د.عبدالوهاب الروحاني - الاستقلال ذكرى نحييها ويوم نتذكره.. نرفع فيه الأعلام، ونكتب لأجله المانشتات بالبنط العريض في صحفنا ومجلاتنا، نغنيه في وسائل التواصل ونرقص له في التلفزيونات، ونتبادل لمناسبته التهنئة ؛ لكنه مجرد مناسبة ينتهي بريقها بغروب شمس يومها.
ذلك، لأن الاستقلال في معاجم اللغة وقواميس السياسة والاخلاق يعني ببساطة قدرة الدول والمجتمعات والامم على الحفاظ على سيادة اراضيها، وإدارة وتدبير شئونها واتخاذ قراراتها باستقلالية وبعيداً عن الوصاية والتدخلات الخارجية..
هذا هو المفهوم العظيم للاستقلال، الذي يجب ان يذكّرنا في كل مناسباته ليس فقط بمن قاتلوا وناضلوا وضحوا من أجله، وإنما يذكّرنا ايضاً بمعنى الاستقلال نفسه.. وهل نحن مستقلون حقاً؟! هذا هو السؤال الكبير الذي يجرنا الى البحث عن اجابات لأسئلة كثير أهمها:
هل ارضنا وبحرنا وسماؤنا مصانة وسيادتنا محفوظة؟!
هل قرارات حكام "دولتنا" مستقلة؟
هل علاقاتنا مع الدول الاخرى تقوم على الندية، والمصالح المتبادلة؟!
هل بيننا من يستبدل ولاءه وانتماءه الوطني مقابل ولاءات خارجية؟
هل بيننا من يبيع مقابل ان يقتات من موائد الآخرين، ويتقاضى شهرياً أو سنوياً خارج اطار الوطن والقانون ؟!
هل نحن نصوغ افكارنا السياسية، ومناهجنا الدراسية على اسس وقواعد وطنية؟
أسئلة محرجة، وفي الاجابة عليها تكمن المرارة الأكثر ايلاماً؛ لكنها تكشف حقيقة من نحن ..!! مستقلون أم مرتهنون؟!
بالطبع الجواب الملائم لحالنا في اليمن بالذات ولحال الكثير من دولنا العربية هو اننا "مرتهنون".. نقف في المربع الخطأ للأسف؛ ذلك لأن المجتمعات المستقلة، هي المجتمعات التي ترفض الارتهان، ولا تقبل بالوصاية من دولة خارجية، أو من جماعات أو أفراد داخلية لها ارتباطات خارج الإطار الوطني، وتقتات من تواطؤها على حساب القضية الوطنية والتفريط بالسيادة بأي شكل وعبر اية وسيلة، أو تحت أي مسمى كان.
قال العرب قديماً "تموت الحرة ولا تأكل بثدييها" ، واليوم لم يعد غريباً أن تجد من يفاخر ويقول بأريحية تامة انه يتقاضى أباً عن جد، و"يرتبط بعلاقات تاريخية" مع هذه الدولة أو تلك.. بمعنى انه يبيع ويشتري ويقتات من كرامته؛ هؤلاء هم الغزاة الحقيقيون، وهم من يغرسون سيف الغدر في صدر الوطن "المستعمر الوطني" كما سماهم شاعرنا الكبير عبدالله البردوني في رائعته (الغزو من الداخل)، القصيدة المحاكمة، التي يقول فيها:
وهل تدريـن يـا صنعـاء ** مـن المستعمـر السـري
غــزاة لا أشـاهـدهـم ** وسيف الغزو في صـدري
فقـد يأتـون تبغـاً فــي ** سجائـر لونهـا يـغـري
وفي أهـداب أنثـى فـي** مناديـل الهـوى القهـري
وفـي ســروال أسـتـاذ ** وتحـت عمامـة المقـري
غـزاة اليـوم كالطاعـون ** يخفـى وهـو يستشـري
فظيع جهـل مـا يجـري ** وأفظـع منـه أن تـدري
***
تَرَقّـى العـارُ مـن بيـعٍ ** إلـى بيـعٍ بــلا ثمـنِ
ومـن مستعـمـر غــازٍ ** إلـى مستعمـر وطـنـي
يمانـيـون يــا (أروى) ** ويا (سيف بن ذي يزن)
ولـكـنـّا برغمـكـمـا **بـلا يُمـن بــلا يـَمـن
بـلا مــاضٍ بــلا آتٍ ** بـلا سِـرّ بــلا عـلـن
أيا (صنعاء) متى تأتين؟ ** مـن تابـوتـك العَـفـن
فظيع امر ما يجري ** وأفظع منه ان تدري
فظاعة المشهد هو في بشاعة المنحدر وسوء المنقلب، الذي أوصلنا اليه المقاولون علناً والمتعهدون من الباطن، فأصبحت الأمور بعكسها، نحتفل بأعيادنا الوطنية والدينية ولم يعد لنا منها الا اسمها..
نحتفل باستقلالنا ونحن مكبلون وأرضنا منتهبة، وسيادتنا منتهكة، وقراراتنا محكومة بتوجهات وموافقة الغير..
نحتفل بمناسباتنا الدينية ونحن نجوّع الناس وننتهب اموالهم
نحتفل بأعياد الثورة ونحن نمارس ابشع انواع القهر والظلم على الوطن والمواطن.
لم يعد لنا من مناسباتنا الا اسمها.. نقول شيئاً ونمارس عكسه .. ونتمثل قيماً لا علاقة لها بثورة ولا دين ولا استقلال..
وباختصار.. المناسبات التي نحييها وطنية ودينية تفضحنا، وتكشف حقيقتنا..!!
وكل عام ونحن نحلم..
|