جمـيل الجعـدبي - حينما عاد إلى صنعاء من رحلته العلاجية التي استغرقت عاماً كاملاً، مثخناً بجراحه جراء العمل الإرهابي الذي استهدف قيادات الدولة في جامع الرئاسة أثناء أدائهم صلاة الجمعة 3 يونيو 2011م، عاد متسامحاً متصالحاً معلناً باسم المؤتمر أن المؤتمر الشعبي العام يمدّ يديه إلى كل المخلصين لانتشال اليمن من أزمته بعيداً عن المزايدات.
كان أول قيادي مؤتمري من مجموعة من أطلق عليهم (الشهداء الأحياء)، بل أول مسئول يمني، في تلك المرحلة - عالية الاحتقان- يصدح علناً بلغة تصالحية تسامحية، لغة تعلي قيم السلام والمحبّة، على مفردات العنف والكراهية واستجرار الاحقاد والضغينة..
رغم أنه كان أكثر ضحايا تفجير جامع الرئاسة جراحاً حيث فقد احدى عينيه وإحدى قدميه، إضافةً إلى جروح وشظايا أخرى تشتّتت في أجزاء عدة من جسده، بدا رئيس المؤتمر الشعبي العام، الشيخ المناضل/ صادق بن أمين ابو راس،خلال عودته من رحلة التطبيب في يونيو 2012م، حريصاً على لملمة ومداواة جراح وطنه اليمن، وتجنيبه مغبة الانزلاق إلى أتون الفوضى والحرب .
تذكرت هذه الواقعة وانا أطالع ماكتبه اسم مستعار فاقد الشجاعة بلغة سوقية متجردة من أي قيم مهنية أو أخلاقية ، تضمنت لمزاً وتعريضاً صريحاً بآلام وأوجاع وجراح الرجل الصادق أبو راس، وفقدانه إحدى عينيه في الجريمة المشهودة إياها، وهو ما اعتبره هذا المجهول انتقاصاً ومنقصة من الشيخ صادق، ومصدراً لـ(معايرة) الرجل، في صورة جلية لمعنى الابتذال والسقوط السياسي والأخلاقي والمهني وتهاويه إلى الدرك الأسفل من الانحطاط ..
نعم .. لقد فقد الشيخ صادق أبو راس إحدى عينيه، وإحدى قدميه، وتضررت كلّ أجزاء جسده، وبات من منظور مرتزقة فنادق 5 نجوم خارج اليمن،(أعور وأعرج)، ذلك لأنه يوم الجريمة كان قريباً جداً من الانفجار، في الصف الأول، قريباً من قياداته وفياً لهم، حاضراً في الضرّاء، كان واضحاً في مواقفه غير متلوناً، صادقاً مع نفسه ومع ربّه ومع قياداته في المؤتمر وفي الدولة.
ونَعم يا هؤلاء.. بقيت جراح أبو راس بيّنةً في إحدى عينيه وإحدى قدميه، بل وفي معظم أجزاء جسده، أتدرون لماذا ؟ لأن الحكومة حينها تكفلت ببعض نفقات العلاج فقط، ولأن أبو راس لم يتحصل على الدعم الذي كان يحتاجه لاستكمال العلاج، وتحمّل في الفترة الأخيرة نفقات علاجه، ولأن مراحل علاج أخرى لم تُستكمل.
أصيب أبو راس بجروح عدة، ذلك لأنه كان آخر قيادي مؤتمري يحاول إخماد الحرائق وإطفاء نيران خطاب الكراهية والتحريض على العنف والعنف المضاد، ففيما كان أمثال هؤلاء ينفخون بتصريحاتهم ومواقفهم التصعيدية في كير الأزمة قبيل انفجارها عام 2011م، كان أبو راس يوقّع باسم المؤتمر مع شركاء الحياة السياسية (احزاب المشترك وشركائهم) أواخر يوليو عام2010م، محضراً بأسماء مائتي شخصية يمثلون الجانبين لإجراء حوار وطني يعوّل عليه إخراج البلاد من الأزمة حينها.
الذين يهاجمون أبو راس - رئيس المؤتمر الشعبي العام- اليوم من أبراج عاجية في فنادق وشاليهات ومنتجعات وأحواش سفارات الخارج، بزعمهم إقصاء وفصل الشباب من عضوية المؤتمر الشعبي العام، اعتسافاً للحقيقة وقفزاً على الواقع، نذكّر هؤلاء أنّ أبو راس، هو أول قيادي مؤتمري، وأول مسئول حكومي دعا صراحةً قبل 9 سنوات معاصريه في الدولة والاحزاب والقوى السياسية إلى " ترك الأمور للشباب في مختلف الإدارات الحكومية والحزبية وتطبيق قانون التقاعد على الجميع" .
ولمثل هؤلاء نقول: مادمتم تعايرون الرجل بآثار وجراح أقدار إلهية لا حول له ولا قوة بها، فإن ما لا تدركونه ويصعب عليكم فهمه، أنّ جراح الرجل وآلامه أعمق من رؤيتكم القاصرة، على معايرته والشماتة من أوجاع جسده، فأشبعوا رغبتكم هذه، واعلموا أن جراح ابو راس وآلامه عميقة بعمق وحجم جراح الوطن وآلام مواطنيه ومعاناتهم جراء الحرب والحصار المفروض على اليمن أرضاً وإنساناً وتاريخاً منذ 7 سنوات ماضية.
وبقدر ما كانت وستبقى جراح أبو راس بمثابة نياشين وأوسمة على صدره، وشاهد حي أرادت الأقدار أن يكلل بها سجلّه النضالي وتضحياته دفاعاً عن الثورة والجمهورية وحماية المكتسبات الوطنية ومبادئ وقيم الميثاق الوطني وبرامج المؤتمر الشعبي العام، فإنها في ذات الوقت توثّق لمرحلة تاريخية من احتراب اليمنيين فيما يبنهم وتدمير بيوتهم وتكالب قوى الاستعمار عليهم، كان لنزقكم ونرجسيتكم وهوسكم وأطماعكم وأنانيتكم المفرطة، قصب السبق في تأجيج صراعها وإشعال وقودها.
|