أحمد الحبيشي -
وأخيراً .. وبعد صمت ملطخ بالنفاق، خرج علي محمد عبده الصراري عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني عبر صحيفة ((الثوري)) يوم الخميس الماضي، بعصبية مفرطة أدهشت كل من قرأ مقاله الذي انطوى على تصريح خجول أفاد بأن حزبه لم يكن سعيداً بما أسماه ((اللغط)) الذي أُثير حول( حفلة أصالة في عدن)) بحسب تعبيره!!!
مما له دلالة أن يأتي هذا التصريح باسم علي الصراري وليس باسم الحزب.. وفي مقال منشور باسم الكاتب في صفحة عنوانها ((مساحة للرأي)).. وبعد أن حسم الجمهور صراعا ضاريا بين رؤيتين ثقافيتين وسياسيتين حول تحريم أو إباحة الغناء والموسيقى على تربة مهرجان عدن الفني الأول الذي شكل نجاحه الكبير ضربة موجعة لكهنة وملالي الإسلام السياسي الذين شنوا على امتداد ثلاثة أسابيع أكبر حملة تحريم وتكفير وتنسيق ضاربة ضد الفن والغُناء والموسيقى، وليس ضد حفلة ((أصالة)) بحسب إدعاء الصراري.
من نافل القول أن الذين حرضوا ضد مهرجان عدن الفني الأول بذريعة تحريم الغناء والموسيقى ، استخدموا في تلك الحملة أسلحة هجومية خطيرة، بدءاً بإصدار الفتاوى المتزمتة ونشر الأفكار والبيانات والنداءات المتطرفة عبر الصحف وأشرطة الكاسيت والملصقات والهاتف الجوّال، مروراً بإطلاق العنان لخطاب التكفير والتحريم والتفسيق عبر منابر الجمعة بشكل منسَّق ومنظم، وانتهاء بتشغيل الماكنة الإرهابية الدموية للتطرف ممثلة بتنظيم ((القاعدة)) الذي هدَّد الفنانة السورية ((أصالة)) بالقتل، وتوَّعدها بمصير يشبه المصرع التراجيدي للشهيدة بنازير بوتو إن هي أصرت على المجيء إلى عدن لإحياء مهرجانها الفني الأول، كما توعدت ((القاعدة)) كل من يحضر هذا الحفل من محبي الغُناء والموسيقى بمصير مماثل لمائة وثمانية عشر قتيلاً، وأكثر من سبعمائة جريح سقطوا أثناء حادثة اغتيال بوتو!!
لا نبالغ حين نقول إنّ المعركة التي دارت حول مهرجان عدن الفني الأول كانت ترمز إلى صراع بين مشروعين ثقافيين بمشاركة واسعة من مختلف الصحف ووسائل الإعلام اليمنية والعربية سواء بالتغطية الخبرية أو الرأي والموقف، باستثناء صحيفة ((الثوري)) التي لزمت الصمت، وظهرت في صورة (الساكت الأخرس).
لكن الصراري لا يرى في كل ذلك سوى (لغط) أُثير حول (حفلة أصالة)، الأمر الذي جعل من صمت ((الثوري)) وتهربها عن تحديد موقف أثناء تلك المعركة، أرحم على الحزب الاشتراكي من تصريح علي الصراري الذي جاء متهافتاً ورخيصاً في محاولة خائبة لطمس المعاني والدلالات العميقة لنجاح مهرجان عدن الفني الأول، والتقليل من الرسالة القوية التي وجهها الحضور الجماهيري الذي فاق كل التوقعات إلى طيور الظلام وقوى الكهنوت الجديد التي لم تتردد في استخدام فتاوى التحريم والتكفير ومنابر بيوت الله، إلى جانب التلويح باستخدام العنف والقتل بقصد إرهاب الفنانة ((أصالة)) وإرهاب الناس الذين يحبون الفن والغُناء والموسيقى في وقتٍ واحدٍ.
كان ظهور الصراري بائساً وخائباً في مقاله الذي نشرته ((الثوري)) يوم الخميس الماضي لدى تبريره صمت صحيفة الحزب الاشتراكي خلال تلك المعركة، حيث بدت الصحيفة من خلال ذلك المقال وكأنّها تنطق مكرهةً كالمعزية بعد شهرين وباسم الصراري، وفي صفحة الرأي، لترد على مقال كتبه المحرر الثقافي لصحيفة ((14 أكتوبر)) تساءل فيه عن أسباب انفراد صحيفة الحزب الاشتراكي بالصمت، بالنظر إلى الرصيد الثقافي التنويري للحزب ولمدينة عدن التي حكمها الحزب وقدّمت قبل الاستقلال وبعده مختلف أشكال الدعم والرعاية للفن والغُناء والموسيقى.
نعم لم يكن الصراري في ذلك المقال خائباً وبائساً فحسب، بل أنّه كان متهافتاً أيضاً على كسب ود الذين خاضوا تلك المعركة بأسلحتهم السوداء، ثمّ خرجوا منها مهزومين مكسورين، إلى حد أنّه حاول اختزال تلك المعركة بما أسماه ((لغطاً)) (حاول إثارته محترف الدسائس السياسية أحمد الحبيشي الذي حوّل ملاحظة النائب البرلماني عن التجمع اليمني للإصلاح والموجهة نحو مسؤولية الحكومة في تمويل الحفل في ظل ما يعانيه اليمنيون من فقر ومجاعة، إلى معنى لتكفير أصالة أو تهديدها بالقتل))... وهذا بالنص هو ما قاله الصراري في مقاله الطافح بالهذيان، إلى حد القول : (لا أظن أنّ السيدة أصالة توافق على أن يتخذ منها أحمد الحبيشي غطاءً لمعاركه السياسية والشخصية)!!
لا يكتفي الصراري بعد هذا التهافت الرخيص باختزال المواجهة مع دعاة تحريم الغُناء والموسيقى في صورة (لغط) أثاره محترف الدسائس أحمد الحبيشي الذي حوّل ملاحظة بريئة من النائب الإصلاحي فؤاد دحابة إلى معنى لتحريم وتكفير الفن والموسيقى وتفسيق الفنانة أصالة، بل يذهب الى أبعد من ذلك حين يدعي بأن أحمد الحبيشي اتخذ من هذه الفنانة الكبيرة غطاء لمعاركه السياسية والشخصية.. بمعنى تجويف وتسطيح المعركة التي دارت حول مهرجان عدن الفني الأول في مواجهة دٌعاة تحريم الفن والغُناء والموسيقى، وتصوير كل ما حدث من (لغط) بأنّه جزء من المعارك السياسية والشخصية لمحترف الدسائس أحمد الحبيشي الذي جاء بأصالة إلى عدن ليتخذ منها غطاءً لمعاركه !! ( يا للهول ) .
تأسيساً على هذا الاستنتاج الخائب والمتهافت، علينا أن نلغي عقولنا لنصدق ما يقوله الصراري بأنّ المعركة التي دارت حول مهرجان عدن الفني الأول، واستخدم فيها أعداء الغُناء والموسيقى والفرح الإنساني أسلحة الفتاوى ومنابر الجمعة وتكايا المساجد والملصقات الدعوية والأشرطة الصوتية والرسائل الهاتفية وتهديدات ((القاعدة)) باللجوء إلى العنف والقتل، وغير ذلك من النفير الذي اكتشفنا بعد قراءة مقال الصراري في ((الثوري)) أنّه لم يكن سوى (لغط) أثاره محترف الدسائس أحمد الحبيشي، بهدف تحريف كلام النائب الإصلاحي فؤاد دحابة الذي لم يكن يقصد سوى التمويل الحكومي للمهرجان في ظل فقر اليمنيين، متجاهلاً أنّ هذا الخطيب وغيره من خطباء حزب ((الإصلاح)) ما برحوا ينظمون حملات التبرع لصالح المجاهدين في العراق ولبنان وفلسطين والشيشان وأفغانستان في ظل ما يعانيه اليمنيون من فقرٍ بحسب الصراري على لسان دحابة ثم يطلعون علينا بعد كل حملة تبرعات، بتصريحات تنشرها الصحف، تشير إلى سرقة بعض الصناديق من المساجد، وما خفي أعظم!!!
الثابت إنّ النائب الإصلاحي فؤاد دحابة لم يكن وحده في هذه المعركة، التي شارك فيها عدد كبير من الكهنة والملالي وخطباء المساجد التابعين لأكبر أحزاب المعارضة ومن والاهم من جماعات التطرف والتكفير والإرهاب.. لكن دحابة لم يقل ما حاول الصراري تهوينه والتقليل منه بتهافت يثير التقزز والغثيان، بل أنّه ردد أيضاً ما قاله شيوخ التطرف والتشدد الذين برروا تحريم الغُناء والموسيقى بدرء مفاسد الفسوق والمجون وقذفوا الفنانة الكبيرة أصالة بأوسخ وأقذر الأوصاف ، ثم دعوا الحكومة الى الالتزام بتعاليم الدين بعد ان نصبوا أنفسهم حراساً عليه في قلوب وعقول الناس، وناطقين باسم الله في الأرض على نحو ما كان يفعله رجال الكهنوت في الأكليروس المسيحي قبل الثورة الصناعية.
لا أريد أن أدعو القراء إلى إعادة قراءة الرسالة التي وجهها النائب الإصلاحي فؤاد دحابة عبر شبكة سبأ فون ونشرتها صحيفة ((الوسط)) وغيرها من الصحف الحزبية والمستقلة ليعرفوا حجم الكذب والتهافت لدى الصراري ، بل أدعوهم إلى إعادة قراءة تصريح القيادي البارز في حزب الإصلاح الأستاذ محمد قحطان الذي أنكر على دحابة اتهامه للفنانة أصالة بأنّها ماجنة، بحسب ما جاء في رسائله عبر الهاتف الجوّال لشبكة سبأ فون، مشيراً إلى أنّ أصالة فنانة محترمة، كما أكد محمد قحطان على أنّ الفن ليس حراماً.. فهناك فن جيد.. وهناك أيضاً بالمقابل فن رديء، ولا يجوز تحريم وتكفير الفن الجيد بذريعة الفن الرديء، وهذا الكلام للأستاذ أحمد قحطان، الذي كان أكثر وضوحاً وشجاعة وصدقاً من الصراري ، وليس لأحمد الحبيشي محترف الدسائس السياسية الذي أثار (لغطا) عندما حوّل تصريحات دحابة البريئة إلى معنى للتحريم، بحسب كلام الصراري في ((الثوري)) ، علماً بأنني سأتناول بالنقد والتحليل في مقالٍ لاحق، مختلف المواقف المتباينة حول مهرجان عدن الفني الأول، بما في ذلك تفنيد دعاوى تحريم الغُناء والموسيقى.
أعرف كثيراً من الزملاء الذين أصابتهم الدهشة لأسلوب الصراري في تسطيح ما دار حول مهرجان عدن الفني الأول واختزاله في صورة (لغط) أثاره محترف الدسائس السياسية أحمد الحبيشي، وقد رأى بعض هؤلاء الزملاء في عصبية وتهافت وسطحية الصراري في المقال الذي نشرته ((الثوري)) دليلاً إضافياً على تفاقم المُناخ المأزوم داخل الحزب الاشتراكي اليمني بعد أن خطفه الطارئون على قيادته من أمثال الصراري.
في الاتجاه المعاكس لا أرى في الرد العصبي والخائب لعلي محمد عبده الصراري على المقال الافتتاحي لمحرر ((14 أكتوبر)) الثقافي مظهراً لسلوك مأزوم فقط . لأنّ الأزمات قابلة للانفراج مهما بلغت واشتدت حدتها.. كما أنّ الأحزاب المأزومة قابلة للتعافي من أزماتها بالتخلص من أسبابها.. وعلى هوامش الأزمات يفتضح الأدعياء فيبدو سلوكهم مأزوما ً، بيد أن استفحال السلوك المأزوم يصل بالأدعياء قي منتهاه الى لحظات السقوط .. بمعنى أنّ التأزم ليس هو المظهر الأبرز لتهافت الصراري في ذلك المقال الذي انطوى على نفاق رخيص لأعداء الفن والموسيقى والغُناء، بل أنه السقوط بعينه شكلاً ومضموناً. وهو سقوط يشير إلى انحطاط ثقافي وسياسي للأدعياء بكل الاتجاهات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حيث يلتقي الأدعياء بكل الاتجاهات في نقطة ( مشتركة ) عندما يصبحون بلا قضية.
نعم .. لم يتهافت الصراري في ذلك المقال على الذي كان يدعي قضية تقدمية في مواجهتهم لم يكن يؤمن بها حقاً.. بل أنّه يتماهى معهم تماماً اليوم في لحظة السقوط الأخير.
أنظروا إلى جانب من شكل ذلك المقال.. ودققوا في الألفاظ التي لا يمكن أن تصدر عن مثقف (تقدمي) يدعي أنّه يمتلك قضية!!.. ثم قارنوا بين ألفاظ (استبدادية) وردت في مقال الصراري الذي رماني بسيل من الشتائم السوقية مثل ((وقح.. لعوب)) وقارنوها بأوصاف مشابهة أطلقها خطيب أحد مساجد عدن الذي هاجم صحيفة ((14 أكتوبر)) بسبب دفاعها عن مهرجان عدن الفني الأول، ولم يتردد في وصف رئيس تحريرها من على منبر الجمعة بأنّه (وضيع ونذل)!!
الأخطر من كل ذلك قارنوا بين الصراري الذي اتهمني في مقاله بالزندقة (وهي الكفر باطناً والتظاهر بالإسلام نفاقا ًعند بعض الفقهاء الأسلاف)، وبين قول خطيب المسجد الذي أتهم رئيس تحرير صحيفة ((14 أكتوبر)) بالكفر ونشر الإلحاد والفسوق!!
هكذا يتماهى الصراري في لحظة السقوط الأخير مع خطيب مسجد متطرف في عدن، مثلما تماهى بتهافت خائب مع الخطيب الإصلاحي في صنعاء فؤاد دحابة .. وفي الحالين يبدو الصراري مأزوماً ومتهافتاً في لحظة سقوط تراجيدية لمثقف خائب فقد ظله وأضاع قضيته.
يصل هذا السقوط منتهاه المأساوي عندما حاول الصراري البحث عن حبل يشنق بها خصمه اللدود ( محترف الدسائس السياسية أحمد الحبيشي ) ، فإذا بالصراري يجد عنقه ملفوفاً بذلك الحبل الذي أحضره بيده وقلمه .. ويتجسد ذلك عندما يتصوَّر الصراري نفسه تقدمياً في تماهيه مع ثقافة ونمط تفكير خطيب ((إصلاحي)) في صنعاء وآخر في عدن، وما ترتب عن هذا التماهي من ألفاظ تكفيرية واستبدادية مشتركة مثل (نذل، وضيع وكافر ينشر الإلحاد)، فيلتقطها الصراري في لحظة سقوطه التراجيدي ، ثمّ يزيد عليها بألفاظ مشابهة مثل (وقح، لعوب وزنديق)!.
أما منتهى السقوط الذي هوى بالصراري إلى الدرك الأسفل من الانحطاط الثقافي والسياسي ، فقد تجلى عندما قال (( إنّ أحمد الحبيشي يسعى لتفكيك العَلاقة بين الحزب الاشتراكي وحزب « الإصلاح « إرضاءً لرغبة حزبين ينتمي إليهما، أحدهما علني والآخر سري )) !!
مرةً أخرى نجد أنفسنا مع الصراري متماهياً مع طريقة تفكير تشير إلى عجزه عن مناقشة آراء الحبيشي التي لم ولا تعجبه، فيلجأ إلى الهروب بكل الاتجاهات زاعما ً أنّ هذه الآراء تستهدف إرضاء حزبين ينتمي إليهما الحبيشي، أحدهما علني والآخر سري.. والكلام هنا للصراري الذي يتظاهر بالغيرة على الديمقراطية وحرية التعبير ويدعي بأنّه مناضل ضد الممارسات القمعية التي تستهدف مصادرة الحريات وملاحقة المثقفين والناشطين السياسيين بسبب آرائهم.. وعند هذه النقطة من حقنا أن نتساءل عن الفرق بين الصراري الذي كتب هذا الكلام في صحيفة ((الثوري)) .. وبين كتبة التقارير والوشايات الأمنية، وما يقوله الجلادون لضحاياهم في زنازين التعذيب.