الميثاق نت -

الإثنين, 22-نوفمبر-2021
‮ ‬د‮. ‬عبدالوهاب‮ ‬الروحاني -
الجمع بين العمل السياسي والتجاري في المجتمعات العربية افسد عمل الدولة وخرب الاقتصاد العام، وتسبب في تجاوز الانظمة والقوانين، وعمل على انتشار الرشوة ونمو الفساد، وعطل حركة الحياة والناس وخلق المجاعة واشاع الفوضى، تماماً كما نحن فيه.
ذلك، لان السياسي التاجر لا يسخر سلطته ومكانته لانجاز المهام الوطنية التي أسندت اليه، وإنما يجعلها غطاء لتسهيل حركته التجارية.. فهو يستحوذ على المناقصات العامة في الأجهزة والمؤسسات التي تخضع لسلطته، وهو يتحايل على الانظمة والقوانين، ويحابي، وينافق، ويبيع ضميره،‮ ‬ويوجه‮ ‬علاقاته‮ ‬العامة‮ ‬والخاصة‮ ‬لخدمة‮ ‬شركاته‮ ‬وارباحه،‮ ‬التى‮ ‬كبرت‮ ‬ونمت‮ ‬على‮ ‬حساب‮ ‬الدولة‮ ‬والعمل‮ ‬العام‮..‬
ولاحظوا حينما بدأت التجارة تستهوي المسئولين في بلداننا واندفعوا بنهم لانشاء الشركات متعددة الالوان والمسميات بأسماء الأبناء والاقارب، تراجع نشاط المؤسسات، وانفلت الوضع من بين ايديهم، وضاعت مهام الوظيفة الوطنية والعامة وانهارت الدولة.
مزاحمة‮ ‬الورثة
فلت الزمام من ايدي الحكام العرب بعد ان أسلموا امر بلدانهم للعبث والتجارة والفساد، وبعد ان اطلقوا للورثة من الأبناء والاحفاد والاقارب حرية التدخل في الشأن الوطني العام، فانهارت الدولة في اليمن، وسوريا، والعراق، وليبيا، والسودان .. وضاع أمل التحديث والتجديد.‮.‬
يقول‮ ‬ابن‮ ‬خلدون‮ ‬في‮ ‬المقدمة‮ "‬ان‮ ‬انخراط‮ ‬السلطان‮ (‬الحاكم‮) ‬في‮ ‬التجارة‮ ‬ومزاحمة‮ ‬حاشيته‮ ‬الناس‮ ‬في‮ ‬ارزاقهم‮ "‬مضرة‮ ‬بالرعايا‮ ‬ومفسدة‮ ‬للجباية‮".. ‬وهو‮ ‬أيضاً‮ ‬بداية‮ ‬لانحسار‮ ‬وتهاوي‮ ‬الدولة‮..‬
الرئيس في بلادنا تاجر، ونائب الرئيس تاجر، ورئيس الوزراء تاجر، والوزير تاجر، والسفير تاجر، والمستشار تاجر، والقائد العسكري الكبير تاجر، واصبحوا كلهم في مواقعهم أسرى لأموالهم ومدخراتهم؛ وأصبحت روائحهم تزكم الانوف ..
وبالتالي‮ ‬اصبحت‮ ‬تحركاتهم‮ ‬وتصرفاتهم،‮ ‬وتموضعاتهم‮ ‬العسكرية،‮ ‬وأنشطتهم‮ ‬السياسية‮ ‬والعامة‮ ‬محكومة‮ ‬بدرجة‮ ‬الحفاظ‮ ‬على‮ ‬اموالهم‮ ‬ومصالحهم،‮ ‬و‮ ‬تقاس‮ ‬فقط‮ ‬بمقياس‮ ‬الربح‮ ‬والخسارة‮ ‬من‮ ‬هذه‮ ‬الزاوية‮..‬
كلهم‮ ‬تجار‮!‬
كل هؤلاء الذين ترونهم وكأنهم يحركون المشهد السياسي (عسكري وتجار وساسة) كلهم تجار في شمال البلاد وجنوبها ، في شرقها وغربها ليسوا أكثر من عبيد، تحركهم اصابع من الخلف، ويسيطر عليهم الخوف على اموالهم ومدخراتهم..
أحدهم، كان صاحبي، وكان مسئولا كبيراً ومهماً -ولا يزال ولكن بدرجة اقل- أنشأ مؤسسات استثمارية بأسماء وهمية تحت إدارة ابنائه في النفط والغاز، وأجهزة ومعدات الاطفاء والحماية، والتعليم الجامعي، ولم يترك باباً تصل يده اليه الا وطرقه واستثمر فيه.. !!
لكن‮ ‬ما‮ ‬الذي‮ ‬جرى‮ ‬بعد‮ ‬ان‮ ‬ذهب‮ ‬بعيداً؟‮!‬
بعد ان خرج من هيلمانه وتجرد من سلطاته التي كانت حتى أعيقت حركته، واصبح لا يشكو من حاجة وقلة الحال والمال، بل اصبح حبيس مخاوفه، يشكو من عدم قدرته على الفعل والحركة، وحتى اولاده فقدوا القدرة على تشغيل أمواله وتحريك مدخراته.
هؤلاء الذين عبثوا وافسدوا حتى آذانهم، وتسببوا في اغلاق طرق العيش على البسطاء من الناس، وقادوا الى انتشار المجاعة في المجتمع، لم يتسببوا فقط في انهيار الدولة والمجتمع وانما تسببوا أيضاً في تقييد انفسهم وحركتهم، وصاروا رهناً بتوجهات وتوجيهات غيرهم ..
الايديولوجيا‮ ‬والافكار‮ -‬اياً‮ ‬كانت‮- ‬عقدية‮ (‬دينية‮ ‬او‮ ‬سياسية‮) ‬تبدو‮ ‬وكأنها‮ ‬محور‮ ‬الصراع‮ ‬بين‮ ‬القوى‮ ‬والافكار‮ ‬والاتجاهات‮ ‬في‮ ‬المجتمع،‮ ‬لكنها‮ ‬ليست‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬عناوين‮ ‬للصراع‮ ‬حول‮ ‬المال‮ ‬والثروة‮.‬
لا‮ ‬تصدقوهم
الخلط بين السياسة والتجارة كان -ولا يزال- هو المدخل للاستقطاب والعبث ولإثارة الحروب والنزاعات ؛ عمل سياسي طويل وفاسد ، وفكرة تجارية مربحة، تتشكل في ضوئها الحسابات السياسية وعمليات البيع والشراء بالاوطان والشعوب ، التي غالباً ما يكون البعد الوطني والانساني فيها‮ ‬هو‮ ‬الخاسر‮ ‬الاكبر‮..‬
‮ ‬وهكذا‮ ‬عندما‮ ‬يتحول‮ ‬السياسي‮ ‬الى‮ ‬تاجر‮ ‬او‮ ‬العكس‮ ‬يفسد‮ ‬به‮ ‬عمل‮ ‬الدولة‮ ‬والمجتمع؛‮ ‬فلا‮ ‬تصدقوهم،‮ ‬لأن‮ ‬كل‮ ‬شيء‮ ‬عندهم‮ ‬محسوب‮ ‬بالدولار،‮ ‬والريال،‮ ‬والجنيه،‮ ‬والدرهم،‮ ‬وانتم‮ ‬من‮ ‬جوعكم‮ ‬ودمائكم‮ ‬من‮ ‬يدفع‮ ‬الثمن‮!!‬
‮ ‬فلا‮ ‬تصدقوهم‮ ..!!! ‬

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:54 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-61606.htm