حاوره/ رئيس التحرير - دعا الدكتور بشير العماد الجهات القضائية بسرعة البت في قضايا الفساد.
وقال العماد: إن جهود محاربة الفساد تتحول للأسف الى حلول ناعمة تعطي منظومة الفساد الفسحة الكافية للاستمرار والتوسع.
وأوضح أن انشاء اللجنة العليا لمكافحة الفساد كان بناءً على التزامات دولية وتم بدون دراسة لواقع العمل الرقابي ومهام الاجهزة الرقابية ونتج عنه ذلك تداخلفي المهام والاختصاصات.. الى الحصيلة:
* الفساد آفة سبق للمجلس السياسي الإعلان عن محاربته.. كيف تقيمون هذا الإعلان وما تبعه من إجراءات باتجاه احتوائه او القضاء عليه ؟
- تتكرر الإعلانات عن محاربة الفساد من العديد من الجهات الرسمية، وعند كل اعلان يتطلع المواطنون الى اعلان نتائج تتناسب مع حجم الفساد ومع التوجه المعلن لمحاربة الفساد، ولكن للأسف ان جهود محاربة الفساد تتحول الى حلول ناعمة تعطي منظومة الفساد الفسحة الكافية للاستمرار والتوسع، ونرجو من المجلس السياسي السير في إجراءات مكافحة الفساد وإحالة الفاسدين الى الجهات القضائية.
الإعلان عن محاربة الفساد دون ان يلمس المواطن أي نتيجة يجعل المواطن يشعر باليأس وكأن الفساد اصبح مرضاً عضالاً لا دواء له.
* أين تكمن المشكلة وما الذي يتطلب بصورة عاجلة اتخاذه ؟
- مشكلة الفساد يمكن تحديد أسبابها بالآتي:
1- ضعف الوازع الديني والرقابة الذاتية
2- الجهل بالقوانين واللوائح
3- عدم تفعيل مبدأ: من اين لك هذا ؟
4- التراخي في إجراءات المحاسبة والمعاقبة
وهنا يجب ان يفهم الجميع ان المسؤول الفاسد يعتدي على الثوابت الوطنية وينتهك المبادئ الدستورية والقانونية والأخلاقية كما انه يسرق قوت كل مواطن، يسرق ابتسامته ويسرق حقه في العيش الكريم وحقه في التعليم والصحة والخدمات العامة
واعتقد ان ما يجب اتخاذه بصورة عاجلة سرعة البت في القضايا المحالة الى الجهات القضائية لكي تصل رسالة عاجلة عملية لكل فاسد بانه سيكون تحت المساءلة القضائية.
* المتخصصون المتابعون لقضايا الفساد يشيرون الى أهمية صلاح المنظومة القانونية باعتبارها القاعدة الرئيسية لهذه الحرب ؟
- المنظومة القانونية تمثل الحد الأدنى من الحماية وبطبيعة الحال فإن القواعد القانونية تحتاج الى تعديل وتوسيع بما يتناسب مع توسع وتعدد مظاهر الفساد، ومن الملفت ان الفساد والفاسدين عملوا على تطوير وتحديث اساليبهم القذرة بحيث تلتف على الضوابط القانونية بل انهم عملوا على تطويع وتسخير بعض النصوص القانونية لتمرير أفكارهم الشيطانية وألاعيبهم العدوانية..
ونقول هنا ان تطبيق القوانين بصيغتها الحالية يمكن ان يمثل البداية الصادقة نحو مكافحة الفساد على ان يتم تعديل وتطوير القانون بحسب الاحتياج
* كلما اتسع الفساد صعبت معالجة آثاره وتداعياته.. في نظركم ما ابرز ما تشكل من تداعيات جراء الفساد ؟
- بالتأكيد ان اتساع دائرة الفساد له آثار مدمرة سواء فيما يتعلق بالمرحلة الحالية او مستقبلاً، حيث يؤدي التراخي في معالجة آثار الفساد الى انتشار مظاهر الفساد حتى أصبحت لدى البعض المظاهر مألوفة وغير مستهجنة.
وغني عن البيان ان تداعيات الفساد تكون كارثية ومدمرة سواء فيما يتعلق بتفسخ القيم والمبادئ او ما يتعلق بالمرافق ذات الانتشار الواسع مثل الامن والتعليم حيث ان الفساد فيها ستكون نتائجه لسنوات قادمة لأنها تنسف الاخلاق الرفيعة والقيم السامية، وايضاً المؤسسات التعليمة التي تبني الأجيال اذا كانت قائمة على فساد وعلى مخالفات القانون فكيف ستكون مخرجاتها.
* هل يعود انتشار الفساد الى قصور أداء الأجهزة الرقابية او لغياب اطرها بمختلف الجهات ؟
- الأجهزة الرقابية تقوم بمهامها بشكل غير مرضٍ لان نتائج عملها لم يلمسها المواطن فلم نسمع عن إحالة قيادات تنفيذية الى القضاء او الحكم عليم بحسب القوانين رغم انتشار مظاهر الفساد بشكل كبير، ولو تتبعنا عدد الأجهزة الرقابية بشكل عام والمهام المناطة بها فيجب ان تختفي كافة مظاهر الفساد، حيث ان المؤسسات الرقابية متعددة سواء في إطار الرقابة الداخلية او الخارجية او الأجهزة المستقلة او الرقابة القضائية او التشريعية، لكن للأسف جميعها لا تتعدى الظواهر الصوتية فقط ويمكن القول ان أداءها ينطبق عليه مقولة (نسمع جعجعة ولا نرى طحينا).
* اللجنة العليا لمكافحة الفساد نشاطها في حالة سبات.. بِمَ تفسرون ذلك ؟
- لا يخفى على الباحثين والمختصين ان انشاء الهيئة كان بناء على التزامات دولية وتم بدون دراسة لواقع العمل الرقابي ومهام الأجهزة الرقابية القائمة، ونتج عن ذلك تداخل في الاختصاصات والمهام بدليل وجود أصوات كثيرة تنادي بضرورة العمل تحت مسمى مجلس التنسيق، وهذا يعد عملاً غير دستوري باعتبار ان العمل الرقابي يجب ان يكون منضبطاً جداً بدون تداخل او تعارض في المهام والاختصاصات ويفترض ان نجد الإجابة عن التساؤل ماهي الإنجازات التي قامت بها الهيئة؟
فلم نلمس أي نتائج إيجابية لعمل الهيئة ومن المضحك ان الهيئة التي يفترض ان تقوم بمهام مراقبة تنفيذ القانون والالتزام به يتم تشكيلها بالمخالفة للقانون.
* هناك دعوات الى اشراك المجتمع في محاربة الفساد.. في نظركم ما الوسائل المجتمعية الممكنة لتحقيق هذه المشاركة بصورة فاعلة ؟
- المواطن هو المالك الحقيقي للمال العام وللوظيفة العامة وبالتالي فهو الخصم الحقيقي للفاسدين والعابثين، ويجب ان يكون دور المواطن حاضراً في كل المواقف لكي تتكاتف الجهود وتتكامل وتمثل دوراً مجتمعياً واعياً ومنضبطاً ينتج عنه إيقاف العبث بالمال العام والاعتداء على الوظيفة العامة وتوجيه رسالة قوية لكل مسؤول فاسد ان المواطن لن يسمح بنهب ماله وثروته وثروات أولاده واحفاده من قبل مجموعة من اللصوص والعابثين، ويمكن لكل مواطن إيصال صوته عبر الوسائل الإعلامية او مواقع التواصل الاجتماعي او اللقاءات والفعاليات الجماهيرية والشعبية.. الخ.
ويجب ان يشكل الجميع صوتاً واحداً في مواجهة الفساد والفاسدين بأنهم منبوذون من المجتمع.
* هناك من يرى أهمية الاستفادة من تجارب دول أخرى في هذا المضمار.. هل لمستم كمتابع ومهتم بقضايا الفساد ان هناك اقتراباً من هذه التجارب ؟ وما الذي يمنع عدم الاستفادة منها ؟
- تجارب الدول الأخرى جاءت نتيجة إجراءات داخلية في تلك الدول نتج عنها ما وصلت اليه كل دولة، وهناك خصوصية لبعض الدول، ولا يمكن استنساخ تجربة أي دولة بكافة تفاصيلها، ولكن يمكن الاستعانة بالوسائل والأدوات ودراستها ومحاولة مواءمتها لكي تتناسب مع المنظومة الرقابية في البلاد، واعتقد ان محاولة الاستفادة من تجارب الآخرين لن تكون مجدية اذا لم يوجد التوجيه الصادق والجاد لمحاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين والعابثين.
* تمثل الرؤية الوطنية في معالجتها لقضية الفساد مرتكزاً مهماً.. هل ترون ما يتم على الواقع يمثل ترجمة لها ؟
- الرؤية الوطنية تضمنت طموحات كبيرة جداً ولم تراع الواقع في العديد من اجزائها، واعتقد ان الأرضية التي انطلقت منها الرؤية تعد أرضية قوية قد لا تتوافر لاحقاً باعتبار ان الرؤية تعاملت مع سلطات الدولة الثلاث وهذا يعد وضعاً مثالياً اذا تم استغلاله بما يحقق توحيد وتنسيق الرؤى والاهداف.
ونأمل ان يتم تقييم مراحل الرؤية بما يفضي الى السير وفق اطر منهجية وواقعية كما نأمل ان يتم تقييم الرؤية وفقاً لما يفرزه الواقع وليس وفق التقارير المكتبية التي تعد في غرف مغلقة.
* دور الاعلام بصورة عامة في مكافحة الفساد كيف ترونه ؟
- الاعلام من اهم وسائل حشد وتوعية وتنوير الرأي العام وهو سلاح ذو حدين فقد يكون عاملاً مساعداً في مكافحة الفساد اذا تم تأطيره في أطر وطنية قانونية بعيداً عن المناكفات السياسية وقد يكون سلاحاً داعماً للفساد إذا تم التعاطي مع قضايا الفساد دون ضوابط قانونية ورؤية وطنية، لا نريد من الاعلام ان يتحول الى منصات للمحاكمات كما لا نريد ايضاً ان يتحول الاعلام الى أدوات للدفاع عن الفاسدين دون أي تحقيقات او محاكمات فيجب ضبط الأدوار وتنسيقها بحيث تؤتي ثمارها في القضاء على الفساد والفاسدين.
* هناك تعليل لقصور الأداء الإعلاني في هذا الجانب.. إلى كونه يفتقد للمعلومات واي تناولات قد يجعله عرضة للقضاء؟
- يستطيع الاعلام مكافحة الفساد دون أي معلومات عن الوقائع وذلك من خلال التوعية بمخاطر الفساد واضراره وكذلك مظاهر الفساد وادواته، بهذا سيقوم الاعلام بتحصين المواطن ضد ثقافة الفساد وتهيئ المواطن لتتبع حالات الفساد والابلاغ عنها.
* كيف يمكن للإعلام الحصول على المعلومة خاصة من قبل الأجهزة الرقابية ؟
- يمكن لوسائل الاعلام العمل والحصول على المعلومات من خلال انشاء علاقة يسودها الثقة مع الأجهزة الرقابية والقضائية وكذلك مع المواطنين لكي يكون الجميع مصدراً للمعلومة الصحيحة والموثوقة التي تصل بالجميع الى محاربة واقعية للفساد والمفسدين.
* ماذا عن دور البرلمان الرقابي ؟
- يعد البرلمان صاحب الصلاحيات الرقابية المطلقة كون صلاحياته الرقابية تضمنها الدستور بشكل واسع ويمكن القول ان البرلمان له مهام رقابية وسابقة لكن للأسف البرلمان لا يتجاوز دوره ان يكون فزاعة امام الفاسدين، لذا ويجب عليه التصدي للفساد من خلال مهامه الرقابية في الاستجواب والمساءلة وسحب الثقة، كما يجب ان يتذكر أعضاء البرلمان انهم نواب هذا الشعب ويفترض ان يكون عملهم بما يحقق مصالح الشعب والحفاظ على أمواله ومكتسباته.
* هل يمكن للمؤسسات التعليمية كالجامعات الاسهام علمياً في مكافحة الفساد ولماذا يغيب هذا الدور ؟
- الجامعات هي منارات العلم والمعرفة والوعي في كل دول العالم، ويفترض ان تكون في مقدمة الجهات التنويرية، في محاربة الفساد لكن دور الجامعات شبه منعدم بسبب فشل حكومة الإنقاذ، والحكومات السابقة طوال العقود الماضية في هذا الجانب.
ونأمل من القيادات السياسية الالتفات الى الجامعات واعطاءها الاهتمام الذي يتناسب مع دورها في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وهنا اسجل كلمة شكر وتقدير لكل أستاذ جامعي وكل موظف في الجامعات لما يبذله من جهود ذاتية في سبيل استمرار العملية التعليمية.
|