طه العامري - يصف البعض ما حدث صبيحة يوم 26 سبتمبر 1962م بـ(الانقلاب) وهذا وصف ظالم مع الأخذ بالاعتبار ان من يصفون الحدث بهذا الوصف ليسوا بملومين بسبب ان ثمة ترفاً فكرياً يستوطن بعض النخب الذين يقيسون الاحداث الوطنية انطلاقاً من قناعتهم السياسية والايديولوجية مع ان المفترض ان تداعيات الاحداث التي اعقبت الثورة اليمنية كفيلة بتصحيح الرؤى القاصرة لدى هؤلاء عن حدث ما ان بزغ فجره حتى تكالبت عليه قوى الشر من الداخل والخارج ، رد الفعل المضاد على الثورة وحده كفيل بتصحيح رؤية البعض من الحدث وأنه ليس مجرد (انقلاب) بل ثورة ، وثورة جوبهت منذ اللحظة الاولى برد فعل مضاد لها ولأهدافها الوطنية وهو الفعل المضاد الذي يعتمل حتى اللحظة محاولاً طمس تلك الثورة واهدافها .
لقد واجهت ثورة سبتمبر التي نحتفي اليوم بميلادها (التاسع والخمسين) من العواىق والتحديات ما لم تواجهه اية ثورة اخرى في العالم لعوامل كثيرة ذاتية وموضوعية جعلتها في دائرة الاستهداف الانتقامي من قبل قوى داخلية واقليمية ودولية رأت في الثورة فعلاً يهدد مصالحها ووجودها .
ويؤسفني القول إنه وبعد هذا العمر من عمر الثورة فان ثمة عقولاً لا تزال تواصل سياسة الانتقاص من هذه الثورة وهي ذات السياسة التي جوبهت بها الثورة منذ لحظة ميلادها قبل تسعة وخمسين عاماً وهي السياسة التي حالت دون تمكن هذه الثورة من الانتصار لأهدافها الستة الخالدة التي استكثرتها القوى المضادة للإرادة الجمعية الوطنية وكأن هذا الشعب لا يستحق العيش إلا في كنف الوصاية وداخل (اسطبل العبودية) والولاء لوجاهات ومرجعيات داخلية وخارجية ترى في حرية واستقلال هذا الوطن ومواطنيه وتقدمهما الحضاري فعلاً يتعارض مع مصالح هذه القوى ..
بيد ان المؤسف ان المواقف المضادة لثورة سبتمبر لم تأتِ من قبل قوى بذاتها بل اتفق كثيرون من اقصى اليمين الرجعي واقصى اليسار التقدمي وما بينهما- داخلياً- ليناهضوا الثورة إلى جانب قوى خارجية إقليمية ودولية، وحدث هذا التوافق من قبل مناهضي الثورة نكاية بهوية الثورة وبداعمها القومي- مصر عبد الناصر- والمؤسف أيضاً ان هذه الفلسفة الصراعية داخلياً قد حالت دون تمكن الثورة من الانتصار لأهدافها كما يجب ، ومع ذلك فإن الاخفاقات التي خيمت على مسار الثورة لا تعني النهاية بقدر ما تؤكد على ديمومة الثورة وديمومة مسارها حتى تنتصر لأهدافها ولمشروعها الاجتماعي في التغيير، وما يجري اليوم على خارطة الوطن ووعي المواطن هو دليل قطعي على ديمومة الثورة التي تواصل خوض معركة بدأت فجر السادس والعشرين من سبتمبر 1962م .
نعم لا تزال ثورة 26 سبتمبر تخوض معركتها الثقافية والاجتماعية وعلى مختلف الجوانب الحضارية رغم تبدل الازمنة والاطراف واهدافهم وغاياتهم وطرق واساليب الصراع والمواجهة، فإن 26 سبتمبر ستظل أيقونة الهوية والانتماء وبوابة الانعتاق الحضاري لوطن وشعب رغم ما تمارسه قوى الظلام والهيمنة والانتهازية والانتقاص من محاولات متعددة الوسائل والاساليب لطمس معالم هذه الثورة وقتل بريقها في وجدان شعب وطمسها من ذاكرة وطن ..!!
إن ثورة 26 سبتمبر ورديفها ثورة 14 أكتوبر ستظلان تجسدان الهوية الوطنية وتحملان اهداف وتطلعات شعب بأجياله المتعاقبة لان حقيقتهما مرتبط بحقيقة الوجود الحضاري لليمن الارض والإنسان ..ان كل المشاريع الصغيرة التي نشهد تداعياتها اليوم على امتداد الخارطة الجغرافية لليمن سوف تذهب وتختفي مع رموزها وابطالها وادواتها وقيمها وكل مقوماتها العابرة وستبقى الثورة اليمنية هي الحاضنة وهي المعبرة عن احلام وتطلعات شعب، فثورة 26سبتمبر وُجدت لتنتصر ولتكون عنوان وطن وهوية شعب ، يصعب بل يستحيل طمس معالمها كما استحال اسقاطها ، قد تكون عجلة الثورة أبطأت او تراجعت في مسيرتها الحضارية ، لكن هذا لا يعني اندثارها او تلاشيها او إمكانية الانتصار عليها ، نعم تعرضت الثورة لمحاولات التفافية كما تعرضت لكثير من محاولات التهجين والتجيير ، لكن كل هذه المحاولات لم تَنَلْ من حقيقة الثورة وديمومة مسارها وخلودها في وجدان شعب وذاكرة وطن .
لقد بزغ فجر الثورة اليمنية عام 1962م في ظروف جد قاسية وعلى مختلف المتاحي والمستويات الحضارية والاجتماعية، وهي ظروف لم يعشها بعض ممن يستهدفها اليوم من اصحاب الثقافة الترفية الذين يخضعون الحدث لقناعتهم الايديولوجية أو السياسية وهي القناعات التي كانت سبباً في تعرض قطار الثورة اليمنية لكثير مز العوائق والمطبات أدت في محصلتها إلى محاولة البعض إفراغ الثورة من مضامينها الاجتماعية ، ورغم ذلك تبقى الثورة اليمنية هي الحقيقة المرتبط وجودها بوجود الوطن والشعب ..
إننا ونحن نحتفي بذكرى ثورتنا العظيمة والخالدة الـ »59« إن علينا ان نقف أمام الواقع الاجتماعي والضروف الاجتماعية التي كان شعبنا يعيشها يوم تفجرت مسيرته الثورية حيث القهر الاجتماعي يكاد يكون هو الطاغي على خارطتنا الوطنية شمالاً بفعل أعتى نظام كهنوتي متخلف غارق في الجهل وسياسة التجهيل ولا يجيد إلا فن التنكيل والاستبداد والعبودية لجزء من أبناء الشعب، فيما الجزء الآخر من الوطن كان يرزح تحت نير الاستعمار الذي لم يقل قساوة عن حليفه في شمال الوطن ..
اليوم يواجه شعبنا الكثير من التحديات التي في مجملها لا تخرج عن سياق ذات المعركة الحضارية التي واجهتها الثورة قبل تسعة وخمسين عاماً ،ومع بشاعة معركة ومواجهة اللحظة الوطنية إلا اني على ثقة بأن ثورتنا ستنتصر واليمن سينتصر وشعبنا سيجني ثمار هذا الانتصار عاجلاً أم آجلاً..
تحية اجلال وتقدير لكل الشهداء الاحرار ولكل مناضلي الثورة اليمنية »سبتمبر واكتوبر« الذين أشعلوا بنضالهم شعلة الحرية والكرامة والاستقلال وهي الشعلة التي لن تنطفئ لانها وقودها أحلام شعب وتطلعات وطن ..
بل هي بمثابة قصة شعب وحكاية وطن وبالتالي يصعب بل يستحيل نكرانها أو التنكر لأبطالها او تجاهل عظمتها، بل يكفي القول لولا الحرية التي منحتها ووفرتها الثورة اليمنية الخالدة »سبتمبر واكتوبر« لما قدر لهؤلاء المتطفلين اليوم ان يمارسوا تطفلهم بحق الوطن والشعب بل ربما لكان هؤلاء المتطفلون اليوم عبيداً في اسطبلات نظامي الإمامة والاستعمار .
|