خلال تطويع تفسير آيات لله وأحاديث نبيه ومن زاوية ضيقة هدفها خدمة ذلك المذهب الديني لذلك الحزب او المجموعة لا يمكن أن يكتب لها النجاح واذا كتب فلزمن محدد تكون آخرته قتالاً وحروباً..
ومن خلال قراءة التاريخ اليمني ومحطاته السياسية التي نجح بعضها بفعل عدالة حكامها وتوسيع المشاركة في الحكم وبعضها فشل بسبب تسلط الحكام والقسوة والغلظة بتعاملها مع الناس. وقفت لجنة الحوار الوطني المكلفة وفق القرار الجمهوري رقم خمسة من عام 1980م لوضع رؤية وطنية لوثيقة سياسية جامعة لكل أبناء اليمن ممثلة بالميثاق الوطني ليكون جامعاً لكل القوى السياسية وقيام تنظيم سياسي يمني يضع حداً لتحريم الحزبية في الجمهورية العربية اليمنية مؤلفة من خيرة رجال اليمن بكل شرائحه وفئاته السياسية والفكرية والثقافية والمجتمعية بمن فيهم قيادات حزبية تعمل تحت الأرض بصورة غير قانونية وقيادات حزبية معارضة كانت في الشطر الجنوبي من الوطن فكانت تلك اللجنة بكل اطيافها السياسية من إخوانية واشتراكية وبعثية وناصرية ومستقلة.. اول لجنة تضم ذلك الطيف السياسي المتنوع والمتصارع احيانا الذي كان من المستبعد في ذهن البعض أن تجمع تلك الأحزاب المتعارضة طاولة واحدة للبحث في إمكانية إيجاد مكون سياسي يمني جامع لكل الاطياف السياسية..
والاعتقاد أن استمرار تواصل اجتماعات تلك اللجنة بالرغم من تناقضات أفكار أعضائها حتى أكملت اللجنة العليا للحوار الوطني عملها بنجاح في إنجاز وثيقة الميثاق الوطني وحسب كلام رئيس اللجنة العليا للحوار الوطني الأستاذ المناضل حسين المقدمي كان وراءه الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية وقتها الذي كان حريصاً على نجاح عمل اللجنة وتذليل كل مشكلة بين أعضائها خصوصا وهو يبدأ عصره الذهبي الذي استمر حتى عام 1990م بعد تمكنه من فتح باب التصالح والتسامح مع القوى السياسية والقبلية والمجتمعية التي كانت علاقاتها البينية في نهاية سبعينيات القرن الماضي يشوبها الصراع والخلاف الذي انتهى بقتل رئيسين خلال عام فكان الرئيس وقتها بما لديه من خبرة وما بذله من جهود لفتح صفحة جديدة مع قيادة الشطر الجنوبي من الوطن قد ساهم في نجاح أعمال تلك اللجنة بعد قرابة عامين ونصف من الاجتماعات الجادة وخرجت بوثيقة مشروع الميثاق الوطني بإجماع كل أعضائها.. وبعد ذلك الجهد الاستثنائي وتوافق كل القوى السياسية عن طريق الحوار والتفاهم من أجل مصلحة اليمن أصدر الرئيس توجيهاته أن تتحول لجنة الحوار الوطني- التي كان أحد أعضائها الشاب صادق امين ابو راس رئيس المؤتمر الشعبي العام اليوم -إلى لجنة تحضيرية للإعداد لقيام المؤتمر الشعبي العام فتوزعت تلك اللجنة العليا الى لجان مختلفة هدفها الإعداد للمؤتمر العام الأول الذي حضره ألف عضو تم انتخابهم انتخاباً حراً من كل المحافظات.. وقامت بعض الأحزاب المشاركة في الحوار بترشيح من يمثلها في ذلك المؤتمر وتم عقد ذلك المؤتمر في أغسطس 1982 في ظل أجواء ديمقراطية جمعت الشتات السياسي في بوتقة واحدة ملأت الفراغ السياسي في البلاد ووضعت حداً للفرقة والتناحر السياسي وذلك بالاتفاق على رؤية سياسية جامعة ليست مفروضة من حزب سياسي واحد او رؤية احادية منسوبة إلى رئيس او قائد او مفكر او فيلسوف لخص رؤيته السياسية من خلال فلسفته وثقافته وقناعته الشخصية السياسية او الدينية لكنها رؤية سياسية تعبر عن ثقافة وفكر جميع النخب السياسية والفكرية والثقافية والمجتمعية بقناعة تامة كما اكدت ذلك القيادات الحزبية المختلفة التي شاركت في صنع تلك الوثيقة المهمة بعيداً عن الاملاءات او الهيمنة للرئيس او جهات أمنية ما..
ويمكن لنا التأكيد أن الحقائق الخمس للميثاق الوطني ووثائق المؤتمر المختلفة قد جعلت الولاء الأول لله سبحانه وتعالى ثم لليمن الواحد ومصلحته الوطنية العليا التي هي فوق كل المصالح الحزبية والقبلية والمناطقية وجعلت من العدل بين كافة المواطنين هدفاً سامياً لها كما أكدت أن الديمقراطية وسيلة لابديل عنها للتداول السلمي للسلطة وحكم الشعب نفسه بنفسه.. كما أن من أهم ماتتميز به وثائق المؤتمر احترامها لعقلية أعضائه، فالمؤتمر ليس بالحزب المنغلق على ذاته من خلال تشدد أحكامه وقيوده على اعضائه ودكتاتورية قيادته بل هو تنظيم يتميز بالاحترام والتقدير لأعضائه فلاعصبية حزبية أو فرقة مناطقية او تمايز سلالي فئوي تتسلط وتتحكم فيه شريحة مآ فالكل في نظر المؤتمر مواطنون يمنيون عليهم واجبات واحدة ولهم حقوق متساوية حتى إذا قرر أحد أعضاء المؤتمر الانسحاب من العضوية إلى حزب آخر فلا يسجن او يفصل من وظيفته او ينتقم منه بصورة او أخرى بسبب خروجه من التنظيم وافشاء أسراره فالمؤتمر يتميز بالشفافية سواء في محتوى ادبياته او محاضر اجتماعاته ووثائق مؤتمراته.
وحين نستعرض مسيرة المؤتمر ابتداء بمؤتمره الأول عام 1982م الذي أحدث نقلة سياسية مهمة وما تحقق بعد ذلك من منجزات أمنية على مستوى الجمهورية العربية اليمنية وأهمها استتباب الأمن في المناطق الوسطى وبعض من تعز وعتمة ووصابين ثم بناء سد مأرب وتحقيق المنجزات التنموية وأهمها اكتشاف البترول والغاز وتصديره والخروج من التبعية الاقتصادية للسعودية بعد قطع مساعداتها المالية لخزينة الدولة عام 1981م كذلك ماشاهدته محافظات الجمهورية من نهضة تعليمية وصحية وشق الطرقات والنقله الاقتصادية والمعيشية للمواطن اليمني.. الى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية الحلم العظيم للشعب اليمني وانتقال مسيرة التنمية بكل انواعها إلى المحافظات الجنوبية الشرقية التي حرمت منها طيلة سنوات طويلة..
وبعد ذلك الحدث العظيم تم الإعلان عبر دستور الجمهورية اليمنية حرية قيام الأحزاب السياسية في اليمن الجديد فخرجت من تحت مظلة المؤتمر الشعبي العام قيادات مختلفة لاحزاب وقوى عدة وأعلنت قيام أحزابها المستقلة بكيانها السياسي ونظرياتها وأصبح المؤتمر الشعبي العام من عام 1990 تنظيماً سياسياً مؤتمرياً خالصاً يتعاون مع بقية المكونات السياسية الجديدة لما فيه خدمة اليمن الواحد.
وتعتبر محطة عام 2011وما شهدته الساحة اليمنية من اضطراب سياسي عصف بأركان الدولة التي ضعف شأنها واضطربت احوالها - لأسباب لا أجد ذكرها في هذا المقال مناسباً - وبعد هذه الاضطرابات ظن البعض ان المؤتمر الشعبي العام قد غربت شمسه بخروجه من احضان الدولة والسلطة ولم يبق من نبض حياته إلا شخصية وكاريزما رئيسه علي عبدالله صالح من تبنى مساعدة النخب اليمنية من تأسيسه وكان الجامع والداعم لإعضائه.. وبعد استشهاد علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017 اشاع خصوم المؤتمر أنه فارق الحياة بموت رئيسه وها هي السنة الرابعة من ذلك الزمن والمؤتمر بقيادة رئيس المؤتمر المناضل صادق بن أمين أبو راس أحد مؤسسي وناشطي لجنة الحوار الوطني واحد قياداته طيلة تلك السنوات الطويلة.. ومعه نوابه وأعضاء اللجنة العامه في المؤتمر يتحملون مسئولية استمرار مسيرة المؤتمر وقيادة أعضائه الكثر في مختلف أنحاء اليمن بشرعية اكدتها نتائج اجتماع اللجنة الدائمة الرئيسية بغالبية اعضائها في مايو عام 2018 حيث واصل مسيرته كتنظيم رائد يتحمل مسؤولية مواجهة العدوان الغاشم والحصار الجائر مع الخيرين من مكون أنصار الله وكل الشرفاء من المكونات السياسية التي فضلت البقاء مع شعبها في خندق واحد حتى يعم السلام والأمن ربوع اليمن المكلوم بكل انواع القهر والظلم ووطأة المجاعة والفقر والقتل والتشريد حتى يحكم الله بين الاخوة.
ومن المؤكد أن مضمون الميثاق الوطني ومختلف أدبيات المؤتمر الشعبي العام كما أشرنا سابقاً تتميز باحترامها لعقلية واختيارات من ينتمي إليه فكرياً وسياسياً واجتماعياً بل إن تلك الميزات هي سر من أسرار بقائه وتعلق الجماهير به كتنظيم سياسي رائد لا يؤمن بالدكتاتورية الحزبية الموجهة ولا بالعبودية السياسية الدينية الممثلة لله في الأرض ولا بالطاعة العمياء لقيادته الملهمة المعصومة من الخطأ.
وسيكون المؤتمر أكثر قوة وعطاء ولحمة مع جماهيره كلما كانت قيادته أكثر حباً للوطن ونموذجاً للنزاهة والشرف ومحاربة الفساد وتتعامل مع متطلبات العصر وكذلك المستقبل برؤية سياسية وتنموية وفكرية متطورة..
والله المعين لقيادته التي تقبض اليوم بيدها على الجمر.
|