الميثاق نت -

الثلاثاء, 22-فبراير-2022
عبدالملك‮ ‬العجري -
تصنيف اليمن كدولة مهددة بالفشل لم يبدأ في 2011م واحداث الربيع العربي وان دخل معها مرحلة جديدة، فالتحذيرات الامريكية والبريطانية من فشل الدولة بدأت في مرحلة أبكر، ومنذ 2007م وفي 2009 م تكررت الدعوات للحكومة المنية بضرورة التفكير بجدية في التحول نحو الديمقراطية‮ ‬الحقيقية‮ ‬اجراء‮ ‬إصلاحات‮ ‬إدارية‮ ‬واقتصادية‮ ‬والا‮ ‬فان‮ ‬اليمن‮ ‬في‮ ‬طريقها‮ ‬نحو‮ ‬الفشل‮.‬
وهي التصريحات التي كانت تتلقفها المعارضة آنذاك لإدانة نظام صالح دون إدراك لتداعيات الاستقواء بالخارج، السياسة التي طبعت أداء النخب السياسية في السلطة والمعارضة، على سلب اليمن حقوقه السيادة وفقدانه السيطرة على قراره الوطني من دون أن توصله إلى برّ الأمان، وما حصل في 2011م شاهد إضافي، فاليمن منذ السبعينيات التي كانت قيد النظر السعودي، وبموجب قرار مجلس الامن (2014/2011م) انتقلت لتصبح قيد النظر الدولي الذي بدوره أعاد تفويض الخليج والسعودية بالإشراف على تنفيذ الانتقال السياسي أي ان التفويض السعودي في اليمن-هذه المرة‮- ‬اصبح‮ ‬مسنوداً‮ ‬بغطاء‮ ‬دولي‮ ‬واقليمي‮.‬
لن ندخل في مناقشة مبررات تصنيف اليمن دولة فاشلة باعتبارها المقاربة التي حكمت المرحلة الانتقالية انما مدخل مفتاحي لفهم وتفسير مسار الاحداث بعد 2011م ومعرفية خلفية وآليات ووسائل المجتمع الدولي لمساعدة الدول الهشة في تصميم المبادرة الخليجية والمرحلة الانتقالية‮ ‬عموماً‮ ‬ومدى‮ ‬نجاعتها‮ ‬وكفايتها‮ ‬لمعالجة‮ ‬الازمة‮ ‬لإعادة‮ ‬بناء‮ ‬قدرة‮ ‬الدولة‮ ‬على‮ ‬أداء‮ ‬وظائفها‮ ‬ام‮ ‬انها‮ ‬كانت‮ ‬تدفعها‮ ‬نحو‮ ‬المزيد‮ ‬من‮ ‬الفشل‮ ‬والانهيار‮.‬

دوافع‮ ‬التدخل‮ ‬الدولي‮ ‬والإقليمي
التدخل الإقليمي والدولي في اليمن لم يكن لأهداف إنسانية او لحماية الشعب اليمني او لإحداث تغيير حقيقي يلبي مطالب الثورة والشعب اليمني بقدر ما هو القلق المزعوم من اليمن الخطر، وتأثير انهيار الدولة في اليمن على المصالح الامريكية وتحول اليمن لملاذ آمن للإرهاب، والقلق من امكانية صعود طبقة سياسية جديدة غير متحمسة أو متفاعلة مع أولويات الاستراتيجية الأمنية الأمريكية في اليمن او مع استمرار اشرافها على إعادة هيكلة الجيش والأمن في الاتجاه الذي يضمن استمرار الحرب على الإرهاب كعقيدة قتالية للجيش اليمني ومؤسساته الأمنية على‮ ‬حد‮ ‬الدكتور‮ ‬محمد‮ ‬الافندي‮ ‬والاحتفاظ‮ ‬به‮ ‬مدخلاً‮ ‬للنفوذ‮ ‬في‮ ‬توجيه‮ ‬الجيش‮ ‬اليمني‮.‬
من جهة أخرى السعودية منذ نشأتها تنظر لليمن مصدر خطر وقلق دائمين فالجوار والشريط الحدودي الطويل بين البلدين قد يجعل من اليمن مصدر تهديد لأمن السعودية سيما مع رداءة وعدم جاهزية القوات البحرية وحرس الحدود اليمنية، كما تنظر لليمن ساحة نفوذ لا غنى عنها للحفاظ على التوازن الإقليمي وتخشى من تأثير التغيير في اليمن على التوازن الإقليمي سيما تجاه النفوذ الإيراني والتركي. وغير ذلك يرى كثير من المراقبين ان بناء دولة قوية او ديمقراطية لم يكن من الأهداف المرغوبة للسعودية الراعي الحقيقي للمبادرة.
كما يمثل باب المندب مضيقاً مهماً للمصالح الدولية ما يجعله يولى اهمية لاستقرار المنطقة التي تعاني اصلا من وجود دولة فاشلة وهي الصومال، إضافة للجزر اليمنية الاستراتيجية في طريق الملاحة والمهمة في الحرب الدولية على الإرهاب.
الدافع الثاني: الثاني عدم ثقة الأطراف الدولية والإقليمية وبشكل اكثر تحديداً السعودية والولايات المتحدة بقدرة النخب اليمنية التقليدية في السلطة والمعارضة على إدارة مهام المرحلة الانتقالية دون مساعدة واشراف مباشر من المجتمع الدولي والخليج والسعودية تحديداً، وانعدام ثقة السعودية بالنخبة السياسية اليمنية ليس بالأمر الجديد وتراودها شكوك مزمنة من التوجهات السياسية للنخب اليمنية، وزاد استقدام القوات المصرية في ثورة 26سبتمبر ثم تحول اليمن الجنوبية للنظام الاشتراكي لاستحكام هذا الهواجس لدى حكام الرياض واستقر في قناعتها‮ ‬انها‮ ‬ان‮ ‬لم‮ ‬تضع‮ ‬اليمن‮ ‬قيد‮ ‬نظرها‮ ‬فسيذهب‮ ‬الى‮ ‬حيث‮ ‬لا‮ ‬ترغب‮.‬
لذلك كان احد اهم اهداف المبادرة الخليجية ضمان استمرار اليمن ضمن المعادلة الإقليمية والدولية سواء المتعلقة بمكافحة الإرهاب وفقاً للمنظور الأمريكي، او استمرار احتفاظ السعودية بدور اللاعب الاساسي في المشهد السياسي اليمني وتمكينها من محاربة ما يسمي النفوذ الإيراني‮ ‬والاخواني‮ ‬او‮ ‬التركي‮ ‬في‮ ‬اليمن،‮ ‬وتعمدت‮ ‬المبادرة‮ ‬تجاهل‮ ‬تبعات‮ ‬هذه‮ ‬السياسات‮ ‬التي‮ ‬كانت‮ ‬مسؤولة‮ ‬لحد‮ ‬كبير‮ ‬عن‮ ‬هشاشة‮ ‬وضعف‮ ‬الدولة‮ ‬اليمنية‮ ‬وتحديد‮ ‬مسار‮ ‬السياسة‮ ‬الداخلية‮ ‬اليمنية‮.‬

نظرية‮ ‬اليمن‮ ‬الخطر‮ ‬وأثرها‮ ‬على‮ ‬الدولة
إن النظرة الإقليمية والدولية لليمن مصدراً للخطر والتهديد مثلت بحد ذاتها مصدر تهديد لليمن والدولة اليمنية، وانتجت متوالية من السياسات والتدخلات السافرة في الشأن اليمني اضعفت السلطة المركزية للدولة اليمنية أوصلت اليمن الى الفشل.. منذ الستينيات كانت السعودية تنظر لليمن مصدر خطر عليها مرة بحجة المد الناصري وأخرى المد الشيوعي وثالثة المد الشيعي وحيناً المد التركي، لم تكن مقاربة الرياض جيوسياسية فحسب وإنما مقاربة أيديولوجية تتعدى استحقاقات الجغرافيا وقيم الجوار المعتادة، جوهرها "أن يبقى اليمن ضعيفاً بما لا يشكل تهديداً للمملكة، وقوياً بما لا يشكل تهديداً لها أيضاً" (وهو المبدأ الذي صيغت على أساسه المبادرة الخليجية)، وخلال العقود الخمسة الماضية، لم تكن تتعامل مع اليمن من باب مؤسسات الدولة، بل من نافذة مراكز القوى خارجها من خلال ما يُعرف تقليدياً بـ "اللجنة الخاصة"، والتأثير على القرار السياسي عبر التزكيات والتعينات لتولي مناصب معينة في الحكومة والمؤسسات اليمنية. إضافة للجمعيات الخيرية ودعم الجماعات السلفية والإغاثية وغيرها من الوسائل الناعمة ذات الفعالية الكبيرة التي خدمت السعودية في التغلغل في الساحة اليمنية بمعزل عن‮ ‬الحكومة‮ ‬اليمنية‮. "‬نظرية‮ ‬الدولة‮ ‬الضعيفة‮ " ‬التي‮ ‬استندت‮ ‬لها‮ ‬السياسية‮ ‬السعودية‮ ‬وان‮ ‬ساعدتها‮ ‬في‮ ‬التفرد‮ ‬باليمن‮ ‬لعقود‮ ‬الا‮ ‬انها‮ ‬في‮ ‬اضعاف‮ ‬الدولة‮ ‬وتآكل‮ ‬شرعيتها‮ ‬وسلطتها‮.‬
بعد احداث 11سبتمبر اصبح اليمن مصدر قلق للولايات المتحدة بحجة الإرهاب والخشية على الديمقراطية، وبصرف النظر عن اهداف الحرب الامريكية على القاعدة في اليمن فإن السياسات التي اتبعتها كانت على نفس المنوال الذي اتبعته السياسة السعودية بتجاوز السلطة المركزية، واتخذت من فساد السلطة وضعف قبضتها خارج المدن مبرراً لفتح قنوات تواصل مباشرة مع الزعامات المحلية أصحاب السلطة الحقيقية وتوزيع المساعدات عبرهم بحجة تجنب العمل عبر آليات الفساد التابعة للحكومة المركزية وبذلك تتمكن- على حد باحثة أمريكية- من إضعاف القاعدة وفي ذات الوقت مساعدة الشعب اليمني، فتحول بذلك دون انفجار البلاد من الداخل، لكن اذا نظرنا للنتائج على الأرض فإن هذه السياسة أسهمت في إضعاف سلطات الدولة اكثر مما اضعفت القاعدة.. وفي مفارقة ملفتة بعد ما يقارب عشر سنوات من التدخل الأمريكي لمكافحة الإرهاب في اليمن وبعد ان كان الإرهاب يقتصر على افراد يتسللون بين القبائل اليمنية اعلنت القاعدة في 2009م تأسيس تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في اليمن في تطورملفت يعاكس الأهداف المعلنة لحرب أمريكا على القاعدة في اليمن، الامر الذي يثير التساؤل كما لو ان الهدف التحرش بالقاعدة وتحويل‮ ‬اليمن‮ ‬ساحة‮ ‬للعبة‮ ‬مفتوحة‮ ‬معها‮ ‬ونقطة‮ ‬تجميع‮ ‬لعناصرها‮ ‬لأهداف‮ ‬لها‮ ‬علاقة‮ ‬بمطامع‮ ‬الهيمنة‮ ‬على‮ ‬اليمن،‮ ‬وصراع‮ ‬القطبية‮ ‬الدولي‮.‬
في 2011م تطور الامر ليصبح اليمن مصدر قلق للمجتمع الدولي، ويقرر مجلس الامن وضع القضية اليمنية قيد النظر الدولي، وفي 2015م قررت السعودية اعلان الحرب على اليمن بحجة القلق من النفوذ الإيراني وهكذا كان القلق من اليمن بمثابة حصان طروادة الذي تسبب في خرابها.
إن نظرية اليمن الخطر ساهمت في إضعاف الدولة اليمنية عبر مراحلها التاريخية وتحولت الى نوع من الدعاية السوداء التي شوهت صورة اليمن إقليمياً ودولياً، وحرضت الخارج والداخل عليه وحين كان اليمن مستغرقاً في مشاكله الداخلية كانت هذه الدعاية غير البريئة تزيد الأوضاع سوءاً وتعرقل الإصلاحات الخجولة بما فيها تلك التي يلح في طلبها المانحون والمقرضون، وكثيراً ما يتلقف الاعلام الغربي والامريكي أدنى حادثة ويصنع منها فزاعة كبيرة بهدف حشد التأييد الشعبي لحملات الولايات المتحدة العسكرية في العالم واليمن الخطر المسكون بالكائنات‮ ‬الشريرة‮ ‬دون‮ ‬اعتبار‮ ‬لما‮ ‬لها‮ ‬من‮ ‬تداعيات‮ ‬سيئة‮ ‬على‮ ‬اليمن‮.‬
إن الفرضية التي تزعم ان الصراع في اليمن قادر على إشاعة فوضى خارج حدوده تتجاهل ان شرارات الصراع الداخلي لم تتطاير خارج حدوده الا عندما كانت قذائف الخارج تكوي اليمن بألسنتها الحارقة وكل الصراعات التي حدثت في اليمن بقيت تأثيراتها داخلية، والاثر المحدود الذي يمكن‮ ‬تخيله‮ ‬لا‮ ‬يقارن‮ ‬بالآثار‮ ‬التي‮ ‬خلفتها‮ ‬التدخلات‮ ‬الخارجية‮.‬
إن القلق الدولي هو في الحقيقة ناتج للقلق السعودي والامريكي وهما من روجا نظرية اليمن الخطر، وهو هاجس سياسي أكثر مما هو حقيقة سياسية فاليمن لم يكن مصدر خطر على السعودية وكان اليمن دائماً في موقع المعتدى عليه وكل المخاطر التي كان يتم افتراضها لا تقارن بالكوارث‮ ‬التي‮ ‬تسببت‮ ‬فيها‮ ‬لليمن‮ ‬
والهواجس التي قد يكون مصدرها توجهات او تصريحات بعض النخب السياسية سواء القومية او اليسارية او الممانعة لا يجب ان تكون مصدر قلق الا إذا تجاوزت اليمن الى التدخل في الشؤون الداخلية للسعودية او تهديداً لأمنها القومي وبالمقابل لا تبرر أي تدخلات على حساب الدولة اليمنية‮ ‬وسلطتها‮ ‬المركزية‮ ‬ولا‮ ‬يشترط‮ ‬ان‮ ‬تكون‮ ‬السياسة‮ ‬الخارجية‮ ‬لليمن‮ ‬نسخة‮ ‬أخرى‮ ‬للسياسة‮ ‬السعودية‮.‬
الخلاصة :ان استمرار اليمن قيد النظر الدولي او الإقليمي انما يعني استمرار أزمة الدولة اليمنية وابقاءها مشلولة معتمدة بدرجة اساسية على الخارج هو في النهاية لن يستطيع ان يحل محل الداخل مهما حاول وعندما يقرر الخروج لن يترك خلفه إلا فراغاً يتحرك ضد مصالح الداخل والخارج، ومن مصلحة السعودية المساعدة وجود دولة قوية تستطيع ان تؤمن الاحتياجات الضرورية للناس حتى لا يتحول جزء كبير من سكان اليمن إلى فائض بيولوجي غير مؤهل إلا للقتال وممارسة العنف وتصدير عمالة رثة تشتغل في التهريب.
وفرضية ان اليمن ان لم يكن قيد نظر الرياض سيذهب لغيرها او سيشكل تهديداً لأمنها، وان النخب اليمنية غير قادرة على إقامة علاقات متوازنة مع الأطراف الإقليمية والدولية لا تشكل تهديداً لأحد، مجرد هواجس لا مبرر لها، ربما ان تدخل عبدالناصر في ثورة سبتمبر ساهم في تعزيزها لكنها كانت حالة استثنائية، فتاريخياً الامام يحيى استطاع ان يحافظ على استقلال اليمن ولم يسمح بأن تكون اليمن ساحة نفوذ لاي جهة رغم المحاولات الحثيثة لكل من بريطانيا وإيطاليا وفرنسا آنذاك، وثانياً ان السعودية منذ السبعينيات هي من فرضها كخيار دائم على النخب السياسية والدولة اليمنية، وعرقلت أي قوى او توجهات لبناء دولة قوية ومستقلة.. ثالثاً ان خيار الاستقلالية لا يعني بالضرورة العداء ولا الخصومة ولا يمنع من إقامة افضل العلاقات معها السعودية، واليمن قادرعلى إقامة علاقات متوازنة مع محيطه العربي والاسلامي ومع كل‮ ‬الأطراف‮ ‬الإقليمية‮ ‬والدولية‮ ‬من‮ ‬مختلف‮ ‬التوجهات‮ ‬في‮ ‬ضوء‮ ‬مصالحه‮ ‬الوطنية‮ ‬واستحقاقات‮ ‬الجوار‮ ‬وواجباته‮ ‬القومية‮ ‬والإسلامية‮ ‬والإنسانية‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:17 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-62026.htm