الأحد, 09-مارس-2008
الميثاق نت -  د. طارق أحمد المنصوب -
يعد الحق في التعبير عن الرأي واحداً من أهم الحقوق التي كفلها الدستور اليمني لكافة مواطني الجمهورية اليمنية دون تمييز بين مواطن وآخر لأي سبب من الأسباب، وأكدتها القوانين المعمول بها في بلادنا تطبيقاً لكثير من المعاهدات الدولية التي صادقت عليها بلادنا، ويدخل ضمن تلك الحقوق حق توجيه النقد لسياسات الحكومة وممارساتها، وحق إبداء الرأي والتعبير عنه بكافة الوسائل الممكنة المشروعة والأخلاقية. لكن المشكلة تكمن في أن البعض في مجتمعنا اليمني يشتط ويتعسف في ممارسة الحق في التعبير عن الرأي، مدعياً أن الدستور يعطيه الحق في ممارسة تلك الحقوق بكافة الوسائل الممكنة المشروعة والأخلاقية وغيرها، وعلى قاعدة «الغاية تبرر الواسطة أو الوسيلة»، وفقاً لما يعطيه من تفسير وتأويل خاص للنص الدستوري، ويذهب البعض من هؤلاء في ممارسة هذا الحق إلى أقصى حد يسمح به لنفسه دون أن يضع لها ضوابط أو يحترم حتى الأساس الدستوري نفسه الذي منحه بوصفه مواطناً يمنياً - وفقاً لتلك القراءة الخاصة - مثل هذا الحق، ومن هذه الضوابط التي تضعها أغلب الدساتير احترام الثوابت الوطنية والمبادئ التي يقوم عليها النظام السياسي الديمقراطي.
في المثل الشعبي اليمني يقال: «مخرب غلب ألف عمار»، وفي أمثلة الشعوب ما يشبه هذا المثل، فكما يقال: «الشجرة الواحدة في غابة تنتج ملايين أعواد الكبريت، ويكفي عود كبريت واحد لحرق غابة كاملة». والوحدة اليمنية واحدة من الغايات - مهما ادعى البعض غير ذلك - التي تطلب تحقيقها نضالاً شعبياً وطنياً متواصلاً عبر مئات السنين، وتضحياتٍ جسيمة بمئات الآلاف من الأرواح والشهداء ممن عبَّدوا وعمدوا طريق الوحدة اليمنية ومسيرتها الطويلة بدمائهم الزكية التي سالت أنهاراً في الصراعات السياسية، وفي سلسلة حروب الأخوة في شطري اليمن قبل إعادة اللحمة الوطنية بين أبناء الأم الواحدة، مما يدفعنا إلى الاعتقاد أنها صارت (كما يرد في الأدبيات التنموية والاقتصادية وحدة مستدامة (Sustainable Unity) أي أنها صارت حقاً لأجيال الحاضر والمستقبل من أبناء اليمن الواحد في شتى بقاع الأرض اليمنية الطاهرة، ولم يعد من حق أي مواطن يمني أن يساوم عليها أو يجادل حولها أو حتى يفكر مجرد التفكير في إمكانية العودة إلى أوضاع ما قبل الثاني والعشرين من مايو 1990م.
ويبدو مع كامل الأسف، أن هذه القناعة لم تصل بعد إلى أسماع وعقول بعض أبناء مجتمعنا اليمني، إما نتيجة الغرور والاعتداد المبالغ فيه بالنفس، وإما بسبب الجهل أو التجاهل؛ فقد أضحت في الأيام الأخيرة مضغة على ألسنة البعض من مواطني الجمهورية اليمنية يلوكونها عند كل مناسبة وأحياناً بغير مناسبة بدعاوى زائفة تقوم على «ضرورة تصحيح الأوضاع وإصلاح المسيرة، وهي دعوة تلقى قبولاً شعبياً كبيرا، لكنها في حقيقة الأمر كلمة حق يراد بها باطل». وقد تجلى ذلك واضحاً جلياً في رغبة أحزاب «اللقاء المشترك» في استغلال المناخ الديمقراطي لركوب الموجة المناهضة لكل ما هو «مشترك ووحدوي ووطني، في تناقض واضح حتى مع التسمية التي اتخذوها لأنفسهم شعاراً وستاراً»، ومحاولة إحياء نزعاتٍ غابرة تدعو إلى تقسيم الواحد والعودة إلى «وهمية الشطرين» كما كان يحلو لأديبنا الوحدوي الكبير الراحل عبد الله البردوني (رحمه الله تعالى) أن يردد في كتاباته المتقدمة والمتأخرة على إعادة تحقيق وحدة الواحد.
قد يعتقد البعض أن تزايد حدة الفقر، وارتفاع الأسعار الجنوني، وزيادة أعداد العاطلين عن العمل، أو حصول بعض التجاوزات والتصرفات الخاطئة الشخصية أو الجماعية لبعض الفاسدين هنا أو هناك، مما لا يصح نسبته إلى الوحدة أصلاً، والاحتجاج به للدلالة على تشوه مسيرتها الظافرة، علاوة على أن تجاوب السلطة لمعالجة كثير من تلك الاختلالات يدحض كثير من تلك الحجج الباطلة، يعطيه المبرر للمضي بعيداً في إعلان رغباته الانفصالية المريضة وحنينه الأبدي إلى العودة للسلطة ولو من باب الشطرية الانقسامية و الصراعية.
والواقع أن حصول تلك التجاوزات من البعض ينطبق على أغلب محافظات الجمهورية شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً، ويزيد من حنق المواطنين وتبرمهم من كل من يمارس تلك الأفعال المستهجنة، ويرفع وتيرة مطالبنا الشخصية والوطنية بالحد من تلك التجاوزات وإحالة المخالفين والفاسدين إلى القضاء ليتخذ في حقهم العقاب المستحق، ويعزز من مطالبنا بضرورة الرقابة على الأسعار، لكنه في مطلق الأحوال لم يكن - ولن يكون كذلك - مبرراً لرفع شعارات الانفصال في بعض محافظات اليمن الواحد، ونحن لا نعني وجود محافظات أكثر وحدوية من الأخرى، لكنه يؤكد عدم قدرة المحرضين على التغلغل في أوساط أبناء جميع المحافظات، وتهافت حججهم بعد افتضاح أساليبهم السياسوية الرخيصة، واتضاح أطماعهم الشخصية السلطوية، وانكشاف نياتهم المبيتة وبعدها عن هموم الوطن والمواطن اليمني الواحد.
كما أن انتهاج وتطبيق بعض السياسات الغير صائبة مما يحدث في جميع المجتمعات بما فيها الأكثر تقدماً لا يبرر لهم رفع مثل تلك الشعارات، مخالفين بذلك سنة الله في الخلق لقوله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، ومتجاوزين الفطرة السليمة في النزوع نحو الاجتماع الإنساني، وغير مبالين بمشاعر الشعب اليمني الميال إلى التوحد، ومتناسين الدرس الشعبي في الاصطفاف التاريخي العظيم لكل شرائح المجتمع وفئاته في وجه محاولة الانفصال سنة 1994م، بعد افتضاح المشروع الحقيقي لقادة الانفصال يوم الحادي والعشرين من مايو 1994م، بإعلان قيام جمهورية اليمن الديمقراطي «التي صار البعض يعتقد - دون وعي كامل - أنها ستحمل عصا سحرية تجلب له الحلول لكافة مشاكله ومعاناته، متناسياً الوقائع التاريخية لزيف هذه الأماني من الماضي القريب، ومما لا تزال ذاكرة الأجيال الحاضرة تتذكره».
مناسبة هذا الحديث ما عرفه مجتمعنا اليمني في الآونة الأخيرة من تنام لمظاهر العنف المادي والأيديولوجي الممارس ضد بعض مواطني الجمهورية اليمنية في بعض المحافظات، نتيجة بعض «الأخطاء الفادحة لأحزاب اللقاء المشترك في ممارسة السياسة بأساليب غير سياسية، وقد سبق لكاتب هذه التناولة أن نبه إليها في أكثر من مناسبة على صفحات الصحف الوطنية» مما لم يسلم منه حتى بعض قادة «اللقاء المشترك» أنفسهم في مؤتمراتهم الأخيرة في مدينتي أبين والضالع، وتزايد ممارسات التعصب المناطقي المبالغ فيه لدى البعض من أبناء المجتمع اليمني لفكرة أو أفكار بعينها، مما لا يمكن السكوت عنه أو التغاضي عن آثاره السلبية القريبة والبعيدة المدى على علاقات مواطني الجمهورية اليمنية بعضهم بالبعض الآخر، وعودة الحديث عن ثنائيات «شمالي - جنوبي»، «شيعي - سني»، «وطني - عميل»، «تقدمي - رجعي»، «دحباشي - ...»، وغيرها من الثنائيات مجها الفكر الوحدوي الوطني اليمني، ولفظتها الثقافة الشعبية، والتي لا هدف لها إلا خلق الفتنة في أوساط المجتمع اليمني، وتأجيج الصراعات المفتعلة بين مواطنيه، مما كنا نعتقد أن مجتمعنا اليمني المسلم قد تجاوزه منذ أمد بعيد.
إن التركيز على الشعارات الانفصالية التي ظل البعض يطلقونها علناً دونما خوفٍ أو حرج، ويستدعونها بمناسبة وبدونها، وسياسات تأجيج و تثوير الشارع اليمني دون القدرة على ضبط كل التفاعلات الناجمة عن خروج عشرات الآلاف إلى الشارع، وهو ما أكدته أحداث الضالع وأبين، والسعي نحو زيادة مشاعر الكراهية والحقد بين أبناء المجتمع اليمني ضد كل ما هو وحدوي ووطني، لن يصلح الأوضاع السيئة التي يعاني منها أبناء المجتمع اليمني ولن يحقق الأمن والتنمية للوطن والمواطن، هذا إن كانت هناك نية فعلاً تذهب في هذا الاتجاه، لكنه سيزيد من مساحة الخصومة بين أبناء الوطن اليمني الواحد، ويقلص مساحة المشترك بينهم، وسيذهب بالجهود المبذولة خلال الفترة الماضية لإعادة تصحيح الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وسيزيد الوضع سوءاً.
ومع كامل الأسف أن البعض من إخواننا في أحزاب اللقاء المشترك، يسعون لهدم لكل ما هو وحدوي ومشترك، دون تقدير للتبعات والنتائج الآنية والمستقبلية على وحدة واستقلال الوطن، ودون تفكير في تأثيراته السلبية عليهم وعلى المواطن اليمني، الذي يبدو أنه يقع ضمن آخر أولوياتهم أو ربما بعدها بقليل، وهم يقومون بالهدم المنظم والتخريب المنهجي الواعي لكل مقدرات الشعب اليمني الواحد معتقدين أنهم يمارسونه في إطار الضغط على السلطة وممارسة حرية التعبير عن الرأي. ولذا ينطبق عليهم القول: «مخرب غلب ألف عمار».

جامعة إب
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:22 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-6207.htm