الميثاق نت -

الخميس, 21-أكتوبر-2021
أسـامة‮ ‬علي‮ ‬أحمد‮ ‬الخضر‮*‬ -
‮إن من أعظم الباهين على فرادة الإنسان وأنه مخلوق بشكل خاص ولم يتطور كما ادعت الداروينية الزائفة من قرد أو شامبانزي بطفرة عشوائية هي هذه القدرة الهائلة والجهوزية الفطرية لفهم واستنطاق أسرار هذا الكون فقد برهنت الأدلة العلمية العديدة بأن الدماغ البشري يعد أكثر الأجهزة تعقيداً لمعالجة المعلومات تم خلقه طبقاً للمبادئ البيولوجية وأن هناك غريزة مبرمجة في الدماغ تؤهله للتفكير التجريدي وإبتكار الرموز الرياضية التي تنمذج القوانين التي يخضع لها هذا الكون
(‬القرآن‮ ‬الكريم‮)‬
إن من أعظم البراهين على فرادة الإنسان وأنه مخلوق بشكل خاص ولم يتطور كما ادعت الداروينية الزائفة من قرد أو شامبانزي بطفرة عشوائية هي هذه القدرة الهائلة والجهوزية الفطرية لفهم واستنطاق أسرار هذا الكون فقد برهنت الأدلة العلمية العديدة بأن الدماغ البشري يعد أكثر‮ ‬الأجهزة‮ ‬تعقيداً‮ ‬لمعالجة‮ ‬المعلومات‮ ‬تم‮ ‬خلقه‮ ‬طبقاً‮ ‬للمبادئ‮ ‬البيولوجية‮ ‬وأن‮ ‬هناك‮ ‬غريزة‮ ‬مبرمجة‮ ‬في‮ ‬الدماغ‮ ‬تؤهله‮ ‬للتفكير‮ ‬التجريدي‮ ‬وابتكار‮ ‬الرموز‮ ‬الرياضية‮ ‬التي‮ ‬تنمذج‮ ‬القوانين‮ ‬التي‮ ‬يخضع‮ ‬لها‮ ‬هذا‮ ‬الكون‮. ‬
وهذه‮ ‬الملكة‮ ‬الفريدة‮ ‬التي‮ ‬جعلت‮ ‬قوانين‮ ‬الكون‮ ‬طيّعة‮ ‬للفهم‮ ‬البشري‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬جعلت‮ ‬أكبر‮ ‬العلماء‮ ‬يندهشون‮ ‬لهذا‮ ‬السر‮ ‬الأعظم‮. ‬
فمثلاً‮ ‬كان‮ ‬الفيزيائي‮ ‬الألمعي‮ (‬البرت‮ ‬انيشتين‮) ‬يردد‮ ‬هذه‮ ‬المقولة‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬كتبه‮ (‬إن‮ ‬الغموض‮ ‬الأبدي‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الكون‮ ‬هو‮ ‬إمكانية‮ ‬فهمة‮) . ‬
والآن تم تتويج هذا الكفاح البطولي الرائع للعقل البشري لفهم الأسرار الكونية بإكتشافه النظرية النهائية التي تلخص كل القوى الكونية في معادلة رياضية واحدة وهي النظرية الفيزيائية الرائعة التي تجتاح اليوم كل الأوساط العلمية والتي تسمى بنظرية (الأوتار الفائقة) »Super‭ ‬strings‮«‬‭ ‬وهي‮ ‬الفيزياء‮ ‬التي‮ ‬كانت‮ ‬متحكمة‮ ‬في‮ ‬الكون‮ ‬قبل‮ ‬أن‮ ‬يحدث‮ ‬الانفجار‮ ‬العظيم‮ ‬الكوني‮ ‬وهو‮ ‬انجاز‮ ‬معجز‮ ‬يشهد‮ ‬بعظمة‮ ‬العقل‮ ‬البشري‮ ‬وفرادته‮ ‬المذهلة‮. ‬
وفي هذه المقالة سنتحدث باختصار دون الدخول في التفاصيل التقنية عن قصة هذا الكفاح البطولي للإنسان حتى وصل إلى هذه النظرية الرائدة والقارئ لهذه المقالة عليه أن يعرف بأنها مقالة ذات صبغة علمية بحتة ولن يجد فيها مكاناً للبهلوانيات السياسية التي سلبت عقول الناس حالياً وذلك لأنني أتفق تماماً مع الفيلسوف الفرنسي (فولتير) الذي قال (لو سئلت من الأعظم الاسكندر المقدوني أم نابليون أم كرومويل لأجبت أن أعظمهم جميعاً هو الفيزيائي اسحاق نيوتن وإذا سئلت لماذا ؟ لأجبت لأن هناك فرقاً كبيراً بين من يفسرون هذا الكون وبين من يشوهونه‮) .‬
أن‮ ‬التاريخ‮ ‬الحقيقي‮ ‬للإنسان‮ ‬هو‮ ‬تاريخ‮ ‬العلم‮ ‬والمعرفة‮ ‬وليس‮ ‬تاريخ‮ ‬الصراع‮ ‬على‮ ‬العروش‮ ‬والصولجانات‮ . ‬
لا شك أن الطبيعة قد بدت للإنسان القديم كأنها محكومة بنقيضين فهناك جانب من الطبيعة متمرد لا يمكن السيطرة عليه والتنبؤ به مثل الزلازل والبراكين والكوارث عموماً وهناك جانب سلس يمكن اخضاعه للخريطة العقلية التي تبحث عن النماذج والإتساقات التي تساعد على فهم الظواهر‮ ‬والتنبؤ‮ ‬بها‮ ‬مثل‮ ‬حركة‮ ‬الأجسام‮ ‬السماوية‮ ‬وتعاقب‮ ‬الليل‮ ‬والنهار‮ ‬والفصول‮ ‬الأربعة‮ ‬وغيرها‮ ‬ولا‮ ‬جدال‮ ‬بأن‮ ‬النشاط‮ ‬العلمي‮ ‬قد‮ ‬أرتبط‮ ‬بالعد‮ ‬والقياس‮ ‬ووضع‮ ‬النماذج‮. ‬
الحضارات القديمة مثل الحضارات المصرية والبابلية كان لها انجازات علمية مهمة لكنها تظل في إطار الحاجات العملية ولم يكن لها الصبغة الفلسفية التي تحاول البحث عن قانون واحد يخضع له الكون بكل تعقيداته.
أما الفلسفة اليونانية فقد كانت ذات طابع تأملي وفلسفي لحد بعيد والعديد من الفلاسفة اليونانيين قد أدركوا أن الكون يخضع لقانون واحد يعد أساس هذا التنوع وقد كان الفيلسوف اليوناني (طاليس) أول من يفترض نظرية موحدة للكون حيث اعتبر أن الماء هو العنصر الذي خلق منه كل شيء أما الفيلسوف (أمبيدوقليس) فقد زعم أن العالم المادي مكون من اتحادات متغيرة من عناصر أربعة هي (التراب والماء والنار والهواء) ولقد اعتقد الفيلسوف (هيراقليطس) أن النار هي أساس تنظيم هذا الكون أما الفيلسوف (ديموقريطس) فقد رأي أن المادة مكونة من ذرات ذات عديد‮ ‬من‮ ‬الأشكال‮ ‬والأحجام‮ ‬وهناك‮ ‬الكثير‮ ‬من‮ ‬التأملات‮ ‬لفلاسفة‮ ‬اليونان‮ ‬التي‮ ‬رأت‮ ‬أن‮ ‬هذا‮ ‬التنوع‮ ‬والثراء‮ ‬الكوني‮ ‬يخضعان‮ ‬لقانون‮ ‬واحد‮. ‬
أما إذا انتقلنا إلى العصر الوسيط الأوروبي المسيحي فسنجد الركود والجمود اللذين كانا السمة الرئيسة للعقل المسيحي والسبب في ذلك هو تلك القصة التي في التوراة التي تحكي بأن (آدم) عليه السلام أكل من ثمرة المعرفة فأصبح عارفاً بالخير والشر فغضب الله تعالى عليه وطرده‮ ‬من‮ ‬الجنة‮. ‬
هذه الخرافة التوراتية هي السبب الرئيس في تحريم ومحاربة العلم والعلماء فالعلم والاستفهام العقلي هما الخطيئة التي هبطت بالإنسان على الأرض ولذلك أصبح محظوراً على الإنسان أن يدعي معرفة ليست من حقه ولقد وصف الفيلسوف المسيحي (تيرتوليان) فضول العقل البشري بأنه إثم‮ ‬وفضول‮ ‬فاحش‮ ‬ومازال‮ ‬هذا‮ ‬الصراع‮ ‬بين‮ ‬العلم‮ ‬والدين‮ ‬إلى‮ ‬يومنا‮ ‬هذا‮. ‬
أما في العصر الوسيط الإسلامي فنجد شيئاً آخر فهنا الانطلاق في رحاب العلم والمعرفة والإبداعية والأخذ بأسباب المنهجية العلمية وأهمها التجربة وتطوير التقنيات الرياضية فكانت أعظم حضارة في التاريخ قدمت للإنسانية الجناحين اللذين يطير بهما الإنسان في سماء الكمال وهما العلم والإيمان، وبشهادة الأعداء قبل الأصدقاء كان الإنسان وحضارته أقوى رافد من روافد التغيير في أوروبا ولا شك أن هذا الانفتاح على العلم والمعرفة كان بسبب القرآن الكريم وتوجيهاته التي لا تحصى للأخذ بأسباب العلم واستنطاق أسرار الكون ويكفي أن نذكر قوله تعالى(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ‮ ‬هَذَا‮ ‬بَاطِلاً‮ ‬سُبْحَانَكَ‮ ‬فَقِنَا‮ ‬عَذَابَ‮ ‬النَّارِ‮ ) ‬آل‮ ‬عمران‮ :‬190‮-‬191م‮. ‬
لقد جعل الله سبحانه وتعالى العلامة العميقة للإيمان هي التفكير في خلق السموات والأرض، إنها دعوة قرآنية صريحة لإطلاق قدرات ومهارات العقل البشري كاملةً لبحث بأدواته العلمية والتجريبية عن قوانين هذا الكون وكيف خُلق وكيف تطور.. إنه دين العلم والعلماء بدون جدال.‮ ‬
وبعد أن لقحت الحضارة الإسلامية العقل الأوروبي بالكثير من الإنجازات العلمية وتم ترسيخ التجربة كأساس لفهم قوانين الكون فرد العلم الغربي أجنحته في السماء وبرز عباقرة العلم الغربي الذين كشفوا الأسرار الأعمق لهذا الكون .
ظهر‮ ‬الفيزيائي‮ ‬الإيطالي‮ (‬جاليليو‮) ‬واكتشف‮ ‬قانون‮ ‬سقوط‮ ‬الأجسام‮ ‬كما‮ ‬أنه‮ ‬كان‮ ‬باحثاً‮ ‬ماهراً‮ ‬في‮ ‬مجال‮ ‬الإرصادات‮ ‬الفلكية‮ ‬وأنجز‮ ‬الكثير‮ ‬من‮ ‬القوانين‮ ‬الفيزيائية‮ ‬التي‮ ‬كانت‮ ‬أساس‮ ‬لإنجازات‮ ‬العلماء‮ ‬اللاحقين‮. ‬
أما الفيزيائي البريطاني (اسحاق نيوتن) فقد كان من أعظم العلماء حيث أقام صرحه الفيزيائي الضخم على عدة تصورات فقد اعتبر أن الفضاء الكوني لانهائي وثابت وتتحرك فيه كل الأجرام الفلكية دون أن يشارك في المسرحية الكونية ، وأعتبر الزمان مطلق وغير متغير وينساب بتجانسية من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل كما نشعر به في حياتنا اليومية واعتبر نيوتن أن الجسيمات النهائية للمادة كتل صلبة غير قابلة للتحطيم ومن هنا نشأت فكرة معاملة الأجرام السماوية مثل كرات البيلياردو التي تتقاذفها القوى منذ الأزل واكتشف نيوتن قانون الجاذبية الكوني الذي وحد بين السماء والأرض وبذلك كان أول قانون فيزيائي يوحد قوانين الكون في منظومة واحدة ولقد كان نجاح فيزياء نيوتن ساحقاً فقد فسرت حركة الأجرام السماوية وفسرت قوى المد والجزر وتنبأت بالكثير من الظواهر الفلكية.
بعد ذلك ظهرت بعض الظواهر الفيزيائية التي أعطت تصورات جديدة تخالف منظومة نيوتن مثل اكتشاف الظواهر الكهرومغناطيسية وقد كان الفيزيائي التجريبي (مايكل فاراداي) أول من لاحظ أنه بنثر برادة حديد على مغناطيس تتخذ البرادة نموذجاً منتظماً من الأقواس واستنتج (فارادي) أن المغناطيس يخلق حوله حقلاً أو مجالاً مغناطيسياً »field« غير مرئي ويمارس قوة وراء جسم المغناطيس.. ثم بمحض الصدفة اكتشف الفيزيائي (أورستد) أن التيار الكهربي يولد حقلاً مغناطيسياً وبالمقابل اكتشف (فاراداي)أن الحقل المغناطيسي يولد تياراً كهربياً ثم جاء الفيزيائي والرياضي (ماكسويل) الذي استطاع بمهارته الرياضية أن يبتكر معادلات رياضية وحدت الحقلين الكهربي والمغناطيسي في حقل واحد هو (الحقل الكهرومغناطيسي) وبهذا تمت خطوة توحيدية أخرى لقوانين الكون وبهذا التوحيد عرفنا أن الضوء ظاهرة كهرومغناطيسية تسير بسرعة 300,000كم‮/‬ث‮.‬
ثم جاء الفيزيائي العبقري (ألبرت اينشتين) وقدم نظريته النسبية الخاصة التي حطمت تصورات نيوتن عن المكان المطلق والزمان المطلق وبرهن أينشتين في نظريته أن المكان أو الفضاء نسبي ويمكن أن يتغير ويتقلص حسب الحركة كذلك برهن أن الزمان نسبي ويتغير انسيابه اعتماداً على الحركة ولم يكتف بذلك بل برهن أن المكان والزمان مفاهيم موحدة ومندمجة ولا يمكن التفكير في المكان بدون زمان ولا الزمان بدون مكان وأسمى اينشتين الكون (المتصل الزمكاني) رباعي الأبعاد حيث المكان له ثلاثة أبعاد (الطول والعرض والارتفاع) والزمن يعد بعداً رابعاً مندمجاً‮ ‬مع‮ ‬الأبعاد‮ ‬المكانية‮.‬
ومن نتائج نظرية النسبية الخاصة أنها حطمت السد الوهمي بين المادة والطاقة وبرهن اينشتين على أن المادة تعد طاقة حبيسة وذلك في معادلته المشهورة (الطاقة = الكتلة * مربع سرعة الضوء) والقنبلة الذرية هي ثمرة هذه المعادلة وهنا نلمح توحيداً فيزيائياً آخر بين المادة والطاقة. ثم أتبع اينشتين نظريته النسبية الخاصة بنظريته النسبية العامة التي عالجت مفهوم الجاذبية بمنطق جديد للغاية فقد اعتبر نيوتن الجاذبية قوة مجهولة الهوية تؤثر على الأجرام الفلكية عن بعد لكن اينشتين برهن أن الجاذبية تعد قوة هندسية زمكانية تُمثّل بحقل أو مجال جذبي منحني مقوس بحيث الأجرام السماوية الكبيرة مثل الشمس تخلق حولها مجالاً جذبياً منحنياً يؤثر على الخواص القياسية للفضاء والزمن فتسلك الكواكب في هذه المسارات الملتفة المنحنية أصلاً ويمكن تمثيل فكرة أينشتين عن تقوس الزمكان الكوني مثل قطعة قماش ممتدة وعندما‮ ‬يتم‮ ‬وضع‮ ‬كرة‮ ‬ثقيلة‮ ‬في‮ ‬المنتصف‮ ‬تجعل‮ ‬القماش‮ ‬ينحني‮ ‬ويلتف‮ ‬وهكذا‮ ‬تصور‮ ‬اينشتين‮ ‬كتلة‮ ‬الشمس‮ ‬التي‮ ‬تقوس‮ ‬الزمكان‮ ‬حولها‮ ‬وبذلك‮ ‬تسلك‮ ‬الكواكب‮ ‬في‮ ‬مداراتها‮ ‬حول‮ ‬الشمس‮.‬
وهنا‮ ‬نلاحظ‮ ‬سلسلة‮ ‬من‮ ‬التوحيد‮ ‬التي‮ ‬قام‮ ‬بها‮ ‬أينشتين‮ ‬في‮ ‬نظريته‮ ‬النسبية‮ ‬الخاصة‮ ‬والعامة‮ ‬فقد‮ ‬وحد‮ ‬المكان‮ ‬والزمان‮ ‬والمادة‮ ‬والطاقة‮ ‬والهندسة‮ ‬الفضائية‮ ‬في‮ ‬وحدة‮ ‬واحدة‮.‬
وبعد أن أنجز أينشتين نظريته النسبية ونتائجها التوحيدية لقوانين الكون بدأ تفكيره يتخذ طريقاً أكثر طموحاً فقد كان يتوق إلى توحيد كل قوانين الكون في صيغة واحدة واعتقد أن الطريق إلى ذلك هو توحيد الحقل الكهرومغناطيسي والحقل الجذبي أي توحيد الضوء والجاذبية.
لقد برهن أينشتين أن هناك واقعين علميين هما (المادة والحقل) فمثلاً كتلة الشمس المادية تخلق حولها حقل الجاذبية وكان المعتقد أن المادة لها كتلة بينما الحقل يمثّل طاقة إلا أن نظرية النسبية حطمت هذا السد الوهمي بين المادة والطاقة فالمادة بجوهرها عبارة عن تكثّفات للطاقة وبذلك أنهار التميز بين المادة والطاقة ومن هنا اعتبر اينشتين أن المهمة الأخيرة للفيزياء هي توحيد الضوء والجاذبية لكن اينشتين أخفق اخفاقاً تاماً في هذه المهمة والسبب الرئيسي في اخفاق اينشتين في توحيد الضوء والجاذبية هو الآتي:
1- الكون يقوم على أربع قوى كونية رئيسة وهي القوة الكهرومغناطسية المسئولة عن كيمياء الحياة واصدار الضوء وباقي الإشعاعات والقوة الجذبية المسئولة عن تماسك المعمار الكوني والقوة النووية القوية المسئولة عن التحام نواة الذرة والقوة النووية الضعيفة المسئولة عن اصدار‮ ‬النشاط‮ ‬الإشعاعي‮ ‬ولقد‮ ‬انصب‮ ‬اهتمام‮ ‬اينشتين‮ ‬على‮ ‬توحيد‮ ‬قوتين‮ ‬فقط‮ ‬هما‮ ‬قوة‮ ‬الجاذبية‮ ‬والقوة‮ ‬الكهرومغناطيسية‮ ‬وأهمل‮ ‬القوتين‮ ‬النوويتين‮ ‬القوية‮ ‬والضعيفة‮.‬
2- أدار اينشتين ظهره تماماً (فيزياء الكم) »quantum physics« وهي الفيزياء التي فسرت قوانين الذرة والتي ازعجته بشدة التي تخالف منطقة العلمي القائم على فكرة أن قوانين الكون تقوم على الهندسة المتصلة بينما فيزياء الكم تنتهك فكرة التوصيف الهندسي المتصل بالحركة وتقوم‮ ‬على‮ ‬فكرة‮ ‬القفزات‮ ‬والحركات‮ ‬المتقطعة‮ ‬وعلى‮ ‬مبدأ‮ ‬اللايقين‮ ‬الذي‮ ‬يرمي‮ ‬إلى‮ ‬استحالة‮ ‬التنبؤ‮ ‬بحركات‮ ‬الجسيمات‮ ‬الذرية‮ ‬وتقوم‮ ‬على‮ ‬منطق‮ ‬الاحتمالات‮.‬
في عام 1919م تسلّم اينشتين رسالة من رياضي ألماني غير معروف اسمه (تيودوركالوزا) يخبره فيها أنه (أي كالوزا) وجد طريقة لتوحيد الحقل الكهرومغناطيسي والحقل الجذبي في صيغة واحدة.. ومن المعروف أن نظرية أينشتين النسبية العامة قد رسخت التصور الرياضي الذي يصف الكون بأربعة أبعاد زمكانية وكانت فكرة الرياضي الألماني (كالوزا) هي أنه إذا أردنا توحيد الحقل الكهرومغناطيسي والحقل الجذبي لا بد أن نضيف بعداً فضائياً خامساً (البعد الخامس) ثم جاء الفيزيائي السويدي (أوسكار كلاين) ورأى السبب في أننا لا نلحظ هذا البعد الخامس لأنه متقوقع وملتف على نفسه في حيز صغير جداً ويمكن تشبيه ذلك بخرطوم رش الماء فعندما ننظر من بعيد فإننا لا نرى سوى خط متعرج لكن إذا فحصناه عن قرب فسنرى ان ما كان يبدو لنا أنه نقطة هو في الواقع دائرة إلا أن هذه الفكرة تم تجاهلها وذلك عندما اتجه العلماء لتوحيد القوى الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة والشديدة. وبعيداً عن ذكر التقنيات الرياضية المعقدة يكفي أن نقول إنه تم توحيد القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة عن طريق البحوث الرائدة التي قام بها الفيزيائي الأمريكي (ستيفن واينبرج) والفيزيائي الباكستاني المسلم (محمد عبدالسلام) وأصبحت تسّمى بالقوة الكهروضعيفه ثم باشر العلماء بتوحيد القوة الكهروضعيفة مع القوة النووية الشديدة وكان الفيزيائيان (هوارد جورجي وشلدون جلاشو) هما أبطال هذا التوحيد وأسميت النظرية باسم النظرية التوحيدية الكبرى.
إلا أن قوة الجاذبية وهي القوة الرابعة قاومت بعناد الإنصهار في هذه البوتقة التوحيدية ولقد عرف العلماء أن قوة الجاذبية تنتقل بواسطة جسيم كمي اسمه الجرافيتون »gravition« وكانت إحدى الصعوبات التي واجهت علماء الفيزياء هي اعتبار أن الجسيمات الأولية كالالكترونات كرات صغيرة لأن ذلك سيخلق صعوبات رياضية وتقنيات كبيرة منها أن الجسيم الأساسي كالالكترون ذات شحنة كهربائية موزعة فيها بالتساوي وبما أن الشحنات المتماثلة تتنافر فلا بد أن الالكترون سيتحطم وهكذا قرر الفيزيائيون أنه يجب افتراض أن الالكترون جسيم نقطي لا متناهي في‮ ‬الصغر‮ ‬بمعنى‮ ‬أن‮ ‬قطره‮ ‬يساوي‮ ‬صفر‮ ‬وهذا‮ ‬يعد‮ ‬تناقض‮ ‬فيزيائي‮ ‬كبير‮ ‬فكان‮ ‬لا‮ ‬بد‮ ‬من‮ ‬افتراض‮ ‬بأن‮ ‬الجسيمات‮ ‬الأساسية‮ ‬ليست‮ ‬نقاط‮ ‬بلا‮ ‬أبعاد‮ ‬أو‮ ‬امتداد‮ .‬
وكان الحل مفاجئاً ورائعاً فلقد تم افتراض أن الجسيمات الأساسية ليست نقاط بلا امتداد بل أوتار ممتدة وبهذا الافتراض قرر الفيزيائيات (جون شوارتز) و (جوئيل شيرك) بدراسة هذا الإفتراض واستطاع كلٌّ من (جون شوارتز) والفيزيائي (مايكل جرين) بعد ذلك البرهنة على أن نظرية الأوتار الفائقة تجعل من السهل دمج قوة الجاذبية مع باقي القوى الكونية وقد بينت الحسابات الرياضية أن طول هذا الوتر= 10 -33 سم وهو ما يسمى بالفيزياء (بطول بلانك) نسبة إلى الفيزيائي الألماني (ماكس بلانك) وعلى هذا الحساب فطول الوتر أصغر من قطر نواة الذرة الذي‮ ‬يبلغ‮ (‬10‮ -‬13‮)‬سم‮ ‬بحوالي‮ (‬10‮ -‬20‮) ‬مرة‮ ‬أي‮ ‬بمليارات‮ ‬مليارات‮ ‬المرات‮ ‬وبالتالي‮ ‬لن‮ ‬يتمكن‮ ‬أحد‮ ‬من‮ ‬ملاحظة‮ ‬هذه‮ ‬الأوتار‮ ‬أبداً‮.‬
وقد تبين أنه بزيادة عدد الأبعاد الكونية إلى عشرة أبعاد 9 فضائية وبعد زمني واحد كانت النظرية أكثر بساطة.. إذاً بهذه النظرية الرائدة تمت البرهنة على أن الجسيمات الأساسية ليست نقاطاً بل خيوطاً أو أوتاراً صغيرة تتذبذب بنماذج مختلفة وكل ذبذبة تطابق جسيم معين.
يقول الفيزيائي البريطاني (د. بريان جرين): »أن السمة الجديدة الرئيسة للوتر الفائق أن المقوم الأساسي ليس جسيم نقطي أي نقطة ليس لها حجم بل جسم له امتداد مكاني وهذا الفرق هو أساس نجاح نظرية الوتر الفائق في توحيد الكون«.
Brian‭ ‬Greene‭ , ‬the‭ ‬fabric‭ ‬of‭ ‬the‭ ‬cosmos‭, ‬2004‭,‬P349
ويقول‮ ‬الفيزيائي‮ ‬الفلكي‮ ‬الأمريكي‮ ‬د‮. ‬جوزيف‮ ‬سيلك‮: (‬الأوتار‮ ‬الفائقة‮ ‬تعطي‮ ‬تفسير‮ ‬هندسي‮ ‬أنيق‮ ‬للجسيمات‮ ‬الأساسية‮ ‬ويعد‮ ‬جمالها‮ ‬الرياضي‮ ‬ملزماً‮) ‬
Joseph‭ ‬silk‭ , ‬the‭ ‬infinite‭ ‬cosmos‭ , ‬2006‭, ‬P129
ويقول الفيزيائي البريطاني د. جوزيف كونلن وهو من أكبر الفيزيائين المتخصصين في نظرية الأوتار الفائقة: ( بمرور الوقت يتضح أكثر أن نظرية الوتر الفائق ليست مجرد نظرية وترية فقط بل أنها اطار نظري رائع تدمج نطاق واسع من الموضوعات في الفيزياء والرياضيات) .
Joseph‭ ‬conlon‭, ‬why‭ ‬string‭ ‬theory‭ , ‬2016‭,‬P103‭.‬
إن نظرية الأوتار الفائقة تتنبأ على نحو رائع ومدهش بما حدث قبل لحظة الانفجار العظيم الكوني حيث تقول هذه النظرية أنه قد تم خلق الكون في 10 أبعاد 9 مكانية وواحد زمني وفق نموذج وتري لا يزيد طوله عن(10 - 33 ) سم وهو طول لا يمكن رؤيته وكانت الطاقة هائلة وتبلغ حوالي (10-19) مليار الكترون فولت. وكان الكون في تلك اللحظة كامل التماثل حيث كانت القوى الأربعة مندمجة وموحدة في قوى واحدة ثم حدث الإنفجار العظيم وتمايزت هذه القوى وأصبح لكل منها دور مرسوم في الكون وبذلك انشطر الكون إلى كونين الأول هو الكون الرباعي الأبعاد الذي‮ ‬نحيا‮ ‬فيه،‮ ‬أما‮ ‬الكون‮ ‬الثاني‮ ‬فقد‮ ‬التف‮ ‬وتقوقع‮ ‬على‮ ‬نفسه‮ ‬في‮ ‬6أبعاد‮ ‬على‮ ‬المستوى‮ ‬الذري‮. ‬
إذاً‮ ‬الخلاصة‮ ‬بدأ‮ ‬خلق‮ ‬الكون‮ ‬بوتر‮ ‬ممتد‮ ‬طوله‮ (‬10‮-‬33‮) ‬سم‮ ‬في‮ ‬10‮ ‬أبعاد‮.‬
يقول‮ ‬الفيزيائي‮ ‬د‮. ‬بريان‮ ‬جرين‮: (‬إننا‮ ‬نحتاج‮ ‬لصياغة‮ ‬فيزياء‮ ‬لفضاء‮ ‬وزمن‮ ‬غير‮ ‬موجودين‮ ‬بحيث‮ ‬يظهر‮ ‬الزمكان‮ ‬من‮ ‬سلوك‮ ‬جمعي‮ ‬للأوتار‮) .‬
Brian‭ ‬Green‭, ‬Ibid‭ . ‬P487‭.‬
وهذا يعني أنه قد تم خلق الكون بهذه الأوتار الفائقة. والآن نأتي إلى المعجزة الأعظم والخالدة وهي القرآن الكريم التي اشارت إلى فيزياء الوتر الفائق التي كانت سائدة قبل لحظة خلق الكون منذ أكثر من 1400سنة يقول الله تعالى ((خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا‮)) ‬لقمان‮ :‬10‮ .‬
إن‮ ‬قوله‮ ‬تعالى‮ : (‬خلق‮ ‬السموات‮) ‬اشارة‮ ‬إلى‮ ‬خلق‮ ‬الكون‮ ‬من‮ ‬العدم،‮ ‬ثم‮ ‬قوله‮ ‬تعالى‮ (‬بغير‮ ‬عمد‮ ‬ترونها‮) ‬أي‮ ‬أنه‮ ‬في‮ ‬لحظة‮ ‬الخلق‮ ‬أتم‮ ‬الله‮ ‬تعالى‮ ‬خلق‮ ‬الكون‮ ‬بعمد‮ ‬لكننا‮ ‬لا‮ ‬نستطيع‮ ‬رؤيته‮ ‬ولكن‮ ‬ما‮ ‬هو‮ ‬العمد؟‮ ‬
كلمة‮ ‬العمد‮ ‬تعني‮ ‬الامتداد‮ ‬كما‮ ‬جاء‮ ‬في‮ ‬قوله‮ ‬تعالى‮: »‬إِنَّهَا‮ ‬عَلَيْهِمْ‮ ‬مُوصَدَةٌ،‮ ‬فِي‮ ‬عَمَدٍ‮ ‬مُمَدَّدَةٍ‮« ‬الهمزة‮ : ‬8‮- ‬9‮ ..‬
وهذا يتطابق حرفياً مع فيزياء الوتر الفائق التي برهنت أن الجسيمات الأساسية للكون ليست نقاطاً بل خيوطاً أو أوتاراً لها امتداد مكاني، ولأن طولها (10 -33) سم فمن المستحيل علينا رؤية هذا الخيط ومن هنا جاءت تسمية الفيزياء الوترية، (الأوتار الفائقة) أي التي لا ترى‮ ‬وهذا‮ ‬بالضبط‮ ‬ما‮ ‬ذكرته‮ ‬الآية‮ ‬الكريمة‮ ‬بأن‮ ‬هذا‮ ‬العمد‮ ‬لن‮ ‬نراه‮ .‬
إن حجة الله البالغة وهي القرآن الكريم قد سبقت العلم الحديث بأجهزته المتطورة وتقنياته الرياضية المعقدة وسبقت عباقرة الفيزياء في فكرة أن القوة الفيزيائية الواحدة التي سادت قبل لحظة الانفجار العظيم الكوني هي نظرية (الوتر الفائق).
وسبحان‮ ‬من‮ ‬أنزل‮ ‬هذا‮ ‬الكتاب‮ ‬الكريم‮ ‬الذي‮ ‬يعد‮ ‬أعظم‮ ‬المعجزات‮ ‬قاطبة‮ .‬
‮❊ ‬المفكر‮ ‬الموسوعي‮ ‬والباحث‮ ‬الإسلامي

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 04:44 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-61432.htm