الميثاق نت -

الخميس, 24-مارس-2022
استطلاع/ عبدالرحمن الشيباني -
يُعد الفساد من الآفات والتحديات الكبرى التي تواجه المجتمعات التي تعمل على استئصال شأفته وتقوم بسن القوانين والتشريعات للحد من خطورته، فالفساد يبقى التحدي الابرز للدول والمعيق لأي نهضة منشودة ويوصف بأنه "انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة". ويصبح الفساد بمفهومه العام هو التغير من الحالة المثالية أو "الطبيعية"إلى حالة دون الحالة المثالية غير الطبيعية الذي يكون فيه الفساد حالة غريبة مستهجنة تستدعي التحرك فوراً من أعلى هرم السلطة.
بالنسبة لتعريف البنك الدولي للفساد فهو استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص (الشخصي) غير المشروع، وهذا التعريف يتداخل مع رأي صندوق النقد الدولي الذي ينظر إلى الفساد بأنه علاقة الأيدي الطويلة المتعمدة التي تهدف لاستنتاج الفوائد من هذا السلوك لشخص واحد أو لمجموعة ذات علاقة بالآخرين، يصبح الفساد علاقة وسلوكاً اجتماعياً يسعى رموزه إلى انتهاك قواعد السلوك الاجتماعي فيما يمثل عند المجتمع المصلحة العامة لذلك يعتبر ويوصف الفساد كأداة يعرقل عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية فى أن تسير بشكل طبيعي وتسهم في رفع المستوى‮ ‬المعيشي‮ ‬والاقتصادى‮ ‬للناس‮ ‬ويتخذ‮ ‬الفساد‮ ‬أشكالاً‮ ‬عدة‮ ‬مثل‮ ‬الفساد‮ ‬الاداري‮ ‬والمالي‮ ‬والسياسي‮.. ‬الخ‮.‬

أسباب‮ ‬الفساد‮ ‬
والحقيقة ان هناك جملة من الأسباب التي تؤدي إلى استفحاله، منها عدم الالتزام بمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية في النظام السياسي وطغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية وهو ما يؤدي إلى الإخلال بمبدأ الرقابة المتبادلة كما ان ضعف الجهاز القضائي وغياب استقلاليته ونزاهته أحد الأسباب المهمة لانتشار هذه الآفة المدمرة كما ان ضعف الإرادة لدى القيادة السياسية لمكافحة الفساد وذلك بعدم اتخاذ أية إجراءات وقائية أو عقابية ضد الضالعين في قضايا فساد يزيد من تفافمه، بالاضافة الى ضعف دور‮ ‬مؤسسات‮ ‬المجتمع‮ ‬المدني‮ ‬والمؤسسات‮ ‬الخاصة‮ ‬في‮ ‬الرقابة‮ ‬على‮ ‬الأداء‮ ‬الحكومي‮ ‬أو‮ ‬عدم‮ ‬تمتعها‮ ‬بالحيادية‮ ‬في‮ ‬عملها‮ ‬وتحكم‮ ‬السلطة‮ ‬التنفيذية‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬ما‮ ‬يتعلق‮ ‬بالسياسات‮ ‬الاقتصادية‮ ‬والسياسية‮ ‬والاجتماعية‮.‬

الشعور‮ ‬بالخطر‮ ‬
لذلك كان لابد من تحرك دولى فقد أعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 9 ديسمبر يوماً دولياً لمكافحة الفساد، لزيادة الوعي بالفساد ودور الاتفاقية في مكافحته ومنعه.. ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ في ديسمبر 2005، لذلك فاليمن كغيرها من البلدان التي تعاني الكثير من الفساد وتعمل من اجل مكافحته خصوصاً وأنها بحسب مؤشر الشفافية الصادر عن منظمة الشفافية العالمية في تقريرها للعام 2021م تتذيل القائمة أي من أسوأ الأداء على الصعيد العالمي والعربي فى مكافحة الفساد بـ( 16 نقطة) ثم ليبيا بـ (17 نقطة) وهذا يدل على أن مكافحة الفساد لا ترتقي للحد الأدنى والمأمول، إذ أصبح اليمنيون يعانون الكثير من آثاره المدمرة وبالرغم من إنشاء "الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد "إلا أن دورها يكاد لا يُذكر ومحدود فيما يخص مكافحة الفساد الذي أصبح ينخر فى الجهاز الاداري للدولة دون أن تكون هناك معالجات‮ ‬حقيقية‮ ‬للحد‮ ‬منه‮.. ‬
يقول محمد مهدي: "إن الهيئة مجرد يافطة فقط ليس إلا.. ويضيف: وأن الفساد في اليمن أصبح هو الذي يدير كل شيء بحيث أصبح ثقافة ويمارس بشكل طبيعي.. ويتساءل "ما الذي قدمته الهيئة منذ إنشائها، نريد منها تقديم فاسد واحد من العيار الثقيل إلى النيابة، اعتقد أن ذلك لم يتحقق، الناس ماذا سيستفيدون منها طالما وهي محلك سر بل أصبحت جهة يحصل موظفوها على امتيازات دون أن يقدموا شيئاً، نحن فى هذه الأوضاع أحوج أن تفعّل الأجهزة الرقابية للحد من الفساد الذي أصبح وحشاً ينهش في جسد المواطن والدولة معاً، ولماذا لا تظهر الملفات التي ينظر‮ ‬فيها‮ ‬الجهاز‮ ‬المركزي‮ ‬للرقابة‮ ‬والمحاسبة‮ ‬للعلن؟‮!‬
الناشط السياسي عبدالكريم الشميري اعتبر أيضاً ان الهيئة اصبحت عبئاً على الدولة وأن اعضاءها يحصلون على امتيازات مقابل لا شيء.. وأضاف: "لم يشهد المواطن أي قضية او ملف أحيل صاحبه للمحاكمة أو لحجز أموال فاسد كبير أو أن هذه الهيئة قد حققت الأهداف المؤكلة إليها التي‮ ‬هي‮ ‬واضحة‮ ‬وضوح‮ ‬الشمس‮ ‬في‮ ‬بنودها‮ ‬ونصوصها‮ ‬ولاتحتاج‮ ‬إلى‮ ‬تسويف‮ ‬أو‮ ‬اعطاء‮ ‬مبررات‮ ‬لإخفاقاتها،‮ ‬اننا‮ ‬نسمع‮ ‬من‮ ‬هذه‮ ‬الهيئة‮ ‬جعجعة‮ ‬ولانرى‮ ‬لها‮ ‬طحيناً‮..‬

دور‮ ‬ضعيف‮ ‬
وتابع الشميري قائلا: "مسئولوها في كل المقابلات واللقاءات أو الندوات تلك وممثلوهم في الجهات الأخرى يؤكدون إحالة عشرات القضايا من المال العام والفساد المالي والإداري، إذاً أين هم هؤلاء؟، لقد اقتصر دور الهيئة فقط لإعداد واقامة الورشات والندوات المختلفة والتعريف‮ ‬بالفساد‮ ‬وهو‮ ‬امر‮ ‬مضحك‮ ‬ومبكٍ‮ ‬فالفساد‮ ‬يكاد‮ ‬يقول‮ ‬شلوني‮"..‬
أما‮ ‬الصحفي‮ ‬محمد‮ ‬السبئي‮ ‬علق‮ ‬باقتضاب‮ ‬قائلاً‮: "‬إن‮ ‬المواطن‮ ‬لم‮ ‬يلمس‮ ‬أي‮ ‬دور‮ ‬أو‮ ‬نشاط‮ ‬لهيئة‮ ‬مكافحة‮ ‬الفساد‮ ‬ولم‮ ‬تقم‮ ‬حتى‮ ‬بإحالة‮ ‬أي‮ ‬فاسد‮ ‬إلى‮ ‬المحكمة‮ ‬او‮ ‬النيابة‮ ‬حتى‮ ‬يكون‮ ‬عبرة‮ ‬لغيره‮"..‬
‮ ‬
ثقافة‮ ‬متأصلة‮ ‬
الكاتب والمحلل السياسي/عبداالمنان السنبلي قال انه عندما يصل الأمر في بلادنا إلى أن الجميع يشتكون من الفساد ويعانون منه، فهذا يعني بالضرورة أن الجميع يمارسه بشكل أو بآخر، بدراية أو بغير دراية !
وأضاف‮: "‬عندما‮ ‬يمارس‮ ‬الجميع‮ ‬الفساد،‮ ‬فهذا‮ ‬يعني‮ ‬أن‮ ‬هذا‮ ‬الفساد‮ ‬في‮ ‬مفهومه‮ ‬الحقيقي‮ ‬والأصلي‮ ‬لم‮ ‬يعد‮ ‬مجرد‮ (‬جريمة‮)‬،‮ ‬وإنما‮ ‬تجاوز‮ ‬ذلك‮ ‬وأصبح‮ (‬ثقافة‮) ‬مستشرية‮ ‬ومتأصلة‮ ‬في‮ ‬أوساط‮ ‬المجتمع‮ !‬
وهنالك طبعاً فرق بين مفهوم الفساد كجريمة وبين مفهومه كثقافة، فالجريمة أيَّاً كانت يمكن احتواؤها أو السيطرة عليها أو حتى منع وقوعها أو محاربتها والحد من انتشارها، وأما (الثقافة) فلو جِيئ بجيوش العالم مجتمعة ليواجهوها، فلن يقووا على مواجهتها وكبح جماحها، فالثقافة‮ -‬وكما‮ ‬هو‮ ‬معلوم‮- ‬لا‮ ‬تواجَه‮ ‬إلا‮ ‬بثقافة‮ ‬مغايرة‮ ‬وفكر‮ ‬مختلف‮ ‬تماماً‮ !‬
وأشار السنبلي الى ان الحديث اليوم عن وجود توجه لمكافحة الفساد هو حديث للاستهلاك الاعلامي لا طائل منه سوى دغدغة للمشاعر ليس إلا..وتابع قائلا: الفساد في بلادنا -ببساطة شديدة- قد أصبح للأسف الشديد ثقافة مستشرية أشاعتها وشكلتها تراكماتٌ كثيرة من المعضلات والأزمات قابلها سنوات وعقود من التساهل واللامبالاة والإهمال، وعليه فإن الرهان اليوم على ما تُسمى بهيئة مكافحة الفساد وهي في أحسن حالاتها وأوج نشاطها لتحقيق اختراق في منظومة الفساد أو تحقيق انجاز هو رهانٌ بحد ذاته خاسر، فكيف بالرهان والتعويل عليها وهي التي وُلدت‮ ‬عاجزة‮ ‬وفاشلة‮ ‬منذ‮ ‬الوهلة‮ ‬الأولى‮ ‬أو‮ ‬هكذا‮ ‬اعتقد‮.‬
واختتم حديثه قائلاً: "الانتظار لأي دور حقيقي قد يأتي من هذه الهيئة أو التعويل على أي اجراءات قد تتخذها هو رهان خاطىء، ففاقد الشيء لا يعطيه، والعلاج يبدأ بتشخيص الحالة المرضية قبل البدء بإعطاء الدواء وليس بصرف المسكنات الوقتية "..

إرادة‮ ‬حقيقية‮ ‬
‮»‬الميثاق‮« ‬كانت‮ ‬قد‮ ‬تواصلت‮ ‬مع‮ ‬بعض‮ ‬المسؤولين‮ ‬فى‮"‬الهيئة‮ ‬الوطنية‮ ‬العليا‮ ‬لمكافحة‮ ‬الفساد‮ ‬ووعدونا‮ ‬بالرد‮ ‬حول‮ ‬استفساراتنا‮ ‬لكن‮ ‬لم‮ ‬نتلق‮ ‬أي‮ ‬رد‮..‬
الخوف من مواجهة الفساد وعدم التصدي له كما ان قلة الوعى بمخاطره يزيد من انتشاره بل هو تشجيع للفاسد في استمرار فساده، ولا شك ان وجود فلسفة ثقافية مشجعة على الفساد كما هو الحال في بعض البلدان النامية سواءٌ بالدفاع عن الفاسد أو التحفيز له عن طريق تصوير القيام بعملية فساد معينة بأنها نوع من الشجاعة والحنكة والتحجيم لردود الأفعال المواتية لظهور أي تهمة فساد يجعل من الجميع مشاركاً فيه بل ان هناك من يعطيه غطاء لتبرير استمراره ولذلك كثيراً ما نسمع عبارات مثل "كُل وأكّل "حق ابن هادى "..الخ، وهي لعمري شرعنة مبطنة لممارسة الفساد بكل صوره وأشكاله، هناك دول كانت غارقة فى الفساد واستطاعت بوجود إرادة حقة تحقيق الكثير من الإنجازات، ولعل تجربة تنزانيا الفريدة بقيادة جون ماغوفولي في هذا الشأن جديرة بالتأمل وكذلك رواندا وغيرها من الدول.. أن مؤشرات الشفافية للنزاهة ستظل في حدودها‮ ‬الدنيا‮ ‬مالم‮ ‬يكن‮ ‬هناك‮ ‬تحرك‮ ‬حقيقي‮ ‬من‮ ‬الجميع‮.. ‬فهل‮ ‬نحن‮ ‬أقل‮ ‬مستوى‮ ‬منهم‮ ‬؟‮ ‬لا‮ ‬نعتقد‮ ‬ذلك‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:27 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-62175.htm