د.عبدالوهاب الروحاني - المثقف.. كلمة تنطوي على جاذبية وابهار.. لكن ليس كل من امسك بقلم وكتب صار مثقفاً.. ذلك لأن المهم في المثقف هو كيف يفكر.. وماذا يكتب؟!
المثقف هو من يتطور نمط تفكيره بتطور عقليته.. واذا ما تطور تفكير المرء فهو بالضرورة يتجاوز المتوارث والتقليدي من التفكير البليد الذي يجافي الحقيقة ويخالف العقل..
أي ان المثقف يرفض ان يظل حبيس ما يتعارض مع لغة ومنطق العصر.. يمتلك فكرة وطنية، ونظرة أوسع للحياة والناس، ومحاطاً برؤية اشمل تجاه مجتمعه ووطنه..
ارجع لحولك:
للأسف، أرى انحداراً مخيفاً في تفكير الكثير من مثقفينا..
مثقفون كانوا يرسمون باقلامهم جداريات للتعايش والالفة والمحبة، اصبحوا بصورة مخيفة ومرعبة يعزفون على وتر العرقية والطائفية والتمييز..
آخرون كنا نتغنى بأشعارهم المتماهية في حب الوطن، والوحدة، والجمهورية، والعدالة، والمساواة، صاروا فجأة يتغنون بالاعراق والانساب، وينظرون لمشروعية "الطعن واللعن" وللفرقة والانقسام وصناعة الكراهية..
"القبائل"، و"السادة"، و"الاطراف"، و"المزاينة"، "يمن أعلى ويمن أسفل".. "ابناء الهضبة وعيال السهل".. مسميات خلقت شرخاً كبيراً في المجتمع اليمني قبل الثورة، وخفتت كثيراً بعدها، لكنها عادت اليوم للواجهة وبصورة مقلقة..
تقدميون.. قوميون، ويساريون، وطنيون متحررون.. كثير منهم تحول من النقيض الى النقيض، واحدث شرخاً بداخله وقلمه، منهم من يمت بصلة للفكر والمنهح، ومنهم من ركب الموجة وانجر وراءها..
هاشميون يرفضون تزويج بناتهم من خارجهم، اخريات يطلبن الطلاق بمبرر "عدم تكافؤ النسب".. تنهار القيم وتتشتت الاسر ويضيع الابناء..!!!
صاحبي، صحفي "مثقف" محسوب على اليسار.. يقدم نفسه تقدمياً متحرراً، مدافعاً عن العمال والكادحين، اتصل بي ذات يوم يسألني عن أمر مهم -كما قال- وظننت الأمر مهماً فعلاً، وإذا به يسألني عن بيت (فلان)، وهل هم قبائل فعلاً؟!
ولانه يريد أن يزوج ابنه أو ابنته من هذا البيت لم أرد (حينها) ان أفسد عليه "الأمر المهم"، وكنت أنوي سؤاله عن أهمية الأمر طالما الرغبة والتوافق قد توافرت بين القرينين..!!!
هذا الانحدار في مستوى وعي المثقفين وتفكيرهم يصيبني بيأس وخيبة امل كبيرة..
تذمر في كتابات الكثير من المثقفين وعناوين خادشىة لقلم المثقف ووجهه لم نعهدها من قبل.. "دحباشي في عدن"، و "لغلغي في صنعاء" و "قبيلي في تعز"..الخ.
حينما اقرأ كتابات فيها ردح مناقطي وعنصري وجهوي لصحفيين وكتاب معروفين اشعر بموجة جهالة تسعى للسيطرة على الوعي الثقافي اليمني..
رعى الله العم سعيد التنوبي واطال في عمره.. حينما تسأله عن الحال يرد عليك ببساطة وتلقائية:
"قد انت داري ان احنا في جحر الحمار الداخلي وعادك تسأل كيف الحال" !!
بهذا التعبير البسيط العم سعيد يختزل الكارثة..
كثيرون سافروا للدراسة في امريكا وروسيا والصين، وفرنسا وبريطانيا، ودخل بعضهم أرقى الجامعات العربية والعالمية ..
خسرت عليه الدولة دم قلبها، وأبوه باع البقرة من اجل يتعلم ويرجع يرفع رأسه، وأمه باعت الذهب، واخوته جاعوا بسببه، والفاجعة رجع "زنجبيل بغباره".. يقطر لؤماً وبؤساً ومرضاً "لا جبره ولا ملكه خير ولا عافية"
نمقت بعض العادات لانها معيبة ومتخلفة.. ونعيب على بعض المثقفين جهالتهم لانهم يمارسون التخلف في ازهي عصور التنوير ازدهاراً..
من هنا، المثقف الحقيقي يا أصدقاء، هو ذلك الذي يسكن بداخله انسان، مهمته تنويرية.. يتجاوز الصغائر.. ويسمو فوق عقد الانتماء للعرق والمذهب، يرفض التعصب للاسرة، والقبيلة، والقرية، والمنطقة، وينتمي لقيم الانسان..
فكن يا صاحبي إنساناً أولاً.
|